التهاب الزائدة الدودية.. وعملية استئصالها

مصدر متاعب صحية لا وسيلة لمعالجتها إلا من خلال الجراحة

TT

لا يُعرف حتى اليوم على وجه الدقة جدوى وجود الزائدة الدودية Appendix في البطن، كجزء من أمعاء الإنسان. ولكن ما يُعرف بشكل يقيني أنها قد تكون مصدراً للمتاعب الصحية لدى كثير من الناس عند حصول الالتهاب فيها.

والزائدة الدودية عبارة عن أنبوب صغير أجوف، وغالباً بطول اصبع الخنصر في اليد. وتخرج من الجزء الأول للقولون، أي من المُصران الأعور.

وبالرغم من أن أي إنسان عُرضة للإصابة المفاجئة بالزائدة الدودية، إلا أن صغار السن، من هم بين سن العاشرة وسن الثلاثين من العمر، هم الأكثر معاناة منها. ولا توجد حتى اليوم وسيلة لمعالجة التهاب الزائدة الدودية سوى الاستئصال من خلال العملية الجراحية.

* ألم الزائدة

* ومن أهم أعراض حصول التهاب الزائدة الدودية Appendicitis هو ألم البطن. وهذا الألم هو المُنبه الأول لاحتمال وجود التهاب في الزائدة الدودية. وهناك عدة نقاط من المهم إدراكها حول ألم الزائدة الدودية، وهي: > مرور الوقت والألم: منذ بداية ظهوره، هناك تغيرات تطرأ على مكان الشعور بألم التهاب الزائدة الدودية. ويبدو لنا أن ذلك بفعل تأثير عامل مرور الوقت. وفي الحالات النموذجية الشائعة، تبدأ المشكلة بالشعور بألم في المنطقة المُحيطة بالسرة. ثم مع مرور الساعات، ينتقل ذلك الألم، إلى منطقة الزاويتين اليُمنى والسفلى للبطن. أي أنه يبدأ بألم عام في وسط البطن، ويتحول نحو منطقة الزائدة الدودية نفسها الموجودة في أسفل الجهة اليُمنى من البطن. ومن المهم إدراك هذا الوصف لألم التهاب الزائدة الدودية، لأن الطبيب يعتمد عليه عند الابتداء بالاشتباه في حصول التهاب فيها.

> نوعية الألم: عندما يبدأ الألم، يكون الشعور به كألم عام وعادي في المنطقة المحيطة بالسرّة. والسبب في خفة شدة الألم ومكان الشعور به في ما حول السرة، أن الالتهاب يبدأ في أنسجة الزائدة الدودية نفسها. وبعد ذلك، أي حينما ينتشر الألم إلى أنسجة البطن المُحيطة بالزائدة الدودية، يصبح الألم أكثر حدة وأكثر شدة. وفي هذه المرحلة لقوة الألم يتركز الإحساس بالألم في الجهتين اليمنى والسفلى من البطن.

ومع مرور مزيد من الوقت، يتلاشى الشعور بالألم الحاد والشديد، نتيجة لاستمرار انتشار الالتهاب في الزائدة الدودية وفي ما حولها من أنسجة وتفاعل الجهاز العصبي معه.

> الاختلافات بين الناس: الزائدة الدودية، بخلاف غالبية أعضاء الجسم، لا تُوجد لدى كل الناس في نفس المكان وبنفس الحجم. لذا فليس كل حالات التهاب الزائدة الدودية تظهر بالصفة النموذجية، المُتقدمة الذكر، للألم، خاصة لدى الأطفال أو صغار البالغين أو الحوامل. ومثلاً لدى الحوامل، تكون الزائدة الدودية منحرفة عن موضعها الطبيعي، بفعل وجود الرحم المتضخم الحجم. وعليه ربما يكون الألم لدى الحامل في المنطقة العليا اليُمنى من البطن. أي أقرب إلى موضع المرارة والكبد.

