فياغرا والبطيخ.. فصل آخر من كوميديا الأخبار الطبية

بين أكل القشر أو اللب

TT

يحتاج معشر منْ في الوسط العلمي إلى الروية في تقرير التوصل إلى نتائج طبية مدعومة بأدلة وبراهين علمية. ويحتاج معشر منْ في الوسط الإعلامي إلى القراءة المتأنية لما يقوله الباحثون العلميون، حال عمل الإعلاميين على توصيل أخبار تتحدث حول الدراسات العلمية. ولأن لغة العلم، وبالذات تلك التي يستخدمها الباحثون الطبيون، دقيقة في انتقاء كلمات الجُمل التي تُعبر عمّا يُريدون قوله للناس حول ما توصلوا إليه من معارف، فإن بعثرة عباراتهم وانتقاء مفردات محددة منها لتوصيل رسائل لم يقلها الباحثون، سيُوصلنا بلا أدنى شك إلى حالة كوميديا "نُكت" الفكاهة والضحك فيما يُريد البعض قوله للناس على لسان هؤلاء الباحثين.

والأول من يوليو الحالي كان موعداً مع أحد تلك الفصول الكوميدية لإعلام الأخبار "الطبية". وخبر الموضوع العلمي الذي تناقلته وكالات الأنباء كان بعنوان " قد يكون للبطيخ تأثير فياغرا". وهو ما يُعتبر بلغة الإعلاميين عنواناً جذاباً ومُثيراً للاهتمام، من الدرجة الأولى، لأنه ربط مباشر بين أمرين ملفتين للنظر وشائعين. والتعليق العفوي لأي أحد من الرجال سيكون غالباً: "يا سلام"، إذْ مع انتشار توهم الكثيرين إصابتهم بالضعف الجنسي، وفي لهيب المعاناة من حرارة الصيف، منْ ذا الذي لا يتمنى أن يكتشف له العلماء أن في شرائح باردة من بطيخ ذا "حَمَارٍ وحلاوة" تُوجد مادة طبيعية لها مفعول فياغرا؟

