.. وللرجال أيضاً ساعة بيولوجية

TT

تعرف المرأة، منذ أمد بعيد، كل ما يتعلق بتغير الهورمونات التي تمر بها، كما تعلمت مع الوقت بأن بداخل جسمها ساعة بيولوجية عليها ان تنصت إليها جيدا. في المقابل، ظل الرجل طويلا يعتقد أنه بمنأى عن هذه التغيرات. لكن نتائج أبحاث أخيرة اسفرت عن انه هو أيضاً معرض لمشكلة تراجع معدلات الخصوبة، متمثلا في انخفاض مستوى جودة الحيوانات المنوية بدءا من منتصف الثلاثينات.

وحذرت الدراسة أن قدرة الرجال على الإنجاب تبدأ في التراجع بدءا من منتصف الثلاثينات. ليس هذا فحسب، بل كشفت أحدث الأبحاث الطبية التي أجريت في فرنسا، أن النساء اللائي تبلغ أعمار أزواجهن الخامسة والثلاثين وما فوق تعرضن للإجهاض بمعدل أكبر من اللاتي ينتمي أزواجهن إلى فئات عمرية أقل. وكشفت الدراسة أيضاً أن معدلات الحمل تتضاءل بين النساء اللائي تتجاوز أعمار أزواجهن الأربعين عاماً. بيد أن العمر ربما يكون عاملا واحدا مؤثرا في معدلات الخصوبة لدى الرجال، إذ ان هناك عوامل اخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل التدخين والنظام الغذائي. وأشارت دراسة أجراها الاتحاد النرويجي للرعاية الصحية إلى أن ما يزيد على مليوني رجل ربما يعانون من مشكلات في الخصوبة من دون أن يدركوا ذلك، بل وادعت دراسة دانماركية أجريت عام 1991 أن معدلات إنتاج الحيوانات المنوية لدى الرجال الغربيين تراجعت بمقدار يعادل النصف تقريباً خلال خمسين عاماً. وبعد مرور 18 عاماً، ما زال العلماء عاكفين على محاولة تفسير هذه النتيجة. من ناحيتها، أوضحت «كلير براون»، الرئيسة التنفيذية لشبكة مواجهة العقم في المملكة المتحدة، أنه:«يسود الاعتقاد بأن النساء هن فقط من يعانين من مشكلات في الخصوبة، لكن في قرابة ثلث حالات الأزواج الذين يعانون من انعدام الخصوبة، تكمن المشكلة في الرجل». أما «آلان بيسي»، المحاضر بمجال خصوبة الرجال بجامعة شيفيلد، فنوه بأن نقص البيانات المعنية بالآباء والمواليد تجعل من الصعب وضع تقويم دقيق لمشكلات خصوبة الذكور. وأضاف:«هناك جدل مستمر حول ما إذا كان هناك تنام في حالات العقم بين الذكور. وربما يكون الأمر أننا فقط أصبحنا أكثر وعياً بقضية العقم بين الرجال عن ذي قبل، لأن هناك توجها سائدا بين الأزواج حالياً بإرجاء الإنجاب حتى بلوغ الثلاثينات من العمر. ومن المحتمل بدرجة أكبر أن تواجه هذه المجموعة العمرية مشكلات في الإنجاب، الأمر الذي أدى بدوره إلى تزايد أعداد من يقدمون على عيادات علاج العقم. وعليه، باتت لدينا قدرة أكبر على التعرف الى الرجال الذين يعانون من مشكلات في الخصوبة».