> تأثر الألم: ويتأثر ألم الزائدة الدودية بعدة عوامل. منها أن الضغط الخفيف على منطقة الألم يزيد منه. وأن السعال أو المشي يزيدان من الألم. وأن النوم على أحد الجانبين مع ثني الركبتين نحو البطن يُخفف من الألم.

* أعراض أخرى

* على المُصاب بالزائدة الدودية. وهي:

> غثيان أو قيء.

> فقدان الشهية للأكل.

> ارتفاع طفيف في حرارة الجسم.

> إمساك.

> إسهال.

> عدم القدرة على إخراج غازات البطن.

> نتفاخ البطن.

* أسباب التهاب الزائدة الدودية

* في غالبية حالات التهاب الزائدة الدودية لا يستطيع الطبيب التعرف الى السبب الذي أدى إلى تلك المشكلة. ولكن بعموميات ما تذكره المصادر الطبية، فإن أسباب التهاب هذا الجزء من القناة الهضمية تشمل:

- وجود سد. ولأن الزائدة الدودية أنبوب له فتحة واحدة، فإن من خلالها فقط تصب كل الإفرازات المتجمعة في الزائدة الدودية أو ما يدخل إليها من المصران الأعور. وهذه الفتحة الوحيدة قابلة للسد. وما يُمكن أن يسدها هو بعض القطع الصلبة الصغيرة من البراز. وكما يقول صراحة الباحثون من جامعة هارفارد، فان التهاب الزائدة الدودية أكثر شيوعاً في حالات الإمساك المُزمن. وحينما يُسد مخرج تجويف الزائدة الدودية، تحتبس الإفرازات والفضلات فيه. وبالتالي ينشأ الالتهاب.

- وصول ميكروب. ويُمكن للميكروبات أن تصل إلى الزائدة الدودية مباشرة عن طريق ما تتلوث الأمعاء به منها. أو أن تصل إليها بشكل غير مباشر عن طريق الدم أو الأنسجة المُحيطة بالزائدة.

وفي كل من الحالتين، تتكاثر البكتيريا سريعاً في أنسجة الزائدة الدودية، وتخترق طبقاتها بالالتهابات. وهو ما يُؤدي إلى تكون الصديد في مجراها وأنسجتها، وإلى تهتك جدارها. وإذا لم تتم معالجتها، بالاستئصال الجراحي، تحصل حالة انفجار الزائدة الدودية.

* فحوصات وتشخيص

* يجب تذكّر أن هناك عدة أسباب للإحساس بألم في البطن. والحالات الصحية التي قد تتسبب بألم مُشابه لما يحصل في التهاب الزائدة الدودية تشمل: الحمل خارج الرحم، وتهتك أو وجود كيس في المبيض الأيمن، ووجود حصاة في الحالب الأيمن، او كأحد أعراض مرض كرون في الأمعاء. كما يجب تذكّر أن الألم في التهاب الزائدة الدودية يختلف مع مرور الساعات. وأن الناس يختلفون في الأعراض التي تبدو عليهم حال التهاب الزائدة الدودية. ولذا فإن تأكد الطبيب بشكل يقيني من تشخيص وجود التهاب في الزائدة الدودية، أو نفي وجود ذلك، هو مما يصعب في كثير من الحالات، خاصة لدى الأطفال أو الشابات أو الحوامل.

وللمساعدة على التشخيص الطبي، يسأل الطبيب عن الألم من جوانب عدة. مثل نوعيته وموقعه عند بدء ظهوره، وأي تغيرات طرأت عليه. والأعراض المُصاحبة له. ويقوم الطبيب بفحص بطن المريض عبر الضغط الخفيف على المنطقة التي يُحس المريض فيها بالألم، خاصة عبر «الضغط ثم الرفع السريع» بيد الطبيب. وفي حالات التهابات الزائدة الدودية يُحس المريض بألم أشد حال رفع الطبيب يده بسرعة عن المنطقة التي يضغط عليها. كما يُحاول الطبيب التأكد من عدم وجود قساوة في جدار البطن نتيجة لتصلب وشد عضلات البطن Guarding. وهذا يحصل حينما يكون ثمة انتشار للالتهاب إلى غشاء الصفاق المُبطن لجدار البطن في منطقة وجود الزائدة الدودية. وسيطلب الطبيب مجموعة من الفحوصات الأولية للمساعدة على التشخيص وللتهيئة للعملية الجراحية المحتملة حال ثبوت وجود التهاب في الزائدة الدودية. وذلك مثل تحليل الدم لمعرفة تعداد كريات الدم البيضاء، التي يعتبر ارتفاعها أحد مؤشرات وجود التهاب ميكروبي في الجسم. وإجراء تحليل للبول، للتأكد من عدم وجود التهابات فيه أو وجود مؤشرات على وجود حصاة عالقة في أحد مجاري البول من الكلى إلى المثانة.

