فيلم وثائقي يعيد الى الذاكرة تاريخ مطار كاد ينسى

TT

تعود مخرجة فلسطينية شابة بذاكرة جمهورها الى مايقرب من خمسين عاما لمن عاش في ذلك الوقت لتقدم معلومات جديدة لجيل يبدو انه لا يعرف الكثير عن تلك الفترة.

اختارت ناهد عواد دعوة مميزة لحضور العرض الاول لفيلمها (خمس دقائق عن بيتي) على مسرح وسينماتك القصبة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة فكتبت على تذكرة سفر تشبه تلك التي كان يسافر بها المغادرون عبر مطار القدس عام 1960 "انت مدعو الى رحلة في مطار القدس" مع الاشارة الى زمان وعرض الفيلم.

ويكتشف الجمهور ان المخرجة تأخذه على مدار اثنتين وخمسين دقيقة في رحلة الى ماض اخذ معه وجها مشرقا وفترة زمنية كان فيها للفلسطينيين منفذ الى العالم الخارجي الا وهو "مطار القدس" الذي احتله الجيش الاسرائيلي عام 1967 ويقع على بعد خمس دقائق من رام الله وعشر دقائق من القدس.

قالت ناهد في حفل الافتتاح امام جمهور لم تتسع له قاعة العرض " انا من جيل يعرف عن مطار القدس الحاجز والمدرج. التقيت السيدة جورجيت شحادة (سيدة فلسطينية كانت تسافر عبر المطار) حدثتني كيف نزلت بالمطار عام ثلاثة وستين عندما عادت من امريكا عندما انهت دراستها كانت المرة الاولى التي اعرف انو عنا في مطار."

من هنا بدأت ناهد قبل ثلاث سنوات رحلة البحث عن صور وشهادات عن مكان كان يعج بالحياة يوميا وطائرات تهبط واخرى تطير من والى ارجاء العالم.

ولا تخفي المخرجة حزنها لعدم عثورها على صور فيديو للمطار وقالت لرويترز بعد العرض "لقد بحثت في كل مكان كنت اتوقع ان اجد فيه صور فيديو للمطار قبل عام 67 الا انني لم اجد. وماوجدته كان صور فيديو للمطار بعد الاحتلال وتمكنت من الحصول على بعض الصور الفوتوغرافية التي ساعدتني في ايصال الرسالة."

تقدم ناهد في فيلمها الذي تبدأه بصور فوتوغرافيه للمطار اثناء هبوط طائرة فيه واخرى لعدد من المسافرين الذين ينتظرون في احدى الصالات المكشوفة للمطار وصور لمضيفين ومضيفات.

ويبدو في الفيلم ان ناهد ليست الفلسطينية الوحيدة التي لا تعرف تاريخ المطار فكثيرون من الذين كانت تسألهم في الفيلم وهم يمرون من جانب المطار عبر حاجز قلنديا الذي يشكل احدى بوابات العبور الى مدينة القدس لا يعرفون شيئا عن هذا المكان.

من اطرف الاجابات ما قالته شابة في العشرينات من العمر "أنا سمعت انو ابو عمار (ياسر عرفات) كان يهبط بطائرته الخاصة فيه قبل ان يتوجه الى رام الله." وقد علت ضحكات الجمهور اذ لم تهبط طائرة الرئيس الفلسطيني الراحل في المطار قط.

وقال شاب اخر في العشرينات من العمر ايضا "قبل اسبوع عرفت انو في مطار."

يوضح يوسف حجار الذي عمل في المطار لسنوات عدة في مجال فحص تذاكر المسافرين ان حركة يومية كانت في المطار منه الى بيروت والقاهرة والمانيا وفرنسا وغيرها من الدول.

وقال حجار وهو يعرض عقد عمله في المطار "أول معاش اخذته عام 1965 كان سبعة دنانير عن سبعمئة اليوم." واضاف انه حصل على رحلة سفر مميزة بمناسبة زواجه حيث سافر على متن طائرة وعروسه فقط الى بيروت اضافة الى قائد الطائرة والمضيفة.

وفي بحثها عما يعيد الى هذا المكان ذاكرته تلتقي المخرجة بهانية ياسمين في الاردن التي عملت في المطار لسنوات لتقلب معها بعض صور تلك المرحلة.

وقال هانية ان ممثلين كبارا غادرو عبر مطار القدس منهم الموسيقار والمطرب فريد الاطرش والممثلة فاتن حمامة والمطربة سميرة توفيق والراقصة نجوي فؤاد.

