مادة كيمائية جديدة تجبر هيئة الدواء والغذاء الأميركية على مراجعة أنظمتها

تسببت في مقتل 19 شخصاً وإصابة المئات بمرض الحساسية

TT

عندما قتل الدواء المصنوع في الصين والذي كان يحتوي على السم، نحو 120 شخصا في بنما عام 2006 وأوائل 2007، اعتقد الاميركيون أن مثل هذا الوباء لا يمكن أن يحدث في بلدهم، حيث يوجد واحدٌ من أفضل أنظمة العلاج في العالم. وبعد ذلك، وخلال الربيع الماضي، مات أو مرض مئات إن لم يكن آلاف الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة عن طريق تناول مكونات طعام صيني للحيوانات الأليفة، يحتوي على مستويات مميتة من الميلامين، وهو منتج صناعي يستخدم في زيادة مستويات البروتين بطريقة صناعية. وتبع ذلك بفترة قصيرة، اكتشاف وجود معجون أسنان صيني في الأسواق الاميركية، يحتوي على كيماويات سامة يتم استخدامها في مواد مقاومة التجمد. ولكن لم تسبب هذه المادة موت أحد من الاميركيين بعد. ثم جاء دور مادة «الكبدين» وهي مادة شائعة تستخدم في منع تخثر الدم وتستخدم في العمليات الجراحية، وعمليات التمييز الغشائي. واتضح في بعض الحالات أن مادة «الكبدين» تحتوي على مادة غامضة كان من الصعب تحليلها في بداية هذا الشهر، وهي مادة كيميائية معدلة تشبه المخدرات الحقيقية. وربطت إدارة الطعام والدواء الاميركية بين هذه المادة ووفاة 19 حالة والمئات من حالات الحساسية المفرطة، على الرغم من أن الوكالة ما زالت تبحث فيما إذا كان التلوث هو السبب الحقيقي. يا لهُ من فارق يمكن أن يحدث خلال سنة. وبعد فقد العديد من الحالات وظهور علامات التحذير، أثار الخوف من مادة «الكبدين» الشكوك داخل الولايات المتحدة وخارجها بشأن صعوبة إشراف الوكالات النظامية على تأمين الدواء وسط العولمة الاقتصادية التي تتسم فيها سلاسل التوريد بالطول والغموض، والتي تحتوي في أغلب الأحيان على العديد من الشركات الصناعية. وقد قال موازيس نعيم، رئيس تحرير مجلة السياسة الأجنبية، ومؤلف «المحظور»: «كيف يسرق المهربون والتجار والمقلدون الاقتصاد العالمي.. في فترة التسعينيات كانت الحكومات تحاول زيادة حجم التجارة الدولية. وأنا أؤيد ذلك تماما. ولكنني أعتقد أنه خلال العقد الحالي، سوف يزداد الاهتمام بجودة التجارة وليس بكميتها». وأفاد نعيم بأن الخوف من مادة «الكبدين» له بالفعل تأثير «كبير»، ويزيد من قلق العالم بشأن الدواء المستورد والمطالبة المتنامية بحماية المستهلك. ويتحدث الآن الديمقراطيون في الكونغرس عن زيادة تمويل إدارة الطعام والدواء، لتقوم بالمزيد من التفتيش العالمي، لا سيما في الصين، حيث يتم تصنيع المزيد من مكونات الدواء. كما أن الوكالة أيضا بصدد الانتهاء من خطة توظيف موظفين بصورة دائمة في الصين لأول مرة. ويقول موراي لامبكين، وهو النائب المفوض لإدارة الطعام والدواء: «إن التركيز على حدود الولايات المتحدة فقط لا يفيد. فعلينا لكي ننجحَ في الداخل، أن نعمل بصورة أفضل في الخارج».

وكذلك، فإن مشرعي الدواء في الصين بدأوا في اتخاذ بعض الخطوات الصغيرة باتجاه سد الفجوات النظامية، لاسيما مع آلاف الشركات الكيميائية التي تبيع مكونات دوائية دون ترخيص. وأمام المشرعين الكثير من العمل والعديد من العوائق التي يجب عليهم اجتيازها لمجابهة التحديات التي تفرضها العولمة. وتوضح الطريقة التي يتم بها تصنيع وتوزيع مادة «الكبدين» هذه التحديات. فالمادة الخام من هذا الدواء تأتي من الغشاء المخاطي في أمعاء الخنازير المذبوحة. ويتم خلط هذه الأغشية وطهوها معاً، في عملية يتم إجراؤها بصورة غير نظامية في معامل عائلية صينية. ومن ثم تُحمل لوسطاء يقومون بنقل المنتج لمصانع في الصين تقوم بتصنيع المكون الفعال لمادة «الكبدين» ثم يتم شحنها إما لتاجر آخر أو للمصنع الذي يتولى تصنيع الدواء في صورته النهائية. في الولايات المتحدة، بعد أن اكتشف باكستر إنترناشونل المكونات الفاسدة، قام بسحب مادة منع تخثر الدم. وبعد هذا، قامت اليابان والعديد من الدول في أوروبا بسحب منتجات معينة تحتوي على مادة «الكبدين» استخدمت في صناعتها مكونات صينية. يذكر أنه في بعض الأحيان يقوم التجار الأوربيون بشراء وبيع مادة «الكبدين» لشركات في دول أخرى، مما يوسع من نطاق سلسلة التوريد. ويقول خبراء في مجال مكافحة السلع المقلدة إنه كلما زادت السلسلة، كانت هناك فرصة أكبر للمحتالين لغش المنتج. وفي حقيقة الأمر، لم يصل محققو إدارة الغذاء والأدوية للمرحلة التي تم فيها إضافة مادة «الكبدين» المقلدة خلال عملية التصنيع متعددة المراحل. ويقول آلن دروسن، المدير التنفيذي لرابطة العلامات التجارية الدولية: «التقنية المتطورة ومنافذ التصنيع المنتشرة في كافة أنحاء العالم جعلت من الأدوية المقلدة نشاطا تجاريا واسعا وغير مشروع يتسبب في تسميم المرضى». ولا تتمتع أيٌّ من الهيئات الحكومية بسلطة حماية سلسلة التوريد على نحو كامل لأنها تمر بالعديد من الدول. وتتولى منظمة الصحة العالمية برنامجا يساعد على تتبع الدواء المقلد، ولكن لا توجد هيئة منظمة. ويقول الخبراء إنه يجب على المصنعين القيام بدور أكبر في اختبار المكونات المستوردة. فعلى سبيل المثال، لم تكتشف الاختبارات المحتويات التي تشبه مادة «الكبدين» لأنها كانت مثل المادة الحقيقية، وهذا يقلق الدكتور روجر وليامز، الرئيس التنفيذي لهيئة دستور الأدوية في الولايات المتحدة. هذه الهيئة هي المسؤولة عن وضع مواصفات الجودة للأدوية والمكتسبات. ويضيف الدكتور وليامز: «ما تراه الآن هو غيض من فيض. كيف يمكن أن تعرف أيَّ خطأٍ آخر؟». وقال، على سبيل المثال، لم يكن الميلامين موجودا لأننا لا نحب البروتين. يجب تطوير بعض الاختبارات الأخرى. وتوصلت هيئة دستور الأدوية لطريقة أفضل لتتعرف على ما إذا كان السم موجودا، ويهدف ذلك إلى مساعدة الشركات الأخرى على التعرف على الديثيلين جليكول، وهو السم رخيص الثمن الموجود في بنما كدواء للبرد، وفي الصين كمعجون للأسنان. * خدمة «نيويورك تايمز »