دوغلاس باند.. رجل المهمات الصعبة البعيد عن مغريات الأضواء

التزم مع كلينتون لأكثر من عقد من الزمن بقواعد اللعبة

دوغلاس باند رجل المهمات الصعبة («واشنطن بوست»)
TT

عندما هاجم الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون مراسلا تلفزيونيا قبل فترة ليست بالطويلة، كان يقف الى جواره رجل صامت شاحب اللون أصلع الرأس. وكان من الممكن ان يكون شخصا عاديا يراقب موقفا سياسيا ـ غير انك ربما شاهدته يضع يده على ظهر الرئيس السابق في محاولة لتهدئته.

وعندما تحدى كلينتون اسئلة المراسل بخصوص قواعد اجتماعات الحزب وبدأ يثور، لم يبتعد الرجل الطويل عن مركز الصورة. ومنذ تلك المواجهة في اوكلاند بولاية كاليفورنيا في الشهر الماضي، بلغ عدد الذين شاهدوا الفيديو في «يو تيوب» على الانترنت 800 الف شخص. الا ان الشخص الذي يرتدي سترة كاكية اللون لم يكشف عن هويته. لقد حاول دوغلاس باند لأكثر من عقد من الزمن الالتزام بقواعد اللعبة: ابق قريبا من الزبون من الصباح حتى المساء، تولى حراسة كل الطرق والهواتف وابق صامتا. لقد ظل باند ملتصقا بكلينتون منذ بداية مشاركة الرئيس السابق في حملة زوجته في تكساس واهايو، في ما يعتبر فرصتها الاخيرة لوقف انطلاقة اوباما.

وبما ان العميل باند في تلك القضية هو واحد من اكثر الشخصيات تعقيدا ونفوذا في الحياة السياسية الاميركية، فإن باند اصبح مشغولا طول الوقت. الا انه نجح في رفع مستوى عميله الذي يعتبر تاريخيا، منخفضا، الى وظيفة دولية في مرحلة ما بعد الرئاسة تتميز بالتمويل والعلاقات الدولية ومؤامرات على غرار هوليوود. وقد اصبح من اقرب المقربين لكلينتون بعدما اصبح مستشاره.

وخلال تلك الفترة، حصل المتدرب السابق في البيت الابيض على درجة الماجستير وليسانس في القانون، واقام علاقة مع عارضة الازياء الشهيرة نعومي كامبل وتزوج من سيدة الاعمال ومصممة الحقائب ليلي رافي. وعلى الرغم من كل ذلك فإن باند البالغ من العمر 35 سنة نجح طوال تلك السنوات في العمل بعيدا عن الاضواء الاعلامية. فلم تظهر أي تقارير صحافية عنه في وسائل الاعلام. ولم ينقل عنه قوله أي شيء. وقد رفض اجراء مقابلة صحافية معه بخصوص هذا الحديث.

ولكن مثلما يعرف كل شخص يعمل مع بيل وهيلاري كلينتون، فإن الحياة مع بيل ليست خاصة. وقد تعتبر لحظة التفوق بالنسبة لباند في فصل الخريف الماضي عندما كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن دوره في التوصل الى اتفاق قيمته مائة مليون دولار في مجال العقارات، شارك فيه رجل اعمال ايطالي، وصديق كلينتون في كاليفورنيا رون بوركلي ومايكل كوبر وهو مساهم كندي في مؤسسة كلينتون. وكان المساهم الايطالي رافايلو فوليري، يبحث عن شركاء للانضمام اليه في شراء وتطوير اراض مملوكة للفاتيكان. كما انه قال انه يمكنه مساعدة هيلاري كلينتون عن طريق اصوات الناخبين الكاثوليك، طبقا للصحيفة.

وقد رفع بوركلي قضية ضد فوليري يتهمه فيها بإساءة استخدام استثماراته للانفاق على ملذاته. وقد احرجت الدعاية المتعلقة بالقضية بكلينتون وباند، لأنهما كانا مستشارين لشركة بوركلي واسمها يوكايبا، قبل قطع علاقتهما في مجال الاعمال لتجنب اسئلة بخصوص تعاملات كلينتون المادية وسط حملة زوجته. وقد ركزت القضية الانظار، لأول مرة، على باند ودوره المتشابك مع كلينتون. وعلى الرغم من اهمية باند بالنسبة لكلينتون، الذي ذكر ذات مرة انه لا يمكنه العمل بدونه، فإن هناك بعض الشخصيات في معسكر كلينتون الذين لا يشعرون بالرضا من ادائه. فقد اشاروا الى المعاملات التجارية والهجوم الذي شنه كلينتون في اوكلاند على اساس انهما يمثلان مشكلة اوسع. وكان رد باند قوله ان رجلا في وظيفته لا يكافأ على التصرفات الصحيحة بل على الاخطاء.

ومن بين الاشياء التي اثارها العقد العقاري هو عدد النشاطات التجارية التي استمتع بها باند مع كلينتون (لا يوجد طبقا لتصريحات متحدث) كيف يفحص هؤلاء الذين يحاولون الوصول الى الرئيس كلينتون، وكيف حصل على 400 الف دولار في عقد بوركلي. قال باند وأكد ذلك الاخرون، انه سلم المبلغ الى اشخاص اخرين شاركوا في العقد.

