حبوب منع الحمل الهورمونية.. حجج واهية حول زيادتها للوزن

لم تُثبت أي علاقة محتملة بين هورموناتها وظهور البدانة

TT

لأن الطب علم مبني على الدليل والبرهان، فإنه لا مكان للحجج الواهية فيه، خاصة عند التحدث عن ذكر مسببات الأمراض، التي يُلقى اللوم عليها في المعاناة المرضية للبعض.

هذه المقدمة ضرورية لتعاملنا، كأطباء وكعامة الناس، مع الأمراض في نواحي الوقاية منها أو في وسائل معالجتها.

وثمة اليوم علاقة «حميمية» جداً بين النساء وارتفاع معدلات السمنة بينهن، خاصة في فترة ما بعد الزواج. وتزداد تلك العلاقة ترابطاً تصاعدياً متنامياً، إلى الحد «الخانق» لأي طموحات «رومانسية» لدى بعض الأزواج، في فترة ما بعد إنجاب الطفل الأول، والولادات التي تليه.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن اضطرار بعض الزوجات لتناول «حبوب منع الحمل» الهورمونية، الذي يجب أن يتم وفق المشورة الطبية المباشرة، يحمل في طيّاته لدى الكثيرات فكرة أن على الزوج أن يتقبل نتيجة مفادها: تناول «حبوب منع الحمل» سبب مهم وأكيد وتلقائي لزيادة وزن جسم الزوجة، وبالتالي عليه تقبل أن كثيراً مما تطرحه أزياء «الموضة» لن يكون مناسباً لارتداء زوجته له، وتقبل أن كثيراً من «المعايير» الأنثوية للرشاقة وتناسق القوام، لن يراه بـ«أم عينه» متألقاً على زوجته.

لكن السؤال الذي يُعيد الأمر برمته إلى نقطة الصفر، بدلاً من الاسترسال في ذكر «الأثمان» التي على الزوج تقبل دفعها جراء تناول الزوجة لتلك الحبوب المانعة للحمل، هو: هل من الثابت علمياً أن علاقة «حبوب منع الحمل» وسمنة الزوجة، هي من نوع السبب والنتيجة؟ أي بعبارة أخرى: هل ان زيادة الوزن، هي أحد الآثار الجانبية لتناول المرأة حبوب منع الحمل؟.

الباحثون من «المؤسسة الألمانية لمعايير وفاعلية الرعاية الصحية» IQWiG، راجعوا تقييم نتائج البحوث الطبية التي تناولت علاقة أصناف أدوية منع الحمل بالعمل على ضبط وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية له. ونشروا، في الثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نتائج تلك المراجعة العلمية في موقعهم الإلكتروني ضمن صفحات «المعلومات الطبية السهلة على الفهم»، والموجهة لتثقيف عموم الناس بالجوانب الصحية، وفق ما هو ثابت علمياً.

وقال الباحثون إن الوسائل الهورمونية لمنع الحمل و«لولب الرحم»، أكثر الوسائل فاعلية لمنع الحمل غير المرغوب فيه. والأنواع المختلفة من أدوية منع الحمل لها فوائد ولها أيضاً أضرار، وهي ما تحتاج أن تتم الموازنة بينها، عند الوصف، لحالة كل امرأة بذاتها. وأضافوا، بأن العديد من النساء يتوقفن عن تناول الأدوية تلك لأن «الزيادة في وزن الجسم»، هي أحد ما يُقال من آثارها الجانبية، ما يُضيّق عليهن الاختيارات في وسائل منع الحمل، بلا سبب وجيه. ويُذكر للدلالة على ذلك أن ثمة العديد من الدراسات توصلت إلى تلك النتيجة.

ووفق ما قاله البروفيسور بيتر ساويكي، مدير المؤسسة، فإنه تبين أن العديد من الدراسات، التي أشارت إلى تلك العلاقة، كانت «مستعجلة جداً»، في «قفزها» إلى استنتاج تلك المعلومة.

وأضاف ان الدراسات التي قيّمت، بمنهجية علمية منتظمة، ما الذي يحصل لدى النساء حينما يتناولن حبوب منع الحمل، لم تُثبت أي علاقة محتملة بين هورمونات منع الحمل، والزيادة في وزن الجسم. وأن الكثير من النساء تزداد أوزانهن مع التقدم في العمر، سواء تناولن أدوية منع الحمل أو لم يتناولنها. وأن الانقطاع عن تناول أدوية منع الحمل، لن يُساعد المرأة في السيطرة على أي انفلات في زيادة وزن الجسم.

وكان الباحثون في «مايو كلينك»، قد قالوا ضمن مراجعتهم للتساؤلات حول حبوب منع الحمل، الصادرة في مايو (أيار) 2007، بأن النساء غالباً يلمْن هذه الحبوب في التسبب بزيادة وزن الجسم، إلا أن الدراسات أظهرت أنه لا توجد حقيقة لهذا التأثير.

وأوضحوا الآلية التي تجعل المرأة تعتقد بأن حبوب منع الحمل كانت هي السبب في شعورها بزيادة الوزن. وذلك أن من إحدى آليات عمل الحبوب هذه، زيادة تجمع المياه في الثدي والردفين والفخذين. وهو ما يدفع المرأة للاعتقاد بأن وزنها قد زاد، بينما في الحقيقة زادت كمية المياه المتجمعة في أجزاء من جسمها، ولم تزدد كمية كتلة الأنسجة الشحمية أو العضلية في جسمها.

وعدم وجود علاقة بين تناول حبوب منع الحمل والزيادة في الوزن، أو عدم تسبب تناول تلك الحبوب لارتفاع مُؤثر في الكوليسترول أو الدهون الثلاثية، لا يعنيان البتة أنها حبوب آمنة للتناول على الإطلاق. ومعلوم أن تناول تلك الحبوب، ولفترات طويلة ومتواصلة، سبب في ارتفاع ضغط الدم، خاصة لدى المُدخنات. وسبب في ارتفاع الإصابات بسرطان عنق الرحم والكبد، بالرغم من عملها على حماية المرأة من الإصابة بسرطان المبيض وسرطان بطانة الرحم.

لكن المقصود من كلام الباحثين الطبيين في هذا الأمر، هو تنبيه النساء على ضرورة عدم إلقاء الملامة على تناولهن حبوب منع الحمل، حال حصول زيادة في وزن الجسم، بل عليهن آنذاك البحث في أسباب حصول الزيادة تلك. وأن عليهن الاهتمام بالغذاء الصحي وبممارسة الرياضة للوقاية من السمنة وللعمل على خفض أي ارتفاع في وزن الجسم. أي عليهن عدم اعتقاد أن الزيادة التي قد تعتري أوزانهن، إنما هي شيء تلقائي لبدئهن في تناول حبوب منع الحمل <

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]