الوصمة الاجتماعية للأمراض النفسية.. الأسباب والحلول

دراسة محلية: نصف المرضى النفسيين يحجمون عن طلب العلاج بسببها

TT

يعتبر الطب النفسي أحد أهم فروع الطب، قديما وحديثا، رغم اختلاف وسائل التشخيص والعلاج، وما صاحبهما من اعتقادات اجتماعية متباينة، وما واكبهما من ظهور نظريات وفرضيات علمية تفسر الاضطرابات النفسية والعصبية التي يعاني منها المريض النفسي، ما أدى الى التطور الكبير الذي شهده هذا الفرع من الطب والى التقدم الواضح في درجة استيعاب الناس وفهمهم لهذه الأمراض واتجاههم الى الطرق العلمية الحديثة في علاجها.

لقد ارتبطت الاضطرابات النفسية على مر العصور بنظرة جائرة من المجتمع سواء العادي والبسيط منهم أو المتحضر والمتعلم، ولا زال الكثيرون يرجعون هذه الاعراض والاضطرابات الى المس والسحر، وأنها نوع من الجنون. وتكون النتيجة احجام هؤلاء المرضى عن زيارة الطبيب النفسي خوفا من وصمة المجتمع، واللجوء إلى المشعوذين حتى تتفاقم المشكلة ويصبح حلها وعلاجها مستعصيا أو مستحيلا.

* دراسة محلية

* تحدث الى " صحتك " الأستاذ طلال محمد الناشري مدير ادارة الصحة النفسية والاجتماعية بصحة جدة مشيرا الى نتائج آخر دراسة محلية قام بها وشاركت معه الاستاذة آمال عمر السايس اخصائية اجتماعية أولى في مستشفي الملك فهد بجدة، بهدف معرفة اتجاهات المجتمع نحو الأمراض النفسية وأسباب الإحجام عن البحث في العلاج النفسي عند الحاجة إليه، ومن ثم التخطيط لحملات توعية بماهية الأمراض النفسية وأسبابها وطرق علاجها حتى يتم التغلب على بعض المعتقدات الخاطئة التي ترسخت في أذهانهم وأصبحت جزءا من الثقافة المجتمعية.استخدمت استمارة "استطلاع رأي" كأداة للدراسة. وشملت عينة الدراسة الفئات العمرية الواقعة بين 20-55 سنة، كانت نسبة الإناث المشاركات اكبر من نسبة الذكور(65.3%)، وكانت نسبة المشاركين من التعليم الجامعي 60.4% وما فوق الجامعي 7. 32.%، مما يوضح أن غالبية المستجيين كانوا من المتعلمين والذين  لديهم خلفية جيدة عن الموضوع.

* النتائج 

* ارجع معظم المشاركين في الدراسة (52.5%) سبب عدم توجه المريض النفسي لطلب العلاج حين إحساسه بالأعراض، إلى النظرة السلبية التي ينظر بها المجتمع إلى المريض النفسي، ورأى (31.7%) منهم أن السبب عدم اقتناع المريض وأسرته بالطب النفسي، وأشار (15.8%) أن السبب قد يرجع إلى لجوء كثير من أفراد المجتمع إلى الشيوخ وذلك لاعتقادهم أن المرض النفسي مس شيطاني، وهذا  يؤدى  إلى التأخر في طلب العلاج النفسي، وانتكاس الحالة.

وعن نظرة المجتمع إلى المريض النفسي، يرى (57.4 %) أنه خطر على المجتمع ويجب الحجر عليه، بينما يرى (34.7 %) أنه مريض كغيره ولكن يحتاج إلى فترة طويلة من العلاج.

ويرى الباحث الأستاذ الناشري أن هناك مؤشرا ايجابيا حول إمكانية شفاء المريض النفسي من المرض بعد إخضاعه للعلاج، فقد ظهر من الدراسة أن (64.4 %) من المشاركين متفائلون بعودة المريض لممارسة حياته الأسرية والعملية بالتدريج وبدور الأسرة في الإشراف على تناول الأدوية بانتظام مخافة أن يصاب بانتكاسة لحالته.

ارجع اغلب مفردات عينة الدراسة (65.3%) سبب الأمراض النفسية الى الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية وضغوط الحياة، (1.0%) أشاروا الى أهمية العوامل الوراثية فقط في بعض الأمراض النفسية مثل الفصام.

 وعن أسباب صعوبة تشخيص الأمراض النفسية، أشار (56.4 %) الى انعدام وعي المجتمع بالأمراض النفسية وإرجاعها إلى المس والعين، في حين ارجع نسبة 24.6% الأسباب إلى كون المريض النفسي قد لا يعترف بحاجته إلى العلاج ويجب أن يكون الأهل واعين بدرجة كبيرة حتى يتم البحث عن العلاج النفسي وعدم إرجاعه إلى ضغوط نفسية في العمل أو الآسرة أو العصبية أو غيرها. ويرى ما نسبته 18.8% أن الأمراض النفسية معقدة بشكل قد يجعل من الصعب للعامة التعرف عليها.

