الحمى.. ليست سيئة بالضرورة

التعامل العلاجي مع حالات ارتفاع حرارة الجسم

TT

الحمّى، أو ارتفاع حرارة الجسم بشكل غير طبيعي، ليست بالضرورة شيئاً سيئاً. وفي الحقيقة، كما يقول الباحثون الطبيون من مايو كلينك ومن المؤسسة القومية للصحة في الولايات المتحدة، تلعب الحمى دوراً إيجابياً ورئيسياً في مساعدة الجسم على محاربة العديد من الميكروبات. ولا تُعتبر الحمّى مرضاً بحد ذاتها، بل هي علامة تدل على أن ثمة شيئاً ما غير طبيعي يجري في جسم الإنسان.

لدى البالغين، قد تكون الحمى شيئاً غير مريح، إلا أنها تظل غير خطرة ما لم تتجاوز حرارة الجسم درجة 39.4 مئوية. وبالنسبة للأطفال الصغار والرُضّع، يختلف الوضع، إذ ان أي ارتفاع في حرارة أجسامهم، ولو كان طفيفاً، قد يكون علامة ومؤشراً على حصول التهاب جدّي ومهم.

ولأن الحمّى يُمكن أن تظهر وتُصاحب حصول عدة أمراض وحالات، فإن تتبع وتفحص وجود علامات مرضية أخرى في الجسم قد يُفيد غالباً في معرفة المصدر والسبب لحصولها.

وغالبية حالات الحمى تزول خلال فترة وجيزة من الوقت، أي خلال بضعة أيام. وليست كل حالات الحمى تحتاج إلى معالجة بالأدوية، بل إن ثمة حالات من الحمى الناتجة عن تناول أدوية معينة، كأحد آثارها الجانبية، خاصة لدى الأطفال الصغار جداً أو الأشخاص الكبار في السن.

أعراض وعلامات مُصاحبة

* تحدث الحمّى حينما ترتفع حرارة الجسم إلى مستويات تفوق الحدود الطبيعية لها. ويختلف الناس في ما بينهم في المقدار الطبيعي لحرارة أجسامهم، إذ قد تكون أعلى أو أقل من درجة 37 مئوية. لكن حينما تتجاوز حرارة الجسم، التي تم قياسها في فتحة الشرج، 38 درجة مئوية، فإن هذا يدل عادة على وجود حالة الحمّى. ومن المعلوم أن حرارة الجسم بالقياس في فتحة الشرج تكون أعلى بمقدار 1 درجة مئوية بالمقارنة مع ذلك القياس للحرارة في الفم.

وعلى حسب سبب ارتفاع حرارة الجسم، فإن الأعراض المصاحبة للحمى قد تشمل:

ـ زيادة العرق.

ـ رجفة وقشعريرة.

ـ صداعا.

ـ ألما في العضلات.

ـ تدني الشهية للأكل.

ـ جفاف الجسم.

ـ ضعفا عاما في الجسم.

وحينما تكون الحمى عالية، أي فوق 39.5 درجة مئوية، فإن بعض الأعراض الأشد قد تظهر، مثل:

ـ الهلوسة والهذيان.

ـ التشويش الذهني.

ـ التهيج السلوكي.

ـ نوبات التشنج العضلي.

وعلينا ملاحظة أن حوالي 4% من الأطفال، ما دون سن الخامسة من العمر، قد يُعانون من تشنجات عضلية مُصاحبة لحالات الحمّى Febrile Seizures. وعلامات «تشنج الحمّى» هي حصولها عند الارتفاع أو الانخفاض السريع لحرارة جسم الطفل، وفترة وجيزة من فقدان الوعي والتشنجات العضلية لأطراف الجسم. وبالرغم من الانزعاج والخوف الشديد الذي يُصاب به الوالدان آنذاك، إلا أن الأمر لدى غالبية الأطفال لا يترك أي آثار مستقبلية في صحتهم.

أسباب ارتفاع حرارة الجسم

* وغالباً ما تكون الحمّى تفاعلاً من الجسم مع وجود التهابات ميكروبية، كالفيروسات أو البكتيريا. أو نتيجة لضربات الشمس وحالات الإجهاد الحراري، أو حالات التهابات مناطق معينة في الجسم غير ميكروبية، كالتهابات الشرايين أو المفاصل أو غيرها. وهناك القليل من أنواع الأورام التي قد تتسبب بارتفاع حرارة الجسم، مثل أورام الكلى.