وقد يلجأ بعض الأطباء إلى إجراء تصوير لمنطقة الزائدة الدودية باستخدام تقنية الأشعة فوق الصوتية Ultrasound scan. والبعض قد يطلب صورة بالأشعة المقطعية بالكومبيوتر CT scan. والهدف من هذين الفحصين بالأشعة، هو الكشف عن وجود مظاهر التهاب الزائدة الدودية نفسها، خاصة بالأشعة المقطعية. أو التأكد بالأشعة ما فوق الصوتية، من عدم وجود أسباب مرضية للألم في أعضاء أخرى من البطن أو الحوض. مثل وجود كيس مبيضي أو الحمل خارج الرحم.

* التهاب الزائدة الدودية.. وتبعات إهمال ألم البطن

* الخوف في حالات التهاب الزائدة الدودية هو من حصول انفجارها. والأطفال أكثر عُرضة لوصول الحال بهم إلى حد الانفجار، مُقارنة بالبالغين. وثمة أسباب لذلك، منها أن أعراض التهاب الزائدة لدى الأطفال لا تتشابه بالشائع منها لدى البالغين، أي الألم في منطقة وسط البطن، ثم انتقاله إلى المنطقة السفلى اليمنى من البطن.

والأطفال أقل قدرة على وصف الألم وتتابع مراحله أو مكان إحساسهم به. كما أن الأطفال لا يكترثون، أو والديهم، بالشكوى من ألم البطن في بدايات الشعور به. وغير ذلك من الأسباب.

ونفس الأمر يحصل لدى الحوامل، اللواتي قد تتعدد أسباب ألم البطن لديهن، خاصة عند حصول حركة الجنين ورفسته. أو لدى الفتيات والشابات، ممن يشتبه الأمر عليهن في علاقة الألم بمراحل من الدورة الشهرية، أي في وقت الإباضة عند منتصف الدورة الشهرية، أو تقلصات الرحم المُصاحبة لمرحلة نزيف الدم من الدورة الشهرية أيضاً.

ويُشير الباحثون من مايو كلينك إلى أنه بالرغم من أن كبار السن أقل عُرضة للإصابة بالزائدة الدودية، إلا أنهم حال إصابتهم بالتهابها، يكونون أكثر عُرضة لانفجار الزائدة الدودية. وربما ذلك لتأخرهم عن رؤية الطبيب عند الشكوى من ألم البطن، وربما لضعف أنسجة الجسم لديهم، أو لضعف جهاز مناعة الجسم.

ولذا من المهم عدم إهمال الشعور بألم في البطن، خاصة عند وجود أعراض مُصاحبة، كما تقدم ذكره. وعدم افتراض أن الأمر له علاقة بتناول طعام معين أو تعرض البطن للبرد أو غيره. والأهم، عدم اللجوء إلى تناول الأدوية المُسكنة للألم، مثل باندول أو تاينيلول أو غيرهما، دون التأكد من سبب ألم البطن. والسبب أن تناول الأدوية المُسكنة للألم في حال وجود التهاب في الزائدة الدودية، يُؤدي إلى مجرد زوال أو تخفيف الشعور بالألم، بينما عملية الالتهاب وتكوين الصديد، وربما الانفجار، قد يستمر في الزائدة الدودية.

