رجال بقلوب تنبض في الجهة اليمنى

حالات نادرة يصعب تفسيرها علميا ولا تشكل أية مخاطر صحية على أصحابها

عبدالقادر انور اصيب بالذهول عندما اكتشف أن قلبه يوجد في الجهة اليمنى
TT

طبيعة التكوين الفسيولوجي المعقد لجسم الانسان تنطوي احيانا على حالات غريبة واستثنائية، بعضها ناجمة حسب آراء علماء الطب والبيولوجيا عن طفرات وراثية او خلل ما في اداء جينات وراثية معينة، او عن تشوهات خلقية للجنين اثناء فترة الحمل جراء تعرض الام للعنف، مثلا، فيما هناك حالات اخرى لم يتوصل العلم الحديث الى تعليل او تأويل علمي شافي لها حتى الان.

فهناك حالات فسيولوجية تحدث لدى بعض المواليد تخالف القواعد العلمية الثابتة والمتعلقة بطبيعة تكوين الاعضاء الداخلية ومواقعها في جسم الانسان، والمتعارف عليها في علم الاحياء كوجود القلب في الجهة اليمنى. حالات يمكن اعتبارها خروقا مبهمة الاسباب بالنسبة لقوانين الوراثة التي تشخص مسؤولية كل جين عن تكوين عضو معين في الجسم البشري، وآية من معجزات وشؤون الخالق في خلقه.

* ولعل حالات وجود قلب الانسان في الجهة اليمنى اكثر تلك الخروقات الوراثية اثارة للدهشة والحيرة، وإن كانت نادرة. مجلة "صحتك" سعت لتسليط بعض الضوء على جانب منها، ومحاولة الاجابة على تساؤلات حول ماذا كان الاشخاص الذين يحملون قلوبهم في الجهة اليمنى يعانون من امراض في القلب؟ ومدى تأثير التغيير في موقع القلب على اداء وظيفته الفسيولوجية؟ والاهم من كل ذلك هل يستطيع حامل قلب في الجهة اليمنى ان يمارس حياته بشكل طبيعي كغيره من الناس؟

يقول "عبدالقادر انور " 43 عاما، انه اصيب بالذهول عندما اكتشف الطبيب الذي فحصه عام 1987، بهدف أداء الخدمة العسكرية بعد اكماله الدراسة الاعداية في بغداد، بان قلبه يوجد في الجهة اليمنى خلافا للمعتاد. وأضاف ان الطبيب حاول تهدئته وتبديد مخاوفه من ان تكون الحالة خطيرة على حياته، مؤكدا "بان وجود القلب في غير موقعه لايعني مطلقا الاصابة المرضية، وان دقات قلبي منتظمة على نحو اعتيادي وقال " يمكنك أداء الخدمة العسكرية بلا مشاكل، لكنني لم اصدقه، لأن الاطباء في تلك الفترة كانوا تحت ضغط شديدةمن قبل السلطة، التي كانت تحظر عليهم تسريح الشباب من الجيش لأسباب صحية مهما كانت خطيرة او جسيمة. راجعت بصحبة والدي طبيبا متخصصا بامراض القلب، وطمأنني هو الآخر بان حالتي طبيعية وتحدث عند الكثيرين، ولم ادرك انه أيضا يحاول تبديد مخاوفي نزولا عند طلب والدي، الذي كان الطبيب قد ابلغه على انفراد، بأن حالتي خطيرة جدا وحذره من البوح لي بهذا السر، لتجنب حدوث مضاعفات. وشدد الطبيب على ضرورة مراعاتي صحيا، ومنعي من ممارسة أي تمارين رياضية أو جهد، بما في ذلك الزواج، موضحا بان اصحاب هذه الحالات يموتون في الغالب بعد اكمال سن الثلاثين، كما نصحني بتحاشي حرارة الشمس". ويتابع أنور: "ظل والدي يكتم عني ما قاله الطبيب حتى تجاوزت الثلاثين بسنتين دون ان يطرأ على حالتي الصحية اي تغيير سلبي. عندها فقط وافقت اسرتي على زواجي، لاسيما بعد تأكيدات من العديد من الاطباء المتخصصين بامراض القلب في السليمانية التي انتقلنا اليها عام 1992، بان حالتي طبيعية ولاتدعو للقلق".