وأعرب «بيسي» عن اعتقاده بأن أكثر الأسباب شيوعاً وراء مشكلات العقم لدى الرجال تضاؤل أعداد الحيوانات المنوية أو وجودها في صورة غير عادية أو تضاؤل قدرة الحيوانات المنوية على التحرك وبالتالي الوصول إلى البويضات لتلقيحها. وبينما تنتج أجسام الرجال الحيوانات المنوية باستمرار، على خلاف النساء اللائي يولدن بعدد محدود من البويضات، فإن أعداد الحيوانات المنوية التي تنتجها أجسادهم تتحدد بناءً على عدد من العوامل الخارجة عن نطاق سيطرتهم. وشرح «بيسي» أن:«أعداد الحيوانات المنوية التي ينتجها جسد أي رجل تتحدد في معظمها بما يحدث له داخل رحم أمه. على سبيل المثال، هناك أدلة على أنه حال تعرض جنين لسوء تغذية داخل رحم والدته أو تدخين أمه للتبغ أثناء الحمل، فإن قدرته على إنتاج الحيوانات المنوية عن البلوغ قد تتراجع». من بين العوامل الأخرى التي تؤثر بالسلب في معدلات إنتاج الحيوانات المنوية في فترات لاحقة من العمر نمو الخصيتين على نحو غير ملائم خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة، أو المعاناة من مرض مثل السرطان. ومن الواضح أن الرجال، بصورة عامة، ربما يكونون غير مدركين لتعرضهم لمشكلات في تضاؤل معدلات الخصوبة أو العقم. في هذا الصدد، أوضح دكتور «بيسي»، الذي يعمل أيضاً أميناً عاماً بالجمعية البريطانية للخصوبة، ان: «الكثير من الرجال يخلطون بين القدرة على ممارسة الجنس والخصوبة ـ بمعنى أنهم يفترضون أن قدرتهم على ممارسة الجنس تعني بالضرورة أنهم قادرون على الإنجاب. لكن هذا الأمر لا ينطبق على بعض الرجال». إلا أن «بيسي» يشدد على أنه:«بينما لا توجد حلول سحرية للرجال تعينهم على إنتاج المزيد من الحيوانات المنوية، فإنه بمقدور العديد منهم تحسين أنماط الحياة التي ينتهجونها لضمان أن الحيوانات المنوية التي تنتجها أجسادهم على أفضل مستوى ممكن». وقدم «بيسي» عددا من النصائح لتحسين مستوى جودة الحيوانات المنوية وتعزيز فرص الإنجاب لدى الرجال.

* الإقلاع عن التدخين

* ربما يكون التوقف عن التدخين أحد أفضل السبل لتحسين مستوى الخصوبة. وأكد «بيسي» على أن:«الإقلاع عن التدخين يأتي على رأس قائمة التغييرات التي أوصي بإدخالها على نمط الحياة المتبع. ومع أن التدخين لا يؤثر في أعداد الحيوانات المنوية التي يفرزها الجسم، فإنه يؤثر في مستوى جودتها، نظراً لأن المواد الكيماوية التي تحويها سيجارة التبغ تدمر الحامض النووي الخاص بالحيوانات المنوية». ونوه «بيسي» الى ان إنتاج حيوان منوي واحد يستغرق فترة تبلغ ثلاثة أشهر، وأن الفترة ذاتها تقريباً لازمة لتطهير الجسم من المواد السامة المترتبة على التدخين، لذا، فإن التحسن الذي سيطرأ على الجسم حال الإقلاع عن التدخين لن يكون فورياً.

* إنقاص الوزن

* ينبغي التخلص من الوزن الزائد، لأنه يقلل من فرص قدرة الرجل على الإنجاب. يذكر أن باحثين من جامعة ابيردين تفحصوا السجلات الخاصة بالحيوانات المنوية لدى ما يزيد على 5.000 رجل توافدوا على عيادة ابيردين المتخصصة بمشكلات الخصوبة، واكتشفوا ان الرجال الذين يعانون من السمنة أكثر احتمالاً بنسبة 40% لأن يتسموا بعدد أقل من الحيوانات المنوية أو أن تتسم الحيوانات المنوية داخل أجسامهم بمستوى أدنى من الجودة عن نظرائهم المتمتعين بأجساد أكثر نحافة. ويعتقد الخبراء أن السبب وراء ذلك يكمن في أن الدهون الزائدة في الجسم تسفر عن تركز الدهون بمنطقة الفخذين، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في الخصيتين لدرجة تدمر عملية إنتاج الحيوانات المنوية. علاوة على ذلك، فإن الدهون ترتبط بهورمون الاستروجين ـ الهورمون المحدد للجنس لدى الإناث ـ ما يعني أن ارتفاع الدهون في الجسم يترتب عنه زيادة معدلات هورمون الاستروجين في الجسم، ما يزيد مخاطر تدني مستوى أداء الخصيتين.

