تجنّب أشعة الشمس.. وحروق الجلد

التعرض المتكرر لها يرفع خطورة الإصابة ببعض من المُضاعفات والأمراض الجلدية

TT

حال قضاء وقت طويل على الشاطئ أو في رحلة برّية بالصحراء، فإن ظهور تغيرات غير طبيعية على جلد أحدنا، من نوع الاحمرار المؤلم وحرارة الملمس، لا يحتاج منا إلى ذكاء خارق أو تفكير متعمق أو حتى معرفة طبية واسعة لإدراك أن ما سبب لنا تلك التغيرات الجلدية هو تعريض أنفسنا لأشعة الشمس بطريقة خاطئة. وما يغيب عن أذهان البعض، أن التعرض الشديد، والمتكرر، لأشعة الشمس يرفع من احتمالات خطورة الإصابة ببعض من المُضاعفات والأمراض الجلدية. وبإمكان الإنسان كلما كان في خارج المنزل، حماية نفسه وجلده من التأثيرات الضارة لأشعة الشمس وحروقها وتبعات ذلك. وتظل مُستحضرات الوقاية من أشعة الشمس، أو ما تُسمى “صن سكرين” أحد أهم الوسائل المتوفرة لحماية الجلد من تأثيرات التعرض لأشعة الشمس، إضافة إلى تحاشي تعريض الجلد لأشعة الشمس في أوقات الذروة، والحرص على ارتداء ملابس سابغة للجسم، ووضع قبعة أو أي نوع من أغطية الرأس والرقبة، واستخدام النظارات الشمسية. وإذا ما أُصيب المرء بحروق الشمس، فبالإمكان تخفيف حدة ضررها والمعاناة منها، وتسريع شفاء الجلد من آثارها، عبر اللجوء إلى عدة وسائل علاجية منزلية ودوائية.

* حروق الشمس والمُحزن في شأن الحروق الجلدية، أياً كان مصدر الحرارة فيها، أنها تُحدث تغيرات واضحة على الجلد. ويبدأ ظهور التغيرات خلال وقت قصير، وقد يأخذ الأمر بضعة أيام لكي تكتمل صورة مقدار الضرر الذي أصاب الجلد. وتطال التغيرات تلك بعض أو كل طبقات الجلد، ما يجعل الأمر يُصنف طبياً إلى ثلاث درجات من الحروق. كما أن الشفاء منها قد يستغرق ما بين عدة أيام إلى عدة أسابيع، كي تزول بالكامل عن منطقة الجلد وطبقاته تلك التغيرات المرضية. وفي هذه الصفات المرضية للحروق عموماً، لا يختلف الشأن في الحروق الناجمة عن تعريض الجسم لأشعة الشمس عن الأنواع الأخرى من الحروق. ذلك أن تغيرات الجلد تظهر بُعيد وقت قصير من تعريض الجلد لأشعة الشمس المباشرة أو لحرارتها، وتظل الآثار لفترات متفاوتة الطول.

وظهور هذه التغيرات الجلدية، من نوع الحروق، ليس بالضرورة نتيجة التعرض لأشعة حارقة من الشمس في لهيب ظهيرة أحد أيام الصيف الحارة، بل إن للشمس تأثيرات ضارة على الجلد حال التعرض لأشعتها في الأجواء المُلبدة بالغيوم. أو في حال الوجود في أماكن مُظللة، ولكن حارة. وبالرغم من إصابة الجلد بالألم والحُرقة، والمعاناة جراء ذلك، إلا أن كثيرا من الناس لا يأخذون جانبي الحيطة والوقاية في “المرة التالية” لمنع إصابتهم بحروق الشمس. وهو الأمر الذي يُؤدي، حال تكراره، إلى عودة الإصابة بالحروق الجلدية، وإلى احتمال ظهور تغيرات جلدية عميقة وواضحة، تدوم لسنوات، وربما تتسبب بعدد من الأمراض والتشوهات الجلدية.

* علامات وأعراض

* تشمل الأعراض والعلامات الدالة على حصول حالة من “حروق الشمس الجلدية” العناصر التالية:

· طفح وردي أو احمرار في طبقة الجلد.