ومن الملاحظ أن الحمّى قد تكون ناتجة عن تناول بعض أنواع الأدوية، كالمضادات الحيوية أو بعض الأدوية المُستخدمة في علاج ارتفاع ضغط الدم أو في علاج حالات الصرع.

ويتأثر الأطفال الصغار بالتفاعلات المناعية التي تحصل في أجسامهم بُعيد تلقي بعض أنواع اللقاحات الروتينية.

كما أن هناك بعض الحالات التي لا يُمكن فيها معرفة سبب حصول الحمى. والمهم هو تلك الحالات التي لا يُعرف السبب، بالرغم من إجراء التحاليل والفحوص، وتستمر الحمى بالظهور من آن لآخر، لدرجة أعلى من 38.2 درجة مئوية، ولفترة ثلاثة أسابيع أو أكثر. وهي ما تُصنف علمياً بـ«الحمى مجهولة المصدر» Fever of Unknown Origin.

الحمّى ومراجعة الطبيب

* يقول الباحثون الطبيون في مايو كلينك: الحمى نفسها قد لا تكون بذاتها سبباً للقلق، أو سبباً في مراجعة الطبيب، إلا أن ثمة حالات وظروفا تجب فيها مراجعة الطبيب وطلب المعونة الطبية. وهناك تقسيم للباحثين في هذا الأمر، بالنسبة للأطفال الرُضّع، والأطفال الأكبر سناً، والبالغين.

أولاً: الأطفال الرُضّع

* حصول ارتفاع في حرارة جسم الرضيع، أي دون سن سنة، دونما وجود علامات لتفسير مصدره، يجب الاهتمام به في كل الأحوال. وتجب مراجعة الطبيب لحمّى الطفل الرضيع حينما يكون هناك:

ـ ارتفاع حرارة الطفل الرضيع، ما دون سن 3 أشهر، ودرجة حرارة جسمه بالقياس في فتحة الشرج تشير إلى درجة أعلى من 38 مئوية.

ـ ارتفاع حرارة الطفل الرضيع، الأكبر من سن 3 أشهر، ودرجة حرارته أعلى من 38.8 مئوية.

ـ وجود حمّى لدى الطفل الرضيع مع علامات على التهيج والتوتر، كالبكاء الشديد خلال تغيير الحفائظ أو بمجرد تحرك الطفل.

ـ وجود حمّى لدى الطفل الرضيع، الذي يبدو متعباً وفاقداً للنشاط والحركة وغير متفاعل. وهنا بالذات يجب عدم الانتظار قبل الذهاب للطبيب، حتى الصباح مثلاً، بل ان وجود تلك العلامات المُصاحبة للحمى، لدى الرضيع أو الطفل ما دون سن سنتين عموماً، قد يكون علامة على وجود التهاب في الأغشية المُغلفة للدماغ والحبل الشوكي، أو في السائل المُحيط بهما.

ـ حينما يكون لدى الطفل الحديث الولادة انخفاض أقل من الطبيعي لحرارة الجسم، أي دون 36 درجة مئوية. والسبب أن هؤلاء الأطفال، وفي تلك المرحلة المبكرة من العمر يفتقدون إلى نظام طبيعي في الدماغ لرفع حرارة الجسم حال حصول التهابات ميكروبية لديهم.

ثانياً: الأطفال الأكبر سناً وعادة ما يستطيع الطفل تحمل ارتفاع حرارة الجسم بطريقة جيدة، إلا أن ارتفاع الحرارة يظل شيئاً مقلقاً للوالدين. وللأهمية، يجب توضيح أن على الوالدين أن يهتدوا أكثر بكيفية تصرف الطفل وتفاعله حال ارتفاع حرارة جسمه أكثر من قيمة أرقام قياس مدى ارتفاع الحرارة. وتحديداً تُشير المصادر الطبية في الولايات المتحدة إلى أن من الممكن أن لا يكون هناك سبب للقلق إذا ما كان الطفل محموماً، لكنه مُستجيب للأم أو الأب عبر التواصل بنظر العينين، ومتفاعل مع تعبيرات الوجه أو صوت الأم، ويشرب كثيراً من السوائل، ويرغب في اللعب. وهذه السلوكيات والتفاعلات الطبيعية للطفل، هي شيء مُطمئن للوالدين. ومع ذلك، يجب الاتصال بالطبيب أو زيارته، حينما يكون لدى الطفل المرتفعة حرارته أحد الأمور التالية:

ـ يكون الطفل فاتر الهمة وكسولا، أو متهيجا وسريع البكاء أو الغضب، أو يتكرر منه القيء، أو يشكو من صداع شديد، أو من ألم في البطن، أو أن لديه أي أعراض أخرى غير طبيعية تدل على عدم ارتياحه.