وعلينا تذكر أمرين. الأول، لا أحد يُنكر احتمال أن يكتشف العلماء، يوما ما، مواد غذائية ذات تأثيرات مُطابقة لما تفعله فياغرا أو سيالس أو ليفيترا على أعضاء الرجال. والثاني، أن عرض فوائد المواد الموجودة في المنتجات الغذائية، نباتية أو حيوانية، ضروري ومفيد. ولكن ما يجب هو نقل نتائج الدراسات التي تم إجرائها حول تناول الإنسان لها، أو تناول الحيوانات لها، أو اختبار تأثيراتها وفق ما يتم على الخلايا الحية في المختبرات. ووفق هذه النتائج يتم عرض رأي الهيئات العلمية الطبية المتخصصة في معالجة أجهزة الجسم المختلفة. وذلك كي يُفرق الإنسان بين ما ثبتت فائدته وبين ما لا يزال محل دراسة وبحث. وقالت قصة الخبر، البطيخ هو الأنسب ليوم عيد "الفالنتاين"، والسبب قول العلماء بأن البطيخ يحتوي مواد تُحدث تأثيرات شبيهة للفياغرا في الأوعية الدموية للجسم، ما قد يرفع من الشهوة الجنسية libido. ذلك أن من بين ما هو متوفر في البطيخ من العناصر الغذائية النباتية المصدر phyto-nutrients ، مواد "سيترولين" citrulline. وتتم اليوم محاولات علمية لفهم تأثيرات هذا "النجم الصاعد"، أي "سيترولين". ومن بين ما تم التوصل إليه أن الجسم يقوم، بعد امتصاصه لمواد "سيترولين"، بتحويلها إلى مركب "أرجنين" Arginine عبر أنزيمات معينة. و"أرجنين" أحد الأحماض الامينية المفيدة للقلب ونظام الدورة الدموية وللمحافظة على صحة جهاز مناعة الجسم. والخبر لم يُقصّر، بل ذكر نص عبارات أصل الخبر، وهو الدكتور باهيمي باتيل، من جامعة "إيه أند أم" بتكساس، الذي كان يتحدث عن الفوائد الصحية لتناول البطيخ. ومن بين ما قاله نصاً : علاقة "سيترولين"- "أرجنين" تُساعد صحة القلب وجهاز مناعة الجسم، وربما سيثبت أنها مفيدة جداً لمنْ يُعانون من السمنة ومرض السكري. و"أرجنين" يرفع "أكسيد النيتريك" nitric oxide ، الذي يُرخي عضلات الأوعية الدموية. وهو نفس التأثير الأساسي الذي تمتلكه فياغرا لمعالجة ضعف الانتصاب. والبطيخ ربما لا يكون ذا قدرة للعمل على عضو مخصوص كما هي الفياغرا. ولكن، أي تناوله، طريقة عظيمة لارتخاء الأوعية الدموية دون آثار جانبية. وأصل القصة في جانب منها ذكر الدكتور باتيل للفوائد الصحية من تناول أحدنا للبطيخ، ضمن عرضه لعناصر غذائية متعددة في البطيخ. ومنها "سترولين" التي تتحول إلى "أرجنين". وعند ذكره للمادة الأخيرة قال بأنها تُرخي عضلات الأوعية الدموية، أسوة بما تفعله فياغرا في معالجتها ضعف الانتصاب. وتكملة الجملة العلمية: أو أدوية غير فياغرا في توسيعها للشرايين وخفضها لضغط الدم أو معالجتها لآلام الذبحة الصدرية، دون أن يكون لها تأثير على الانتصاب. وفي خلفيات الخبر، أن ما أثار كلام الدكتور باتيل عن مادة "سيترولين" هو أنها موجودة في طبقة القشرة الخارجية للبطيخ، وليس اللب الأحمر الذي نتناوله. ولأن لا أحد يتناول قشرة البطيخ عادة، فإن الدكتور باتيل واثنان من زملائه العمل يُحاولون العمل على إيجاد أنواع من البطيخ الذي تتوفر في لبه هذه المادة الواعدة.

ويظل البطيخ أحد أفضل الفواكه، وما يتميز به هو احتوائه بنسبة 98% على الماء وعلى كميات قليلة من السكريات، حيث أن مقدار السعرات الحرارية في 100 غرام منه لا يتجاوز 30 كالورى. وللتقريب، 100 غرام من الموز تحتوي على حوالي 100 كالورى. ويظل البطيخ أحد أفضل المصادر للحصول على مواد "لايكوبين" المضادة للأكسدة وعلى فيتامين سي. ولذا فإن تناوله كمصدر للماء وللمواد المضادة للأكسدة ولفيتامين سي لن يكون مع عبء تناول كميات عالية من طاقة كالورى السعرات الحرارية.

وأما تأثير تناول البطيخ على قدرات الرجل الجنسية، فلا يزال محل بحث ودراسة، ولا تُوجد إثباتات حاسمة. وبالرغم من عدم وجود دراسات نفت بشكل قاطع وجود أي تأثيرات إيجابية له على القدرات الجنسية، فإن من الكوميدي "القفز" لدى صدور كلام علمي حول وجود مواد في قشرة البطيخ، التي لا تناولها، ذات تأثيرات مُحتملة الفائدة على الأوعية الدموية. والاستنتاج بالتالي أن أكل البطيخ كتناول حبة من دواء فياغرا! وقد يكون من المنطقي لمن أراد كتابة الخبر، أن يُعنونه بالقول: أكل قشر البطيخ أفضل لبعض الرجال من تناول لبه! والسؤال في حمى كوميديا الإعلام الطبي، لما لا يُسهم البعض من الأطباء بجهود، ولو متواضعة، في توضيح المقصود العلمي من نتائج تلك الدراسات الطبية؟

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]