· دفء أو حرارة يُحس بها عند لمس الجلد.

ألم جلدي، لدى اللمس أو من دونه.

· تورم وانتفاخ في منطقة الجلد المحروقة.

·بثور جلدية مملوءة بسائل مائي شفاف. وقابلة للتمزق بسهولة.

·صداع وحمى وإجهاد وتعب بدني، إذا أصابت الحروق منطقة واسعة من الجلد.

ومن المهم ملاحظة أن الحروق الشمسية قد تطال أي منطقة في جلد الجسم، أي حتى صوان الأذن وجلد فروة الرأس والشفاه. والعين أيضاً عُرضة للإصابة المباشرة، وتصبح حساسة جداً لدى تعرضها للحرارة أو الضوء، ويغدو من المؤلم إغماض الجفن وتحريكه، وقد تحترق طبقات جلد الجفون وتنتفخ، لدرجة قد يصعب فيها فتح العين. وهذه التغيرات الشديدة تط ال الأطفال بشكل خاص.

وبالرغم من أن أعراض وعلامات حروق الشمس تظهر في العادة خلال بضع ساعات من بعد بدء التعرض لأشعة الشمس، إلا أن اكتمال صورة مبلغ الضرر وشدة تأثر الجلد، قد يستغرق بضعة أيام. وعلى سبيل المثال، يبدأ الإحساس بشدة الألم خلال 6 ساعات، وقد يطول الأمر إلى ثماني وأربعين ساعة.

وخلال بضعة أيام، يبدأ الجسم بعملية شفاء الجلد مما ألمّ به من حروق، عبر التقشير الذاتي للطبقة الخارجية من الجلد المحترق. وبمحصلة وجود عملية الاحتراق وعملية التقشير، يبدو الجلد في حالة من “موزايك” الألوان والبنية. بمعنى أن طبقة البشرة الخارجية للجلد لا تعود ناعمة وملساء، كما لا تعود متناغمة ومنسجمة في لونها. وبعد عملية التقشير والإزالة للطبقة التالفة المحترقة، يبدأ الجلد بـ “ترميم الوضع”، كما يُقال. وهي عملية تتطلب بضعة أيام أو إلى حد 3 أسابيع، لنمو طبقة جلدية خارجية جديدة.

* مراجعة الطبيب

* وقد يسأل أحدنا: متى تجب مراجعة الطبيب حين الإصابة بحروق الشمس الجلدية؟

وللإجابة، يقول الباحثون من مايوكلينك، عليك مراجعة الطبيب في حال الإصابة بحروق الشمس إذا ظهرت مثل هذه الحالات:

· ظهور بثور جلدية على منطقة الجلد المحروقة، وخاصة في مناطق الوجه.

. منطقة الحروق الجلدية تُغطي مساحة واسعة من جلد الجسم.

· إذا صاحب الحروق الجلدية ارتفاع في حرارة الجسم، أو ألم شديد في الجلد، أو تشويش ذهني، أو قيء، أو إسهال.

· إن لم تحصل “استجابة تحسن” في الحروق الجلدية باستخدام المعالجة المنزلية لها.

وكذلك الحال عند ظهور علامات ومؤشرات حصول التهابات بكتيرية في الحروق الجلدية، وهي ما تشمل:

· زيادة الألم.

· زيادة التورم.

· خروج سائل أصفر من البثور المتهتكة الغطاء.

· ظهور خطوط حمراء اللون على الجلد، متجهة إلى أعلى على طول الذراع أو الساق.

* معالجات منزلية ودوائية

* قد تكون العناية الشخصية بحروق الشمس مفيدة، وعادة ما تتلاشى الحروق الجلدية بذاتها خلال بضعة أيام أو أسابيع. وذلك الاختلاف الزمني سببه مدى عمق وشدة الضرر في طبقات الجلد.