ـ عندما تظهر لديه الحرارة بعد تركه في سيارة حارة جداً أو في مكان مغلق وحار.

ـ حينما تستمر الحرارة أكثر من يوم لدى الطفل الذي يقل عمره عن سنتين. أو أن تستمر أكثر من يومين لدى الطفل الأكبر من عمر سنتين.

ومن المهم التنبه إلى عدم البدء بمعالجة ارتفاع حرارة الطفل دون مشورة الطبيب حينما لا يتجاوز لدى الطفل ارتفاع الحرارة 39 درجة مئوية.

ثالثاً: البالغون

* وعليهم مراجعة الطبيب حينما:

ـ تتجاوز حرارة الجسم 39.5 درجة مئوية.

ـ استمرار ارتفاع الحرارة لمدة تزيد عن 3 أيام.

ـ وجود صداع شديد.

ـ تورم شديد في الحلق.

ـ طفح جلدي غير طبيعي.

ـ حساسية غير طبيعية في العينين لرؤية الضوء.

ـ تيبس العنق عن الحركة للجانبين، وألم عند انحناء العنق إلى الأمام.

ـ تشويش ذهني.

ـ قيء مستمر.

ـ صعوبات في التنفس، أو ألم في الصدر.

ـ إعياء شديد، أو تهيج واضح في السلوكيات.

ـ ألم في البطن، أو ألم عند التبول.

ـ وجود أي أعراض أو علامات أخرى غير طبيعية.

معالجات منزلية ودوائية بسيطة.. لحالات ارتفاع حرارة الجسم

* حينما تعتري الإنسان حالة ارتفاع حرارة الجسم، فإن فقد الجسم للماء يزداد. وهنا يجب التأكد من شرب كميات كافية من الماء للوقاية من حالة الجفاف. وماء الشرب العادي هو الاختيار الأفضل للبالغين، بمعنى أن الإنسان البالغ يكفيه شرب كميات إضافية من ماء الشرب لتعويض ما فقده الجسم من سوائل جراء زيادة العرق وزيادة عدد مرات التنفس. لكن الأطفال، ما دون سن سنة، يحتاجون إلى تناول السوائل الطبية المخصوصة والمزودة بكميات من أملاح متنوعة. وهي ما تتوفر في الصيدليات كمحاليل تعويضية لمعالجة الجفاف oral rehydration solution.

ولأن حالة الحمى، هي إجهاد للجسم وطاقة عمل أجهزته وأعضائه، فإن الراحة ضرورية لمنع مزيد من الإنهاك للجسم.

ويجب عدم النظر إلى معالجة حالة الحمى باعتبارها فقط حالة من ارتفاع حرارة الجسم، لأن الارتفاع البسيط في الحرارة هو بالأصل شيء إيجابي، وهو وسيلة يستخدمها الجسم في مقاومة الالتهابات الميكروبية.

* لحرارة أقل من 38.8 درجة مئوية

* لا تستخدم أي أدوية لخفض الحرارة، إلا إذا نصح الطبيب بذلك. ولا تُعطي الأطفال أقراص الأسبرين، لأنها ضارة للأطفال ما دون سن 12 سنة. وعليك أن تحرص على ارتداء الطفل أو البالغ ملابس مُريحة وخفيفة، وحاول أن يستحم المريض في ماء فاتر. وعند النوم، قم بتغطية الطفل بملاءة من القماش أو بطانية خفيفة.

* لحرارة أعلى من 38.8 درجة تناول أحد أدوية خفض حرارة الجسم، من نوع «بانادول» أو «تاينيلول». ويُمكن للأطفال أن يتناولوا أحد أنواع أدوية مجموعة «مضادات الالتهابات غير الستيرويدية» تحت مشورة الطبيب، مثل «إبيوبروفين». كذلك الحال مع البالغين الذين بإمكانهم تناول أي من تلك الأدوية الخافضة للحرارة والمسكنة للألم والمضادة للالتهابات، أو تناول الأسبرين. ويجب الحذر من الإفراط في تناول تلك الأدوية، تجنباً لآثارها الجانبية. والواجب تناولها وفق إرشادات الطبيب حول الكمية والوتيرة ومقدار الجرعة.

