شيخ التربويين في مصر يحذر من عواقب خصخصة التعليم الجامعي

TT

حذر التربوي المصري البارز حامد عمار من اخضاع الجامعات في بلاده لسياسة الخصخصة وما يترتب على ذلك من اثار اعتبرها خطيرة منها الغاء مجانية التعليم وتفاوت مستويات التعليم داخل الجامعة الواحدة وهو ما انتشر في بعض الجامعات المصرية في الاعوام القليلة الماضية.

ويقول عمار في كتابه (قيم تربوية في الميزان) ان التباين بين التعليم العادي والمحسن والمتميز في الجامعة الواحدة «خاصة اذا كانت حكومية.. بدعة بلا مثيل في العالم.. ولادات غير شرعية.. اذ ليس من تفاضل فيما بين أنواعها سوى التعليم باللغة الاجنبية وهذه في حد ذاتها عورة ثقافية واجتماعية» حيث يؤثر ذلك على النسيج الوطني عموما كما يزيد التباعد الاجتماعي بين الطلاب.

وينفي أن تكون جامعات راسخة مثل أكسفورد وكمبردج وهارفارد وييل تضم أقساما متميزة وأخرى عادية.

ويشدد على أن الدعوة الى «تحرير التعليم على شاكلة تحرير الاقتصاد واستكمالا لسياسة خصخصة مؤسسات المجتمع «ستؤدي الى مخاطر» جسيمة» اذ تحرم أكثر من 70 في المائة من السكان من الحاق أبنائهم بالجامعات.

كما يحذر عمار أن تعتبر الجامعة في مصر «وحدة تدار اقتصاديا معتمدة على مواردها» في حين تقدم حكومة الولاية بل الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة قدرا من المعونة الى الجامعات الحكومية اضافة الى ما تحصل عليه من مؤسسات التمويل للبحوث التي تطلبها الصناعات والقوات المسلحة والشركات الكبرى.

ويقع الكتاب في 280 صفحة كبيرة القطع وصدر في القاهرة ضمن سلسلة (درسات في التربية والثقافة) عن (مكتبة الدار العربية للكتاب).

وحصل عمار على درجة الدكتوراة في اجتماعيات التربية من جامعة لندن عام 1952 وعمل بجامعة عين شمس وصدر كتابه الاول عام 1954 بعنوان (العمل الميداني في الريف) وتلته كتب أخرى منها (المنهج العلم في دراسة المجتمع) و(في اقتصاديات التعليم) و(التنمية البشرية في الوطن العربي) ونال عنه جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1994 . وفي العام نفسه فاز عمار بجائزة الدولة التقديرية من مصر.

وأصدرت (الدار المصرية اللبنانية) بالقاهرة في الاونة الاخيرة السيرة الذاتية لعمار (87 عاما) بعنوان (خطى اجتزناها.. بين الفقر والمصادفة الى حرم الجامعة) وفيها يشدد على أن البشر «هم أهم ثروات مصر على الاطلاق وان هذه الثروة لو احسن استخدامها وصقلها يمكنها اعادة صياغة مستقبلنا والانطلاق الى افاق التقدم والازدهار الشامل».

ويتطرق عمار الملقب بشيخ التربويين في مصر في كتابه الجديد (قيم تربوية في الميزان) الى عدد من القضايا التعليمية منها الطريقة التي يتم بها اختيار القيادات الجامعية في مصر وتدخل الدولة وبالذات المؤسسات الامنية في شؤون الجامعات «وفي هذا اهدار لحقها في أسلوب اختيار قياداتها وفي حريتها واستقلاليتها» مضيفا أن «كلمة الحرية» تكاد تغيب عن الرؤى التي تخطط لمستقبل التعليم الجامعي في مصر.

ويرى أن حظر قيام «تشكيلات ذات طابع سياسي» في الجامعات أدى الى تجنب الطلاب كل ما يدور في عالم السياسة وعزلهم عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأصبحوا «أميين سياسيا... هذا الموقف قد امتد الى بعض هيئات التدريس.. لو سمح لهم جميعا بممارسة الانشطة السياسية فلن تجد لقوات الامن ومركباتها الضخمة المخيفة مكانا أمام الجامعات وحول

أسوارها» مشددا على أن تكوين الوعي السياسي للطلاب «من صميم رسالة الجامعة» لتغذيتهم معرفيا وثقافيا ووطنيا.

ووجهت انتقادات كثيرة في مصر الى طريقة تعيين الدولة لعمداء الكليات بعد أن كانت هناك منافسة بين أكثر من مرشح وينتخب الاساتذة أحدهم لمنصب العمادة. وقيل ان بعض الاجهزة الامنية تتدخل في التعيينات للمناصب الجامعية.

كما تم تقسيم العام الواحد الى فصلين دراسيين. وفسر مراقبون هذا الاجراء بأنه يهدف الى الهاء الطلاب عن الانخراط في العمل السياسي بسبب وجود اختبار في منتصف العام واختبار في اخره.

ويعلق عمار قائلا ان هناك وقتا مهدرا في فترتي العام الاكاديمي «التي تقتطع منه حوالي ثلاثة أشهر».

ويقول ان التعليم الجامعي في مصر في حاجة الى اصلاح حقيقي لتطوير هياكله بعد «اختفاء أي من أسماء جامعاتنا ضمن قائمة 500 من الجامعات المتميزة في العالم» لاسباب كثيرة منها ما يعزوه خبراء تربويون الى تحول الجامعات الى نوع من المدارس التي يقرر فيها لكل مادة كتاب واحد.

ويقول عمار ان هذا الاجراء «بدعة.. يقتضي الامر تحريم الاتجار بالكتب المقررة وفرض شرائها فالاتجار بالتعليم كالاتجار بأقوات الشعب».