ويقول الباحثون من مايو كلينك في معرض حديثهم عن حالات حروق الشمس، وما أن تحصل الحروق وتظهر على الجلد علاماتها، فإن القليل يُمكن فعله لتخفيف حدة التلف في تراكيب الجلد. وعلاجات حروق الشمس المتوفرة لا تعمل على شفاء الجلد أو تقي من احتمالات حصول تلف في الجلد، لكنها قد تُخفف من الألم أو التورم أو الإزعاج الذي ينشأ عن تلك الحروق. وهذه العناصر تشمل: · تناول أدوية مُضادة للالتهابات ومُسكنة للألم، مثل الأسبرين أو البروفين، بشكل مُنتظم وفق تعليمات تناولها، حتى يزول الاحمرار والألم. مع الحرص على عدم إعطاء الأسبرين للأطفال والمراهقين.

· ضع كمادات باردة على منطقة الحروق. ولإعداد كمادات، اغمر منشفة صغيرة في ماء بارد ثم أعصرها. أو الاستحمام بماء بارد.

· ضع “كريم” مُرطب moisturizing cream ، أو غسول من الصبار aloe vera lotion ، على منطقة الجلد المتأثر. أو استخدم كريم هايدروكورتيزون hydrocortisone cream ، ذا تركيز لا يتجاوز 1%، لتخفيف ألم الحروق أو تورمها، وربما للإسراع في شفائها.

· إذا ما تكونت بثور جلدية، فلا تُحاول تحطيمها، لأنها أولاً تحتوي على سوائل رشحت من الدم، أي مصل الدم serum. وثانياً هي طبقة واقية لما تحتها من أنسجة الجلد. وثالثاً، قد يتسبب تهتك غطائها في تسهيل التهابها بالميكروبات. وما هو مطلوب، العمل برفق على تغطية البثور بضماد، وإذا ما تهتكت البثور، ضع عليها كريم من مُضاد حيوي antibacterial cream.

· احرص على شرب كميات كافية من السوائل، كالماء. والسبب أن التعرض للحرارة ولأشعة الشمس يُفقد الجسم كميات غير متوقعة من الماء، عبر عرق الجلد.

* الحروق الجلدية.. مضاعفات قريبة وبعيدة المدى

* التعرض الشديد لأشعة الشمس، والذي ينتج عنه ظهور حروق الشمس الجلدية، سبب في حصول مضاعفات جلدية للحروق نفسها، أو خطورة الإصابة ببعض الأمراض الجلدية. وتشمل التداعيات هذه ما يلي:

أولاً: الالتهابات الميكروبية البثور الجلدية، الممتلئة بسوائل شفافة، عادة ما تكون بيئة خصبة لاحتمالات وصول الميكروبات إليها ونموها فيها. وتزداد الاحتمالات حال حصول تهتك في أغطية البثور. والسبب هو أن وجود أنسجة ميتة في أغطية البثور وتكوّن جيوب دقيقة داخل البثور المتهتكة نفسها، هما عاملان يوفران بيئة مناسبة لوجود الميكروبات وتكاثرها. ولذا من المهم مراجعة الطبيب حين وجود أي علامات على حصول التهابات ميكروبية في منطقة الحروق، أي ألم أو احمرار أو تورم أو تكوّن صديد.

ثانياً: الشيخوخة الضوئية وثمة ما يُعرف علمياً بـ “الشيخوخة الضوئية” photoaging . وهي كلمة طبية تُستخدم لوصف التسارع في عمليات شيخوخة الجلد بفعل التعرض، وتكراره، لأشعة الشمس. والآليات التي من خلالها سيبدو الجلد أكثر ترهلاً وأكبر عمراً، تشمل:

- ضعف قوى التماسك في الأنسجة الضامة connective tissues. وبالتالي ستقل تلك الخاصية في مرونة elasticity وقوة نضارة بناء الجلد.

> رقة الجلد، وتدني امتلاء طبقاته بمكوناتها الطبيعية من الأنسجة والخلايا. وبالتالي سيبدو الجلد أكثر شفافية translucent عند النظر إليه.

> ظهور تجاعيد عميقة Deep wrinkles في مُجمل بنية طبقات الجلد.

> جفاف وخشونة ملمس الجلد.

> ظهور أوردة صغيرة حمراء اللون، وسطحية، على جلد الخدود أو الأنف أو الآذان.

> ظهور نمش Freckles ، أو كلف، على جلد الوجه أو الأكتاف أو النحر.

