«يا ريت» غرفة خاصة يا دكتور.. أمنية المريض وأهله

تطور الغرف في المستشفيات الحديثة

TT

* عند الاضطرار إلى الدخول للمستشفى لتلقي المعالجة، وبين الأمنية والخوف من عدم تحققها، يظل الطلب الأهم بلا منافس لكل مريض، مهما كانت إمكانيته المادية أو مستواه الاجتماعي، بل ومهما كانت نوعية وشدة مرضه، هو أن يكون في غرفة خاصة منفرداً خلال إقامته في المستشفى. الرغبة الفطرية لأي إنسان، هي أن يسكن لوحده في غرفة منفصلة، بعيداً عن مشاركة الأغراب في مكان وظروف النوم، وبعيداً عن مشاركة الغير في استخدام دورة المياه. ولذا نجد الفنادق والبيوت وغيرها، مبنية على أساس نظام الغرفة الخاصة لكل ساكن.

ولكن الغريب في شأن الطب، وشأن المستشفيات، هو وجود نظام الغرفة المتعددة الساكنين، أي الغرفة (الردهة) التي يُوجد فيها عشرة أو خمسة أسرّة للمرضى. وهو ما يجرى حتى اليوم، إتباعاً لأنظمة قديمة جداً، وقبل عدة قرون، في إنشاء "العنابر" داخل المستشفيات. ولئن كان من المنطقي والمفهوم أن تكون ثمة اليوم "عنابر" في أماكن عملية ووظيفية معينة، يسكن فيها عدد من الناس الأصحاء والأقوياء، لأن عليهم أن يناموا في وقت محدد وعليهم الاستيقاظ في وقت محدد وعليهم تلقي تعليمات عامة يومياً صادرة لجميعهم، فإن من الملفت للنظر استمرار تعرض المرضى الضعاف والمتفاوتين في أنواع إصاباتهم بالأمراض أو درجة الألم أو الإعاقة أو الاحتياجات العلاجية، للسكن مجتمعين في غرفة واحدة، وإجبارهم بالتالي على تحمل صراخ وأنين وزوار ونوبات تدهور حالات الغير. بل وإجبارهم على استخدام نفس دورة المياه. وما قالته الدراسة المنشورة في عدد 27 أغسطس من مجلة رابطة الطب الباطني الأميركية، أمر مثير للاهتمام ويستحق التأمل. ذلك أنه يُشير إلى أن فرنساً تعمل جاهدة على إنهاء نظام "عنابر" المرضى، وتعميم نظام الغرفة المستقلة single room لكل مريض، وأن بريطانيا وهولندا والنرويج، في طريقها إلى تحقيق ذلك أيضاً. والباحثون طالبوا بإلحاح في دراستهم أن تتجه جميع المستشفيات الجديدة في العالم نحو هذا الأمر.

والموضوع ليس متعلقاً بالرفاهية والراحة للمرضى، وإن كانا وحدهما في الحقيقة سببان كافيان. ولكن الموضوع متعلق باعتبارات طبية مهمة لا يُمكن إغفالها بحال، ولا يُمكن أن لا يتم النظر إليها بجدية.

ودعونا نراجع ما يدور في الدراسة. قال الباحثون في مقدمة دراستهم وبالرغم من أن نظام الغرفة الخاصة للمريض للواحد قد بدأ منذ حوالي مائة عام، وتمت ملاحظة أنه الأفضل للمريض في الراحة وتلقي العلاج، إلا إن الأقسام ذات العنابر المتعددة الأسرّة multi-bed wards ، لا تزال هي الأمر الطبيعي في المستشفيات. وتبقى الغرف الخاصة أو شبه الخاصة مقتصرة لاستخدام من يستطيعون دفع التكاليف المادية اللازمة للحصول عليها. ويقول الباحثون من مركز إيه أند أم لعلوم الصحة بتكساس، ان الدراسات السابقة اشارت إلى أن الغرفة الخاصة للمريض تُقلل من احتمالات إصابته بالميكروبات، أثناء وجوده في المستشفى. وأن ثمة أدلة علمية على أن تواجد المريض في غرفة خاصة يُقلل أيضاً من احتمالات حصول أخطاء طبية في إعطاء الأدوية للمرضى. هذا بالإضافة إلى أن الطبيب يستطيع بكل سهولة التحدث إلى مريضه وإلى بقية أفراد أسرته، مع حفظ الخصوصية في الكلام عن حالته الصحية، أي دون سماع المريض المجاور الذي يبعد عنه بضعة سنتيمترات. ووفق ما يقوله الباحثون في دراستهم الحديثة من مركز سيننيبروك لعلوم الصحة ومن جامعة تورينتو بكندا، أن من بين الفوائد الأخرى والعديدة للغرفة الخاصة للمريض:

· الغرفة المستقلة للمريض، والتي يتبعها وجود دورة مياه مستقلة للمريض، تُقلل من حالات عدوى المستشفيات. أي العدوى بالميكروبات التي يكتسبها المريض بُعيد دخوله إلى المستشفى.

· عند تواجدهم في غرفة خاصة، فإن المرضى الذين تتغير احتياجاتهم الطبية العلاجية، لا يجب عليهم تغيير الغرفة التي يُقيمون فيها، وبالتالي ليس من الضروري تعريضهم لتبعات التنقل بين الغرف والمباني في المستشفيات الكبيرة. وحتى الغرفة التي هي مخصصة لإقامة المرأة بعد الولادة، أي للعناية بالأم والطفل، يُمكن بسهولة تحويل تجهيزاتها بما يتناسب مع الحالات الجراحية إن دعت الحاجة.

· سهولة الاستفادة من الأسرّة في المستشفيات. وضرب الباحثون مثلاً حينما يكون ثمة سرير أو سريرين خاليين في غرفة للذكور، ويكون هناك امرأتان مريضتان تنظران سريراً لترقدا فيه، فإنهما لا يتمكنان ألبته من الاستفادة من هذين السريرين، واللذان قد يظلا شاغرين لعدة أيام دونما فائدة منهما. بينما لو كانت كل الأسرة مستقلة، فإن بالإمكان الاستفادة بشكل متواصل من الأسرّة.

· الغرفة المستقلة للمريض تعني إمكانية أفضل وأوسع وأدق لمناقشة المريض حول حالته الصحية، ودونما الحرج أو اختصار النقاش نتيجة الخوف من إنصات مريض مجاور للحديث الخاص بين الطبيب ومريضه.

·الغرفة المستقلة أكثر هدوءاً وأقل ضجيجاً من "سوق" العنبر الذي يتشارك فيه خمسة مرضى مع عدد مماثل من المرافقين أو أضعاف ذلك من الزوار.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]