* تناول الخضراوات:

* ينبغي الحرص على تناول قدر معقول من الخضراوات والفاكهة يومياً، علاوة على اتباع نظام غذائي متوازن وصحي. وكشفت دراسات عن وجود مخاطر أعلى لتعرض الحيوانات المنوية للتدمير بين الرجال الذين يتبعون نظاماً غذائياً رديء المستوى لا يتضمن الفيتامينات والعناصر الغذائية الحيوية الأخرى. وأكد «بيسي» أن:«النظام الغذائي مهم لأنه من خلال تناول الطعام والفاكهة الطازجة يمكننا زيادة عدد العناصر المضادة للأكسدة داخل أجسامنا والتي تساعد على تقليص الأضرار التي تتعرض لها الحيوانات المنوية».

يذكر أن دراسة أميركية نُشرت اخيراً ربطت بين تناول فول الصويا واللحوم وبدائل منتجات الألبان بانخفاض أعداد الحيوانات المنوية. ويعتقد بعض العلماء أن المواد الكيماوية الموجودة في فول الصويا تعمل داخل الجسم بما يشبه عمل هورمون الاستروجين. إلا أن «بيسي» أعرب عن اعتقاده بضرورة توافر المزيد من الأدلة على هذا الصعيد قبل الجزم بهذه الصلة والقلق بشأنها.

* عدم إرجاء الإنجاب

* تأخير الإنجاب إلى ما بعد سن الأربعين ربما يؤثر في فرص الإنجاب. وكشفت دراسة أجراها معهد إيليو الفرنسي أن الرجال الأكبر سناً تتضاءل معدلات الخصوبة لديهم جراء تشوهات عامة تراكمت في حيواناتهم المنوية، ما يزيد من مخاطر حدوث الإجهاض. كما أشارت دراسات أميركية سابقة إلى وجود ارتفاع ضئيل في معدلات وقوع تشوهات في المواليد، مثل الإصابة بمرض «داون»، لدى الأطفال المولودين لآباء متقدمين في العمر. وأوضح «بيسي» أن:«هناك أدلة متزايدة صادرة عن عدد من الدراسات تكشف أن الرجال ليسوا في معزل كامل عن تعرض قدراتهم الإنجابية للشيخوخة وأنه مع تقدمهم في السن ربما يصبح معدل إفراز الحيوانات المنوية غير كاف، وأنهم ربما ينتجون قدرا أكبر من الحيوانات المنوية المشوهة عن الحال خلال سنوات الشباب».

* الاحتفاظ بالهدوء

* ينبغي التخلي عن الملابس بالغة الضيق واستبدالها بأخرى فضفاضة، ذلك أن الملابس الضيقة قد تقلص من مستوى الخصوبة. وقد كشفت الدراسات أنه حال ارتفاع درجات الحرارة في الخصيتين بدرجة بالغة ـ بسبب، على سبيل المثال، التعرض للمياه الدافئة بصورة مفرطة عند تكرار الاستحمام أو الجلوس لساعات طويلة أثناء القيادة ـ فإن معدلات إفراز كل من هورمون التستوسترون والحيوانات المنوية قد تتراجع. وأشار «بيسي» إلى أن دراسة حديثة توصلت إلى أن الرجال الذين يرتدون السراويل الضيقة أكثر احتمالاً لأن تفرز أجسادهم حيوانات منوية ضعيفة. إجراء اختبارات طبية تحول مشاعر الحرج دون إقدام الكثير من الرجال على إجراء فحوص طبية للتأكد مما إذا كانوا يعانون من أمراض تنتقل عن طريق المعاشرة الزوجية، وذلك رغم أن أحد أكثر هذه الأمراض شيوعاً وهو «ثلاميديا» ـ الذي من المعتقد أن 1 من بين كل 10 رجال شباب في المملكة المتحدة، مثلا، يعانون منه. وقد يؤدي هذا المرض إلى تقليص مستوى خصوبة الرجال. وأشارت دراسة أجرتها جامعة أوميا السويدية إلى أن إصابة الرجال بهذا المرض قد تحد من فرص الإنجاب لدى الزوجين بنسبة الثلث تقريباً. وأكد «بيسي» أن «ثلاميديا» بإمكانه الإضرار بالحيوانات المنوية وقتلها، مشدداً على أن المشكلة تكمن في أن الكثير من الرجال غير مدركين على الإطلاق لتعرضهم لهذا المرض <