> ظهور بُقع جلدية macules كبيرة المساحة نسبياً، وبنية اللون، على الوجه أو ظهر الكفين، أو الساعدين أو مُقدمة الصدر، أو أعلى الظهر. وهي ما تُسمى بُقع الكبد.

> ظهور بُقع جلدية فاتحة اللون على الساقين أو الذراعين.

وبالنتيجة سيبدو عمر جلد الإنسان أكبر مما هو عليه فعلياً مقدار عمره.

* ثالثاً: التقرّن الجلدي وتغيرات التقرّن الجلدي الشعاعي actinic keratoses ، أو ما تُعرف التقرّن الجلدي الشمسي solar keratoses ، هي عبارة عن مناطق من الجلد تنمو فيها طبقة من أنسجة قرْنية حرشفية التكوين، وخشنة الملمس، في المناطق التي تتعرض لأشعة الشمس. ويُمكن أن يتراوح لون تلك البقع الجلدية الحرشفية ما بين الأبيض، أو الوردي، أو لون اللحم، وصولاً إلى اللون البني أو البني الغامق. وغالباً ما توجد البقع تلك في الوجه أو الأذنين أو الذراعين أو الظهر، وخاصة لدى ذوي البشرة الفاتحة اللون.

وأهمية ذكرها ووصفها، تنبع من أن أطباء الجلدية يرون أنها تغيرات جلدية تسبق ظهور سرطان الجلد.

* رابعاً: سرطان الجلد

* والتعرض الشديد والمتكرر لأشعة الشمس، بدرجة تُؤدي إلى ظهور حروق الشمس والتغيرات الجلدية التابعة لها، قد يُؤدي إلى تغيرات تطال بنية وتركيب الحمض النووي ، أو ما يُعرف بـ “دي أن أيه” DNA ، في داخل الخلية الجلدية. وهي التغيرات التي تُؤدي إلى ظهور الخلايا السرطانية. ومعلوم أن انقسام الخلايا الحية وتكاثرها يبدأ من الحمض النووي في داخل نواة الخلية. وأن الخلايا السرطانية هي نوع من الخلايا الحية التي تنقسم وتتكاثر دون أن يكون للجسم قدرة على ضبط الانفلات في نشاطها الانقسامي التكاثري.

ومن الملاحظ أن غالبية الأورام السرطانية في الجلد، تنشأ في المناطق الأكثر عرضة لأشعة الشمس. أي جلد فروة الرأس، أو الوجه، أو الشفاه، أو صوان الأذن، أو العنق، أو الصدر، أو الذراع، أو اليد. أو في الساقين لدى النساء.

وتبدو بعض أنواع سرطان الجلد كنتوء صغير أو قرحة، معرضة للنزيف ثم التقشر، والالتئام، ثم عودة تسلسل تلك الأحداث. وفي بعض أنواع ميلانوما سرطان الجلد، يظهر الورم السرطاني في شامة جلدية. وما يُثير الشك فيها هو حصول أحد أنواع التغيرات في شكلها. كما أن تلك الأورام الجلدية قد تظهر في مناطق تعرضت لأشعة الشمس لوقت طويل، وتبدأ كبقعة داكنة مُسطحة، لا تلبث أن تنمو في حجمها وتزداد غُمقاً في لونها، وهو ما يُعرف بحالة lentigo maligna. وعليه، من الواجب المبادرة بمراجعة الطبيب حين ملاحظة أي نمو في الجلد، أو تغيرات مزعجة في منطقة من الجلد، أو تغير في مظهر أو بُنية أحد شامات الجلد، أو قرحة جلدية لا تلتئم خلال أسبوعين من الوقت.

أشعة الشمس لها قدرة على التسبب بحروق في العين. والأشعة فوق البنفسجية لها تأثيرات مُتلفة على شبكية العين retina. والشبكية هي تلك الطبقة من الخلايا التي تُبطن خلفية كرة العين.

وحروق العين قد تُؤثر على عدسة العين، أي على ذلك الجزء المهم في تركيز النظر إلى الأشياء القريبة أو البعيدة. وهو ما قد يُؤدي إلى نشوء الماء الأبيض cataracts الضبابي في داخل تراكيب العدسة.