وتبعات انفجار الزائدة الدودية هو خروج الميكروبات والصديد ومحتويات الأمعاء إلى داخل البطن. أي خروجها من قناة الأمعاء إلى تجويف البطن. ومعلوم أن تجويف البطن بيئة معقمة خالية من أي فضلات للطعام أو أي ميكروبات أو أي مواد كيميائية لإفرازات الأمعاء الهاضمة، الأمر الذي يُؤدي لزاماً إلى حصول حالة التهاب الصفاق Peritonitis. أي التهاب تلك الطبقة من البطانة المُغلفة للأمعاء وللأعضاء الموجودة في البطن ولجدار البطن.

وللأسف، حينما يحصل انفجار الزائدة الدودية، فإن المريض سيشعر بأن الألم خف عليه، وبأن حالته تحسنت! وهذا مفهوم لأن التورم الذي كان في الزائدة الدودية، والناتج عن تجمع الصديد والسوائل والغازات فيها، قد خف بالانفجار الذي سرّب تلك المكونات إلى خارج الزائدة الدودية. ولكن سرعان ما تبدأ عمليات من الالتهابات وردات الفعل من غشاء بطانة الصفاق للتغلب على كل هذه المكونات المسببة للالتهابات. وبالتالي ستتصلب عضلات البطن، كردة فعل لحماية غشاء الصفاق من كثرة الاحتكاك والتسبب بالألم. كما أن حركة الأمعاء ستنخفض بشكل واضح، ما يمنع خروج الغازات أو البراز من فتحة الشرج. هذا بالإضافة إلى ارتفاع حرارة الجسم وانخفاض ضغط الدم وارتفاع النبض وتدني كمية إخراج البول.

وبالمنظور الطبي، تُعتبر حالة التهاب الصفاق حالة طبية إسعافية Medical Emergency، تتطلب المعالجة السريعة والصحيحة. والحقيقة أن حتى تلقي المعالجة الصحيحة في المستشفى لحالات التهاب الصفاق، لا يعني زوال خطر وجودها أو خطر تداعياتها الآنية أو المستقبلية.

ومن المحتمل أن تحصل أيضاً حالة تكوين خُرّاج Abscess داخلي فيما بين ثنايا تجويف البطن بين الأمعاء أو غيرها من مكونات أعضاء البطن، وذلك نتيجة لتسريب محتويات الأمعاء أو الميكروبات، وتكوين تفاعل من الجسم ضدها، عبر بناء جدار واق يُغلف هذه المحتويات المتسربة. وتشير المصادر الطبية إلى أن هذا الخُرّاج قد يكون صغيراً بحجم البندق أو اللوز، أو كبيراً بحجم التفاحة أو الغريب فروت. والخُرّاج يتطلب معالجة طبية سريعة، كي لا ينفجر ويتسرب الصديد منه إلى تجويف البطن <

* معالجة التهاب الزائدة الدودية.. عملية جراحية

* حينما تُترك الزائدة الدودية المُلتهبة دون معالجة، ويحصل الانفجار فيها، وتنطلق محتوياتها إلى داخل تجويف البطن، فإن حالة من التلوث الميكروبي والكيميائي تعتري الغشاء الصفاقي، أو البيروتوني. وهذا الالتهاب له تبعات صحية خطيرة، قد تصل إلى احتمال الوفاة بنسبة خمسة عشر بالمائة. وهذه الحالة القاتلة هي نتيجة لعدم التنبه إلى حصول التهاب في الزائدة الدودية، سواءً من قبل المريض، بعدم ذهابه إلى الطبيب. أو من الطبيب، بعدم تنبهه إلى احتمال وجود التهاب في الزائدة الدودية لدى منْ يشكو من ألم في البطن.

ومن المهم إدراك أن معالجة التهاب الزائدة الدودية تتطلب استئصالها جراحياً Appendectomy. وهذه العملية الجراحية إما أن تتم بطريقة تقليدية عبر فتح الجلد مباشرة للوصول إلى الزائدة، أو عن طريق الجراحة بالمنظار Laparoscopic Surgery، أي عبر إجراء عدة فتحات صغيرة في جلد البطن. وكلاهما يتطلب تخديراً كلياً للمريض.