هناك الكثير من المرات التي حاول فيها باند أن يبقى بعيدا عن وضع كلينتون الذي يحتمل أن يكون صعب المراس، وفقا لما تقوله مصادر مقربة من كلينتون. وفي الفترة الأخيرة كان باند يفكر بأنه من غير الرئاسي بالنسبة لكلينتون ان يتوقف في حفلة عند منتصف الليل في فوينكس استضافها جيم براون. وقد ذهب كلينتون على اية حال. وقال موظف رفيع في حملة هيلاري كلينتون وحليف لباند، طلب عدم الاشارة الى اسمه، لأنه لا يريد أن يبدو منتقدا لكلينتون، «نحن لسنا رعاة أطفال. ان المرء يفعل كل ما بوسعه ولكنه يقف أحيانا في طريق القدر».

ويقول البعض ان باند فظ ومتحمس على نحو غير مبرر في حماية كلينتون. فقد دخل في نزاع مع ماغي ويليامز مساعدة هيلاري كلينتون الشخصية لفترة طويلة، «رشحت أخيرا مديرة لحملتها الانتخابية» عندما كانت ويليامز تعمل لفترة قصيرة مع بيل كلينتون مديرة لمكتب موظفيه قبل الرئاسة. ولدى باند أيضا عدد من الرعاة الداعمين الأقوياء في ما يعرف بمؤسسة ويليام جيفرسون كلينتون، وبينهم بروس ليندسي مستشار كلينتون وصديقه القديم، والمدير التنفيذي حاليا لمؤسسة كلينتون، وشيريل ميلز، المحامية السابقة في البيت الأبيض التي ساعدت على تمثيل كلينتون خلال عملية توجيه الاتهام له وتعمل الآن مع هيلاري كلينتون.

وقال بيل كلينتون في مقابلة معه بالهاتف «انني مندهش من أنه ما يزال يعمل معي، ذلك انه يمكن أن يحصل على مبالغ مالية أكبر بكثير لو عمل في مكان آخر. ولكنه يؤمن بما نفعله».

ويأتمن كلينتون باند كونه أول من صاغ فكرة «مبادرة كلينتون العالمية»، وهو المشروع الذي اقام كلينتون في اطاره نشاطه في فترة ما بعد الرئاسة، حيث جمع مئات ملايين الدولارات لقضايا دولية، ويجمع سنويا زعماء شركات وزعماء عالميين. وباند هو الابن الرابع والأخير لعائلة ثرية من ساراسوتا في ولاية فلوريدا، معروفة غالبا باسهاماتها السخية للمجتمع.

والتحق بالمدرسة الثانوية العامة وكان لاعب تنس ماهرا وقائدا طلابيا في جامعة فلوريدا. ووفقا لمايرا مورغان، مديرة المدرسة، توصل باند الى فكرة مبادرة «هدايا مقابل البنادق» في غينزفيل، حيث مجلس جمعيات الاخاء توافق مع هيئات تنفيذ القانون. وفي مقابل البنادق كان الطلاب يقدمون بطاقات الهدايا، وتواقيع لاعبي كرة القدم، والأزياء والمفردات الأخرى التي تعود الى مشاهير الرياضيين في الجامعة.

والتحق بالبيت الأبيض في عهد كلينتون في خريف عام 1995 متدربا متطوعات مع ميلز في مكتب المحاماة. وقد وظف في ذلك المكتب اخيرا، وحصل على درجة في القانون في معهد مسائي بجورجتاون. وأصبح المساعد الشخصي للرئيس في عام 1998.

وكان باند تحت الأضواء، عندما أجريت معه مقابلة من جانب المحقق المستقل كينيث ستار لأنه كان ذات مرة برفقة مونيكا لوينسكي متوجهين الى قاعة في البيت الأبيض. وقد وثق ذلك الموعد بصورة، عرضت على باند مبالغ كبيرة من جانب وسائل الاعلام للحصول عليها، ولكنه رفض. ويقول اصدقاء وافراد عائلته، ان باند حاول أن يبقى متمسكا بجذوره، على الرغم من متطلبات وظيفته. فقد كان يلتقي سنويا مع 20 من أصدقائه في الكلية. كما أنه جلب أفرادا من عائلته للعمل مع كلينتون، وبينهم شقيقه الطبيب. وقد استضاف والداه ميرنا وديفيد الشهر الحالي حفل جمع تبرعات لصالح هيلاري كلينتون في بيتهم بساراسوتا.

وعندما ترك كلينتون منصبه عام 2001 كانت هناك فرصة امام باند للعمل في غولدمان ساكس، ولكن آل كلينتون طلبا منه البقاء. وعندما أعلن عن مبادرة كلينتون العالمية عام 2005 تولى الكثير من المسؤوليات الادارية، ويرافق كلينتون في الوقت الحالي في جولاته في مختلف أنحاء العالم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»