ومن المفيد لخفض الحرارة، استخدام كمادات من الماء العادي، أي ليس البارد أو المثلج، كل ما بين 5 و10 دقائق. والأكثر جدوى هو استخدام الكمادات تلك بعد إعطاء أحد الأدوية الخافضة للحرارة.

ومن المهم التنبه إلى أن الكمادات الباردة أو المثلجة قد لا تُساعد على خفض حرارة الجسم، لأنها تعمل على انقباض الأوعية الدموية الموجودة في الجلد، وبالتالي لا يتمكن الجسم من إخراج الحرارة عبر الجلد. كذلك من المهم التوقف عن استحمام الطفل بالماء، حينما يبدأ الطفل بالرجفة والقشعريرة. لأن القشعريرة والرجفة بذاتها سترفع من حرارة الجسم عبر عملها على إنتاج مزيد من الحرارة الداخلية في الجسم.

والمهم في حال حصول ارتفاع حرارة الجسم هو التصرف بهدوء والتعامل مع الأمر بطريقة صحيحة وفق ما تم ذكره.

آلية تسلسل الأحداث في حالات الحمّى

* علينا أن نتذكر بأن الإنسان الطبيعي، وفي الأيام العادية التي لا يشكو فيها من أي أمراض، تختلف لديه حرارة الجسم خلال اليوم الواحد. وتحديداً تنخفض في ساعات الصباح، وترتفع في ساعات بعد الظهر وأوائل فترة المساء. لذا من الطبيعي أن يكون هناك «مدى طبيعي» لحرارة الجسم، وهو ما يتراوح بين 36.5 و 37.6 درجة مئوية. والارتفاع غير الطبيعي لحرارة الجسم هو حينما تصل حرارة الجسم 37.8 وما فوق.

وأساس مقدار حرارة الجسم هو الضبط والتحكم اللذين يتمان لها في الدماغ، وتحديداً ذلك «الثيرموستات» الطبيعي الموجود في منطقة «ما تحت المهاد» hypothalamus في قاع الدماغ. وحينما تحصل اضطرابات في الجسم، بفعل عوامل عدة كالالتهابات الميكروبية أو زيادة إفراز هورمونات الغدة الدرقية وغير ذلك، فإن مركز ضبط حرارة الجسم في الدماغ يعمل على وضع درجة حرارة جديدة كنقطة طبيعية لحرارة الجسم، وبالتالي تعمل أجهزة الجسم المختلفة على إنتاج كمية من الطاقة الحرارية لرفع حرارة الجسم إلى المستوى الجديد الذي حدده الدماغ. لذا بدلاً من أن تكون الحرارة الطبيعية للجسم 37، فإنها تُصبح 39 درجة مئوية مثلاً.

ومن هنا نُدرك لماذا تحصل لدى الكثيرين حالات الشعور بالبرودة ثم الرجفة والقشعريرة، وذلك قبل ظهور ارتفاع واضح في حرارة الجسم. والسبب أن رفع الدماغ للحرارة الطبيعية الجديدة للجسم، أي 39 درجة مئوية مثلاً، يجعل المرء يشعر بالبرودة لأن حرارة جسمه في البداية تكون 37 درجة مئوية، ثم يتطلب من الجسم إنتاج الحرارة لموافقة ما هو جديد كالطبيعي ولتدفئة الجسم.

وأسهل طريق لإنتاج الحرارة هو بانقباض وانبساط العضلات، خاصة تلك العضلات الصغيرة التي ترتبط ببصيلات الشعر وبقية عضلات الجسم. لذا يشعر المرء بالبرودة، وتبدأ لديه القشعريرة والرجفة.

ثم بعد هذا كله، تبدأ حرارة الجسم بالارتفاع، وهو ما يبدو في قياس درجة حرارة الجسم، وتظهر الحمى على المريض. وعندما تصل حرارة الجسم إلى الدرجة الجديدة، أي 39 درجة مئوية، ويكون الجسم قد أنتج كمية أعلى مما يجب من الطاقة الحرارية، يبدأ الجسم بتبريد نفسه عبر زيادة إفراز العرق للتخلص من الطاقة الحرارية الزائدة.

* استشاري بقسم الباطنية في المستشفى العسكري بالرياض [email protected]