سكر الدم.. العلماء حائرون حول تحديد مستوياته

اتفاق على تقليل مستواه واختلاف حول قيمة المستوى الأدنى له

TT

التحكم الصارم بمستوى سكر الدم حيوي، الا انه لا يوجد اتفاق (بين الخبراء) حول قيمة اقل مستوى له. المستويات العالية والمتغيرة بشكل فجائي للسكر (الغلوكوز) والإنسولين في مجرى الدم، هي اهم علامات مرض السكري. وبمقدورها الإضرار بالأعصاب وبالأوعية الدموية الصغيرة، الأمر الذي قد يقود الى فقدان البصر، فشل الكلى، ضعف الانتصاب لدى الرجال، او الى فقدان القدم او الرجل. اما الأضرار التي تلحق بالاوعية الدموية الكبيرة فهي شائعة ايضا- فحوالي اثنان من كل ثلاثة من الاشخاص المصابين بالسكري يتوفون بالنوبات القلبية، السكتة الدماغية، او الاشكال الاخرى لأمراض القلب والأوعية الدموية.

* السؤال الكبير

* السؤال الكبير الخاص بالتحكم في سكر الدم ظل ولفترة طويلة يدور حول "ما هو اقل مستوى اسكر الدم، يجب عليك الوصول اليه؟"، وهل من الضروري تقليل سكر الدم الى المستوى الموجود لدى الاشخاص السليمين غير المصابين بمرض السكري، او اته يمكن ان يزيد عن ذلك الحد؟

الاختبار الاساسي المسمى "هيموغلوبين أيه 1 سي" hemoglobin A1c، يقدم نظرة عبر الزمن لمستويات سكر الدم على مدى عدة اسابيع. والافراد غير المصابين بالسكري لديهم عادة يقل لديهم مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” عن 6 في المائة. اما الافراد المصابون يالمرض، فان هذا المستوى قد يصل الى 8 في المائة او اكثر. والحفاظ على مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” أقل من 7 في المائة (الذي يعرف عادة بالتحكم الصارم) يساعد على الوقاية من فقدان البصر، الفشل الكلوي، وبتر الأعضاء. ويساعد التحكم الصارم البالغين من الشباب المصابين بمرض السكري من النوع الاول، على الوقاية من التهاب اللوزتين، النوبات القلبية، او عمليات فتح الشرايين التاجية المزدحمة بترسبات الكولسترول او فتح مجازات لمرور الدم بدلها. الا ان فائدة التحكم الصارم هذا في درء النوبات القلبية والسكتة الدماغية لدى الاشخاص الأكبر سنا من مرضى السكري من النوع الثاني، وخصوصا المصابين منهم بأمراض القلب، لا تزال موضع التساؤل

* دور مبهم للتحكم الصارم

* في عام 2001 انطلقت اختبارات “العمل للتحكم في أخطار القلب والأوعية الدموية عند الاصابة بالسكري” The Action to Control Cardiovascular Risk in Diabetes (ACCORD)، بهدف اختبار ثلاث استراتيجيات للبالغين الذين يعانون من مرض السكري من النوع الثاني لفترة طويلة، وهي:

>التحكم الصارم في سكر الدم (الهدف -”هيموغلوبين أيه 1 سي” اقل من 6 في المائة).

>التحكم الصارم بضغط الدم الانقباضي (الهدف –أقل من 120 ملم زئبق) >زيادة مستوى الكولسترول عالي الكثافة HDL، وتقليل مستوى الكولسترول منخفض الكثافة LDL.

وفي فبراير 2008، اوقف معهد القلب والرئة والدم الوطني فجأة، ابحاث سكر الدم ضمن هذه الاختبارات، نتيجة حدوث وفيات اكثر في مجموعة التحكم المكثف في سكر الدم، مقارنة بمجموعة قياسية للتحكم بسكر الدم. وظهر ان نصف الوفيات حدثت بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. اما ابحاث ضغط الدم والكولسترول فلا تزال مستمرة ضمن الاختبارات الجارية.