وعما اذا كان وجود القلب في الجهة اليمنى من الصدر ينعكس بتاثيراته على المشاعر او الاحاسيس تجاه الجنس الآخر يقول انور " لم اشعر بذلك يوما. عندما كنت في طور المراهقة كنت اتصرف كأي صبي في تلك المرحلة، كما كنت أمارس الرياضة يوميا ولساعات دون ان أ شعر بألم او خفقان غير عادي في القلب". ويضيف:" والآن رزقت بطفلين و مازلت اتمتع بصحة جيدة والحمدلله، وامارس عملي اليومي كعامل بناء بلا مشاكل، بل ولم اعد اتذكر ان قلبي ينبض من الجهة اليمنى الا عندما يتحدث الاخرون عن ذلك" .

وفي مستشفى امراض القلب في السليمانية، تشير الاحصاءات الى ان عدد الاشخاص الذين يحملون قلوبهم في الجهة اليمنى لايتجاوز اربعة افراد، وكلهم من الرجال بعضهم يعاني من مشاكل واضطرابات في القلب، ليس بسبب موقعه بل لعوامل تتعلق بوجود خلل فسلجي في صمامات القلب، او بسبب تصلب الشرايين والاوردة، الناجمة في الغالب اما عن الافراط في تناول الكحول و التدخين او عن تناول أطعمة غنية بالكولسترول والدهون الثقيلة او الكربوهيدرات. وتتباين آراء اطباء القلب حول نسبة الذين يحملون قلوبهم في الطرف الايمن، اذ يعتقد الجراح المتخصص، نظام الدين الحسني، اخصائي امراض القلب في مستشفى السليمانية، بأن نسبة هذه الحالات هي 1 من بين نصف مليون شخص. ويقول بان هذه الحالة تسمى بانقلاب او انعكاس القلب، وهي حالة قد يرافقها احيانا انعكاس في الامعاء ايضا، مضيفا "أن القلب يمكن ان يقع في الجهة اليمنى بدون تشوهات، ويمارس وظيفته الفسيولوجية دون مشاكل صحية، كما قد يكون مصحوبا بتشوهات تعيق من اداء القلب لوظائفه". ويوضح بأنه عاين الكثير من تلك الحالات خلال فترة ممارسته جراحة القلب في مركز امراض القلب ببغداد على مدى 25 عاما، واجرى عمليات قسطرة تشخيصية للبعض منهم، او قسطرة علاجية للبعض الآخر، بمن فيهم الذين يعانون من اضطراب في وظائف الشريان التاجي، وهي حالات يجري علاجها بعملية تدخل قسطري وفتح الشريان التاجي بفتح بالون وزرع شبكة فيه دون ان يكون لوجود القلب في الجهة اليمنى تأثير عن العملية، ودون أن يسبب أي مشاكل علاجية او مخاطر على حياة المريض. وعزا الدكتور الحسني معظم تلك الحالات الى حدوث تشوهات ولادية في نمو الجنين اثناء فترة الحمل، مستبعدا ان تكون نتيجة عوامل وراثية او متعلقة بجنس الانسان .

بينما يقول الجراح المتخصص، آرام جمال ميرزا، الذي يعمل في المستشفى ذاته ان النسبة هي 1 – 3 اشخاص من بين عشرة آلاف شخص. ووضح ان السبب العلمي في حدوث تلك الحالات مرده الى انعكاس في موقع الجين المسؤول عن تكوين القلب لدى الجنين اثناء الحمل، وتحديدا في الاسبوع الرابع منه حيث يبدأ الجين ببلورة القلب. ويشير الدكتور ميرزا بان الذين يحملون قلوبهم في الجهة اليمنى غالبا ما يصابون باضطرابات في الجيوب الانفية ايضا وتسمى طبيا بـ " kartagner sendrem " . وهناك حالة اخرى تسمى " سايتس انفيرتس " وتعني حدوث تغيير في المواقع الحقيقية للقلب والكبد والطحال، اي ان يقع القلب في اليمين والكبد في اليسار والطحال في الجهة اليمنى، وهذا التغير في مواقع تلك الاعضاء، يحدث من الاسبوع الثاني الى السادس من عمر الجنين .

ويؤيد الدكتور ميرزا آراء زميله الجراح الحسني، في ان نمو القلب في الجهة اليمنى بشكل سليم لايؤثر في الصحة العامة لصاحبه، حيث يمكنه ان يمارس حياته بشكل طبيعي، مؤكداابانه اجرى قبل ايام فقط عملية قسطرة جراحية لزرع الشبكة والبالون في قلب شخص بهذه الحالة، وكللت العملية بنجاح تام <