وتستذكر هانية ان البابا اتى الى القدس عبر المطار عام 1964 دون ان تتذكر اسمه وقالت "حركة الطيران زادت واضطررنا ان نعمل طويلا بسبب زيارة البابا".

وتستضيف ناهد في فيلمها عبر الهاتف الكابتن سالم من لبنان حيث هبط مرات عدة في مطار القدس قائلا "ان رحلات يومية كانت تأتي من بيروت الى مطار القدس وانه ما زال يذكر مدرج المطار من الشرق الى الغرب كنا نطلع وننزل واحيانا توقف ليلي في المطار وكان لدي بيت في القدس".

تتجاوز الشاهدة نوما حاطوم الساكنة بجوار المطار الحديث عن المطار وذكرياتها فيه لتشرح كيف كانت تذهب لاستقبال اخيها القادم من الولايات المتحدة حيث كانت تصعد على سطح المنزل وعندما ترى الطائرة تذهب الى القاعة لتكون في انتظار اخيها وتعرض صورا لها ولصديقاتها وهن يتمشين في المطار.

وتقدم نوما الى جانب حديثها عن المطار كيف كان وماذا حل به قصتها مع شقيقتها وهي تشير الى ان كلا منهما تحمل بطاقة هوية لها لون مختلف لا يمكنهما من اللقاء الا بموجب تصريح اذا اردات اختها التي تحمل بطاقة صادرة عن السلطة الفلسطينية زيارتها بينما هي تحمل هوية زرقاء صادرة عن الحكومة الاسرائيلية.

وتقول بحسرة "لون الهوية يفرق ما بينا."

ويلف مطار القدس هذه الايام الجدار الذي يفصله عن الفلسطينيين وعلى بعد امتار من مدرجه تقيم اسرائيل معبر قلنديا الذي يتطلب العبور منه الى القدس تصاريح خاصة لا تعطى الا للحالات المرضية او لموطفي المؤسسات والهيئات الدولية.

ويتساءل احد المواطنين في الفيلم عن المطار ويقول "المطار طار" ويقول اخر "بدهم (الاسرائيليون) يبنوا مستوطنة مكان المطار ضاقت الدنيا فيهم فلم يجدوا الا المطار."

وتقول نوما "برغم كل التغيرات الحق لا بد يعود يوم لاهله واتمنى ان يكون ذلك في ايامي."

ورغم ان الفيلم يعرض مأساة حلت بجزء مهم من تاريخ الشعب الفلسطيني وكانت له تبعات مستمرة الى اليوم الا ان ضحكات الجمهور كانت تعلو على مواقف بعض شخوص الفيلم الذين بدا انهم يتحدثون بعفوية وتلقائية.

وانتج هذا الفيلم الذي عرض قبل الليلة الماضية في مهرجان سينما الواقع في سويسرا بدعم وتمويل من القنصلية الفرنسية في القدس ووزارتي الثقافة الفلسطينية والتركية.

قال القنصل الفرنسي العام في القدس الان ريميه بعد مشاهدته العرض لرويترز "انا مندهش لسببين الاول انك لو كنت تبحث عن ممثلين لفيلم لما وجدت اروع ممن كانوا في الفيلم والسبب الثاني ضحك الجمهور رغم ان الفيلم يتحدث عن مأساة."

واضاف "نحن سعداء للمساهمة في انتاج فيلم يدعم المخرجين الشبان ويعطي الفرصة للفلسطينيين لمعرفة تاريخهم."

وقال جون بول غنيم الملحق الثقافي في القنصلية الفرنسية في الافتتاح بالفرنسية التي ترجمت الى العربية "هذا المطار يمثل رمزا حقيقيا للفلسطينيين. قامت المخرجة باعطائنا فكرة مثيرة جدا عن هذا المطار."

واضاف "كنت متحمسا جدا لفكرة الفيلم عندما عرض علي. ان الفيلم فاق التوقعات."

تختتم ناهد فيلمها الذي أهدته "الى اهالي غزة المحاصرين" بصور عن مواصلة العمل في بناء الجدار الذي يعزل المطار كليا عن محيطه الفلسطيني بالقول "الجدار عم يطول ويمتد ويغطي منظر المطار... يمكن احسن ما اظل اشوفه وبضل معي القصص الي سمعتها عن المطار ايام عزو".

قالت ناهد التي حظيت بثناء وشكر عدد كبير من الحضور لهذا الفيلم "ان عرض الفيلم الليلة في رام الله بداية الانطلاقة لعرض الفيلم في مهرجانات عربية ودولية."