وقد هزت النتائج الكثير من خبراء مرض السكري، الذين كانوا يتوقعون ان يقدم التحكم الصارم بسكر الدم نفس الفوائد في مجال الحماية من امراض القلب والأوعية الدموية، كما هو الحال في تقديمه الفوائد للأوعية الدموية الصغيرة والأعصاب للافراد المصابين بالسكري من النوع الثاني. لماذا اذن، لم يؤدي مهمته كما كان يفترض؟ من المحتمل ان تكون محاولات الحفاظ على سكر الدم في نطاق “طبيعي” قد ادت الى إنهاك احتياطي المرضى بالسكري من النوع الثاني، ولذا جعلت من الصعب غليهم جدا النجاة من النوبة القلبية او السكتة الدماغية. كما ان من المحتمل ايضا ان يؤدي التقليل السريع لمستويات سكر الدم والانسولين المتوسطة، الى اهتزاز استقرار طبقات ترسبات الكولسترول، الامر الذي يؤدي الى تكسر هذه الطبقات الهشة، ما يقود الى النوبة القلبية او السكتة الدماغية.

* حافظ على مستويات سكر الدم

* ان نتائج اختبارات ACCORD لا تعني ان التحكم بسكر الدم، مسألة ضارة. انه الامر الصحيح اللازم اجراؤه لكل مصاب بالمرض. والتوصيات الخاصة بمستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” لأقل من 7 في المائة، تظل قائمة. وهذا أمر ليس من السهل تنفيذه، اذ يحقق نحو نصف الاميركيين المصابين بالسكري فقط هذا الهدف. الا انه يظل هدفا رائعا لاكثر الناس. واستنادا الى نتائج اختبارات ACCORD، فان السماح لمستوى سكر الدم بالارتفاع قليلا فوق 7 في المائة، ممكن للمصابين بالسكري من النوع الثاني منذ فترة طويلة- اكثر من 10 سنوات- وخصوصا اولئك الذين ظهرت لديهم امراض القلب والاوعية الدموية.

ومع أهمية التحكم الصارم، في درئه لفقدان البصر، وبتر الأعضاء، والمضاعفات الاخرى الناجمة عن السكري، فان هدف تحقيق مستوى 7 في المائة يبدو مقبولا لدى غالبية المصابين بالسكري.

* خدمة هارفارد الطبية – الحقوق: بريزيدانت آند فيلوز– كلية هارفارد.

* هل يتوجب عليّ التوقف عن تقليل سكر الدم لديّ؟

* ضبط مستواه لدى مرضى السكري أفضل من تركه دون تحكم

* كمبردج (ولاية ماساشوستس الاميركية): توماس أتش. لي*

* س: لقد قرأت حول الدراسة التي افترضت ان التحكم الصارم بالسكري ادى الى مزيد من الوفيات. ان “هيموغلوبين أيه 1 سي” hemoglobin A1c الخاص بي كان يتراوح بين 7 و 7.5 لسنوات عديدة. هل يتوجب عليّ التوقف عن تقليل مستواه؟ أم ان عليّ دفع سكر الدم نحو مستويات أقل؟

ج: جوابي: حاول التقليل. وحاول ان تدفعه الى مستوى يقل عن 7، الا ان عليك وعلى طبيبك ان توظفوا الحكمة والتعقل، عند تنفيذ محاولتك هذه.

السكري يزيد من خطر امراض القلب والأوعية الدموية، ومنها امراض القلب والسكتة الدماغية. والكثير من الناس المرضى بالسكري لديهم اخطار اضافية: زيادة في الوزن، ارتفاع في ضغط الدم، ارتفاع في مستويات الكولسترول منخفض الكثافة LDL.

الدراسة التي تحدثت عنها تسمى اختبارات “العمل للتحكم في أخطار القلب والأوعية الدموية عند الاصابة بالسكري” The Action to Control Cardiovascular Risk in Diabetes (ACCORD). وهي دراسة كبيرة كبيرة (سجل فيها اكثر من 10 آلاف شخص)، وتشمل على تجارب عشوائية برعاية حكومية صممت خصيصا لاختبار ثلاث طرق لخفض خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية للبالغين المصابين بالنوع الثاني من السكري: وذلك بالخفض المكثف لضغط الدم، خفض مستويات الكولسترول بأدوية الفيبريت fibrates والستاتن statins، والتحكم الصارم بمستوى سكر الدم. وقد اوقفت الاختبارات المتعلقة بالتحكم الصارم بسكر الدم في فبراير 2008. اما القسمين الآخريين من الاختبارات فلا يزالان متواصلين.

