ملاك سعوديون «يحصنون» مبانيهم «من شر حاسد إذا حسد»

«إمسك الخشب» في بلدان عربية لاتقاء العين

أذكار دينية وعبارات قرآنية لاتقاء شر الحسد («الشرق الاوسط»)
TT

ربما عبارة «إمسك الخشب»، التي يستخدمها المصريون «اتقاء للعين»، تلاقي رواجا لها في السعودية، ولكن على طريقة السعوديين أنفسهم، مفضلين «إمسك الاسمنت»، كناية عن استخدامهم للآيات القرآنية والأذكار الدينية في المباني الخرسانية، التي يشيدونها سواء للاستثمار أو للسكن.

وتبدو الصورة واضحة في المدن الكبرى، ولكنها أكثر وضوحا في المدن الصغيرة والأرياف السعودية، التي يعتبر تشييد منزل فيها، حكاية يعرف بها الكل، ويتناقلون تفاصيل بناء المنزل منذ أول لبنة وحتى صوت المفتاح في مزلاج البوابة الرئيسية.

يقول أبو سليم، وهو مقاول إنشاءات، إن بداياته، منذ قدم في السعودية على مهنة نجار قبل 3 عقود، جعلته على علاقة مع حكاية العين والحسد وحرص أصحاب المنازل في مراحل الأساسات على وضع أذكار دينية أو آيات قرآنية من سورتي «الفلق» و«الناس»، بين قطع الاخشاب المحيطة بأعمدة المنشأة، حتى بات الأمر مألوفا لديه: «ما يحدث هنا يحدث في بلدي سورية وفي أماكن أخرى.. إنهم يشعرون بالقلق من أي عبارة إطراء من الزائرين لمشاهدة بنيانهم».

وبدا الأمر يأخذ شكلا تسويقيا في جوانب معينة، حيث يبتدع النقاشون من مادة الجبس عبارات دينية مثل «لا إله الا الله» أو «ما شاء الله لا قوة إلا بالله»، أو آيات قرآنية، متعلقة بالعين والحسد، ويتفنون في نقشها بحيث تتصدر واجهات المنازل سواء في البناء الخارجي، أو في المداخل الرئيسية، كما دخل السيراميك والرخام في هذه الصناعة، التي تعبر عند صاحب المنشأة عما يشبه «ختم الضمان» من أن بيته أو استثماره الذي كلفه أموالا طائلة، محصن من أعين الحاسدين.

ويتفق أشخاص قرروا بناء وتشييد منزل العمر، على أن الحرص على تحصين القواعد الاسمنتية في مرحلة البناء، ووضع عبارات دينية في الواجهة الخارجية، هو من باب الحرص والاقتداء بتحصين النفس والمال، ولا يرون في الأمر ظاهرة أو تقليدا، وإنما يمنحهم الأمر الطمأنينة.

وفي مدينة جدة، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، وهي منفذ القادمين لزيارة الأماكن المقدسة، يعتقد متابعون بأن ثقافة العبارات الدينية على واجهات المباني، جاءت كتقليد في بادئ الأمر، حيث كانت قوافل الحج والعمرة ممن يستوطنون لشهور طويلة في أحياء معروفة لكل جنسية، يستخدمون تلك العبارات بين ما هو ديني وما هو اجتماعي، وبلغات مختلفة.

وكان السكان المحليون في بلاد الحجاز يستخدمون تلك العبارات بعد رحيل الحجاج على سبيل التأثر، كما أصبحت بعض العمارات الكبرى في جدة، حتى اليوم تعرف بالعبارات المكتوبة على واجهاتها، كعمارة «لا اله الا الله» الواقعة في شارع فلسطين في جدة، وكذلك عمارات أخرى يفضل اصحابها تسميتها بـ«التقوى» أو «الايمان» أو «الصلاح» مستخدمين ما يعزز تلك التسميات من آيات أو أذكار دينية. وكما يذهب بعض الانسان للرقية الشرعية، كما تسمى اصطلاحا، فإن آخرين يقومون بجلب بعض المختصين في الرقية، للكشف عن منازلهم بطريقة مختلفة عن أدوات المهندسين بحثا عن عين هنا أو هناك، متلمسين ضرورة الكشف بوجود تشققات في الجدران، أو اختلاف مستوى الطبقة الارضية في المبنى نفسه، أو أي اعتلالات هندسية أخرى، وهو ما يرجعه أولئك المشتغلون بالرقية الى وجود «عين حاسدة» يجب البحث عنها وطردها بالاذكار حتى لا تتسبب لأصحاب المنزل بالأمراض البدنية والنفسية، على حد زعمهم.

وكانت قد برزت في السبعينات والثمانينات الميلادية، مع بدء تدفق المركبات للسعودية، موضة مشابهة، في استخدام أذكار دينية وكتابتها على المركبة في زوايا محددة ومتعارف عليها، فيما كانت الأشعار الشعبية تدخل على الخط ذاته ولكن بصبغة «روحانية» لا علاقة لها بالغزل، مثل «على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب»، أي أن هناك علاقة وطيدة عند السعوديين بين اللغة والحديد والحجر.