 وهناك اجماع على تردد الأسرة في اللجوء إلى المساعدة الطبية والنفسية عند معاناة احد أفرادها من مرض نفسي، فأرجع (47.5%) من المشاركين الأسباب الى عدم وجود أطباء نفسيين  متخصصين بالعدد الكافي، (31.7 %) الي عدم وجود مستشفيات نفسية مناسبة في حالة حاجة المريض إلى التنويم، (20.8%) الى عدم وجود عيادات نفسية كافية.

كما كان هناك اجماع على عزوف المريض النفسي عن استكمال العلاج، وعزى (45.5 %) السبب إلى طول مدة العلاج النفسي ومايعاني المريض واسرته من ارهاق وتعب في متابعة العلاج، وارجعت نسبة 43,6 % السبب لكثرة استخدام الأدوية النفسية المهدئة والمنومة والاعراض الجانبية مما أدى إلى خوف المرضى من الإدمان وترسخت في أذهان الناس صورة الطبيب النفسي مرتبطة بالادوية النفسية والعلاجات الطويلة وعدم استجابة المريض للعلاج أو شفائه بشكل كامل، أما نسبة 10.9% فأرجعت عدم استكمال العلاج إلى ارتفاع أسعار الأدوية النفسية وعدم توفرها وصعوبة الحصول عليها.

* التردد في الاعتراف بالمرض

* وهناك جانب آخر على درجة كبيرة من الأهمية وهو تردد بعض الأسر في الاعتراف بالمرض النفسي، ويرى ( 73.3%) من المشاركين في الدراسة أنه بسبب الخوف من معرفة المحيطين بهذا المرض والخجل والشعور بالعار، وهذا يؤكد أن الوصمة الاجتماعية المحيطة بالمرض النفسي قد تؤدى في معظم الأوقات إلى تردد الأسرة في الاعتراف بوجود مريض لديهم، ويرى ما نسبته 19.8 % الادعاء بأن هناك وعكة صحية طارئة أو ظروف بيئية صعبة في المنزل أو العمل بدلا من الاعتراف بالمرض النفسي، ويخشى (6.9 %) من المشاركين من تنويم المريض في مستشفى الأمراض النفسية حتى لا يعرف المحيطون بظروف مرضه.

ويضيف الباحث أن هناك من الاسر من تتخلى عن مسئولياتها تجاه المرضى بعد خروجهم من المصحات النفسية، وأيد ذلك (56.4%) من المشاركين في الدراسة معزينه الى ضعف الروابط الأسرية، وأعزى (26.7%) منهم السبب الي الخوف من المريض وإمكانية إلحاق الأذى بنفسه وبالآخرين، أما (16.8 %) فأرجعوه إلى عدم إمكانية توفير الجو المناسب والآمن للمريض بعد خروجه. في حين أن قبول المريض في أسرته بعد خروجه من المصحة جزء هام في العلاج النفسي لإحساس المريض بتقبل أسرته له وإحاطته بالعطف والحنان.

وعن أسباب نظرة المجتمع السلبية للعلاج النفسي الطبي، يرى (49.5%) أن السبب يعود الى أن الأمراض النفسية تحيطها الكثير من الخرافات التي لا اصل لها من الصحة، الأمر الذي يستدعي نشر الوعي الصحي بالأمراض النفسية بشكل مكثف، ويرى (30.7%) أن السبب هو عدم امكانية شفاء المريض النفسي بشكل كامل، ويضيف الى ذلك عدم الثقة بالاطباء النفسيين (19.8%).

هذا وقد طالب حوالي 60.4 % من المشاركين بدور بارز لوسائل الإعلام المختلفة بنشر الوعي بين أفراد المجتمع لتلافي ضعف الوعي المجتمعي بالمرض النفسي الحاصل حاليا، وذلك بعمل: برامج إعلامية مستمرة و جذابة لتعريف المجتمع بهذه الأمراض، إدخال برامج دراسية عن الأمراض النفسية في المدارس لتوعية الطلاب والطالبات، عمل أسبوع صحي نفسي  يتم فيه تكثيف البرامج الثقافية والتوعية الصحية بالامراض النفسية.

كما طالب حوالي 81.2 % منهم بأهمية الاحتفاظ بسرية المعلومات وان تكون غاية في السرية بسبب خوف المريض من الوصمة المجتمعية للأمراض النفسية <

* توصيات

* أوضح الباحث أن هنالك وعيا عاليا بأهمية العلاج النفسي وقد يكون بين الطبقة المثقفة وذات التعليم العالي في المجتمع ولذلك أوصت الدراسة بعمل دراسات أخرى يراعى فيها التطبيق على جميع مفردات المجتمع حتى يتم معرفة رأى جميع أفراد المجتمع بشكل متساوي. وتوصي الدراسة بالآتي:

-اقامة حملات توعية عن أهمية المرض النفسي والنظر إليه كأنه مرض جسدي يحتاج إلى البحث عن علاج عند المتخصصين فيه وعدم ترك المريض بدون علاج مما يؤدى إلى تفاقم الحالة النفسية عند المريض وصعوبة علاجها.

-عدم تمرير العبارات التي تتحدث عن المرض النفسي بشكل  يؤثر على الرأي العام.

-عدم ترك البرامج النفسية التي يبثها التلفزيون لغير المتخصصين.

-على أصحاب القرار في وزارة الصحة الاهتمام بفتح عيادات نفسية تكفى الأعداد المتزايدة من المرضى وتوفير الرعاية المناسبة لهم.