اليمن مقبل على أزمة مياه خطيرة

استهلاك 22.4 مليون نسمة يتجاوز الإمدادات الجديدة

امرأتان تجلبان المياه من بئر جوفية خارج قرية خريف في المنطقة الشمالية من العاصمة اليمنية صنعاء التي تعتمد على المياه الجوفية (رويترز)
TT

تسير نساء متشحات بالسواد فوق هضبة صخرية وسط المرتفعات اليمنية، لجمع المياه في أوعية من البلاستيك صفراء اللون من آبار ستنضب عما قريب. وتقول اديبا سينا لرويترز: «نأتي الى هنا ثلاث أو اربع مرات كل يوم»، فيما ترفع امرأة اخرى المياه لمسافة ستة امتار لتصل للسطح وتصبها في عبوة بلاستيكية على حمارها. وتضيف «نستخدمه للتنظيف والطهي والاغتسال..لا تصل الينا الانابيب».

وهؤلاء النساء يواجهن اقصى معاناة، وصفها وزير المياه والبيئة بانهيار خطير لموارد المياه الوطنية، لا يمكن تفاديه ولكن يمكن تأجيله على اقصى تقدير.

وقال الوزير عبد الرحمن الارياني في مقابلة مع رويترز: «انه امر شبه حتمي بسبب الجغرافيا ومناخ اليمن، ويتزامن مع نمو سكاني غير محكوم وضعف شديد في طاقة ادارة الموارد».

ويعتمد اليمن على مياه جوفية لا تستطيع الطبيعة تعويضها بسرعة كافية كي تلاحق نمو تعداد السكان الحالي البالغ 22.4 مليون نسمة بما يزيد عن 3% سنويا.

ويقول الارياني ان استهلاك المياه يتجاوز الامدادات الجديدة في 19 من مكامن المياه الجوفية، وعددها 21 في البلاد. وتمتلئ الابار في القرى مثل بيت الهجيرة خلال مواسم الامطار القصيرة وتجف تدريجيا مع استهلاك المياه او تبخرها. وتقول سينا «حينئذ نموت عطشا».

في الواقع ان القرى تستأجر شاحنات تقطع طرقا صخرية لنقل مياه الشرب القيمة. وتقول حسينة الكابري (45 عاما) التي ملت من الرحلات اليومية الى البئر «لا نملك شيئا كان الله في عوننا. نريد ماء وكهرباء ومدرسة. اريد ان اتعلم القراءة». وتقع قرية بيت الهجيرة في حوض مياة محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء. وقال رامون سكوبل رئيس مشروع مياه في محافظة حوض عمران، تديره وكالة المعونة الالمانية جي.تي.زد «عمران وصنعاء اوشكتا على الانهيار على الارجح».

وتابع «ربما تكون صعدة الى الشمال الخط التالي. والى الجنوب انهار الحوض في تعز قبل عشرة اعوام ويعتمد الناس على موارد متجددة» اي مياه الامطار الجديدة بدلا من المياه المخزنة تحت سطح الارض.

وتفادي كارثة بهذا الحجم قد يمثل تحديا حتى لدولة اغنى. وتبدو الاحتمالات أسوأ بالنسبة لليمن حيث يعيش 45 في المائة من السكان على أقل من دولارين يوميا.

ولا يزال حوالي 75% من اليمنيين يعيشون في الريف ولكن تسارع وتيرة الانتقال للمدن اثقل على مرافق الحضر، ومن بينها المياه. وزاد تعداد سكان صنعاء الى اكثر من مليونين من 60 الفا فقط في الاربعينات.

وقال سكوبل «يصل عمق أعمق الابار في صنعاء الى الف متر الان. تحتاج الى حفار نفط للوصول لهذا العمق.. مستويات المياه تنخفض 6 الى 12 او 20 مترا سنويا».

ويستهلك اليمن أكثر من 90% من المياه في ري نبات القات ذي التأثير المخدر البسيط ويستهلك بكميات كبيرة في المجتمع اليمني. وقال الارياني ان المساحة التي تزرع بالقات تنمو بين 10 و15% سنويا، مضيفا ان جهود زيادة كفاءة الري يعوقها الدعم الحكومي الهائل للوقود الذي يخفض التكلفة الحقيقية للمياه ويدفع زراع القات لضخ كميات اكبر من المياه.

وتابع انه لا يوجد دافع لدى المزارعين لتحديث أساليب الري لرخص وقود الديزل، فسعر اللتر 0.17 دولار، ومن ثم لا يحتاجون الى التوفير في استهلاك المياه، كما ان عائد القات مرتفع.

وأضاف الارياني ان الحكومة لا يمكنها تطبيق قوانين استخراج المياه والري على كبار المستهلكين، مثل زعماء العشائر وضباط الجيش والاثرياء حتى ان حاولت. وقال ان 99% من عمليات استخراج المياه تتم من دون ترخيص.

وقال ان الحكومة لا تملك الوسائل او الارادة فيما يتعلق بالمياه. وتابع ان كبار المخالفين من الشخصيات الكبرى صاحبة النفوذ. وابدى اعتقاده بان الفرصة الأمثل تتمثل في توافق شعبي بشأن كيفية معالجة الازمة.

وقديما كان اليمن يحسد على غزارة الامطار التي تهطل عليه ومدرجات الزراعة وقنوات الري. وكان الرومان يطلقون عليه اسم اليمن السعيد، وهو يتناقض مع الواقع الحديث البائس نتيجة ندرة المياه. وستكون تحلية مياه البحر عملية مكلفة في مدينة داخلية مثل صنعاء، التي تقع على ارتفاع 2200 متر فوق سطح البحر، مع وجود قمم أعلى تمنع وصول خطوط انابيب من البحر الاحمر.

وفي النهاية ربما يضطر ملايين من الناس للانتقال من مدن مرتفعة قاحلة الى سهل تهامة الساحلي، حيث امكانيات توافر المياه أكبر ولكن الطقس حار ورطب ويساعد على انتشار الملاريا.

وتفيد وثيقة لوكالة المعونة الالمانية جي.تي زد بان 40% من المنازل في المدن اليمنية لا ترتبط بشبكات مياه رئيسية. وقال سكوبل ان الامور لن تتحسن ما لم يتصدى اليمن لمشكلة الانفجار السكاني. وتابع «ربما يقف هذا الجيل بتعداد سكان اليمن عند 28 او 30 مليونا اذا تحرك بشكل جاد فعلا».

وتابع «ولكن عليهم ضخ مبالغ ضخمة لا تتعامل مع مواطنين متعلمين يتحلون بالحكمة، بل اسر اغلبيتها من غير المتعلمين يتحكم فيها الذكور حيث يشجع الدين والثقافة على انجاب عدد كبير من الاطفال».

والنساء اللائي يجمعن المياه في بيت الهجرية ضحايا ازمة المياه المتفاقمة. وتقول الكابري انها تعاني من مشكلة في الكلى، وهي نفس شكوى كثيرين في القرية وفي اليمن بصفة عامة.

وقال سكوبل «هناك اناس في العشرين من عمرهم يعانون من وجود حصوات في الكلى لانهم بكل بساطة لا يشربون مياه كافية».