مستويات سكر الدم ترتفع وتنخفض مع تناول وجبات الطعام، ونتيجة لعوامل أخرى. ومستويات “هيموغلوبين أيه 1 سي” هي طريقة جيدة للتعامل مع متوسط هذه المستويات على مدى عدة اشهر. وفي اختبارات ACCORD، كان الهدف للمشاركين ضمن مجموعة التحكم الصارم بمستوى سكر الدم، الوصول الى مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” يقل عن 6 في المائة، وهو المستوى الذي نراه لدى الاشخاص غير المصابين بمرض السكري. اما المشاركون في مجموعة المقارنة فكان عليهم التوصل الى مستوى يتراوح بين 7 و 7.9 في المائة.

وكما هو الحال في اغلب الدراسات الكبيرة، فان دراسة ACCORD ضمت مجموعة من الخبراء الخارجيين الذين كانوا يعكفون بشكل منتظم على مراجعة البيانات بهدف رصد المؤشرات المبكرة لأي فوائد او أضرار. وأي منهما (أي الفوائد او الاضرار) قد يشكل سببا لوقف الدراسة قبل انتهاء وقتها. وقد دقق خبراء ACCORD في البيانات التي استلموها من مجموعة التحكم الصارم بسكر الدم، ن بعد مرور نحو اربع سنوات في المتوسط من العلاج. وفي ضمن المجموعة التي سجل لديها مستوى يقل عن 6، توفي 257 شخصا، مقارنة بـ 203 اشخاص توفوا في مجموعة المقارنة، أي بفرق 54 حالة وفاة. وهذا يقابل زيادة بـ 20 في المائة في الوفيات في مجموعة المستوى الذي يقل عن 6 في المائة.

إن مرضى السكري الذين يحاولون الحفاظ على مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” اقل من 6 في المائة ظلوا يتحلّون بالكثير من الهمّة والعزيمة وكذلك اجروا فحوصات دم متكررة. وقد توقع الكثير من الباحثين ان هذه الأمر يستحق هذا الجهد، لأنه سيقود لحدوث نوبات قلبية أقل. وفي الواقع، فان المشاركين في مجموعة التحكم الصارم بسكر الدم تعرضوا لنوبات قلبية أقل نسبيا من مجموعة المقارنة التي لم يتم فيها تحكم صارم. وأصيب الباحثون بالدهشة فيما اخذ العالم، ربما كما هو الحال معك، يتأمل في الخطوة الواجب اتباعها.

ومع كل هذا ، فإن النتائج دفعت رابطة السكري الاميركية واغلب الخبراء الذين أعرفهم الى الاستمرار في التوصية الموجهة لغالبية المصابين بالسكري، للحفاظ على مستوى مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” أقل من 7 في المائة. وتشير دراسات اخرى نشرت حديثا – ويعد قسم آخر منها للنشر- الى ان هدف 6.5 في المائة مفيد- او في اقل الاحوال، ليس اكثر خطرا من حالة فقدان التحكم بسكر الدم. والنتائج التي قدمتها دراسة ACCORD ترسل رسائل مختلفة عن كل الابحاث الاخرى تقريبا. وباعتقادي فان 6 في المائة تدفع بعملية التحكم بمستوى سكر الدم الى حدود بعيدة جدا.

ولذا، فاني اقترح عليك الاستمرار في ضبط مستوى سكر الدم لديك. والدليل الجيد، القوي يظهر ان المصابين بالسكري الذين يحافظون على مستوى “هيموغلوبين أيه 1 سي” اقل من 7 في المائة، تقل لديهم على الاغلب المعاناة من الاضرار على الاعصاب او الكلى الناجمة عن تأثيرات سكر الدم العالي.

ويبدو انك تنفذ مهمتك بشكل جيد. فبمقدورك التوصل الى مستوى 7 في المائة ببذل مجهود قليل اكثر. الا انني لا انصحك بالذهاب الى اقل من 7 في المائة بكثير، ولكن حاول بالتأكيد البقاء فوق مستوى 6 في المائة، خصوصا ان كانت لديك أي مشاكل في القلب او الاوعية الدموية.

* طبيب في مؤسسة “بارتنرز هيلثكير سيستم، في بوسطن بولاية ماساشوستس، خدمة هارفارد الطبية – الحقوق: بريزيدانت آند فيلوز – كلية هارفارد.