الحب يقوي المناعة

الوحدة والانعزال من أخطر العوامل على صحة الإنسان

TT

ماذا يفعل الحب بصحتنا وأجسادنا ؟ وما هو تأثير هذا الحب الإيجابي على جيش الدفاع الإلهي المسمى بالجهاز المناعي ؟ بداية الحب الإيجابي الذي يؤثر بالفعل على صحة ونفسية ومناعة الإنسان هو حب الله الذي يولد لدى الإنسان وبخاصة في حالة ضعفه ومرضه يقيناً بأن هناك قوة أعظم يستطيع - بعد الأخذ بالأسباب التي يسرها له –أن يركن إليها ، ويطمئن لوجودها وقدرتها ، ويرضى بعطائها وابتلاءاتها ، فطاقة الحب الهائلة المستمدة من حب الله والرضا بعطائه تولد طاقة الإرادة والأمل في الشفاء.

من حب الله تنطلق طاقات الحب المختلفة: أولاً لنفسك ، فلبدنك عليك حق فلا تخذله ، لأن من تحبه سوف يسألك عنه ، ويحاسبك على التفريط في حقه ، ثم حب من يحيط بك ومن تتعامل معهم من الأقارب والأصدقاء ، وعلى رأسهم المرافق للمريض ، وغالبا ما يكون إما الزوج والزوجة أو الأب والأم أوالابن والابنة وغيرهم ، فالمشاركة الوجدانية هي التي تحمي المريض من الضغط النفسي الداخلي ، والقلق والتوتر الذي يؤثر بالسلب على جهاز المناعة من خلال هرمونات الهدم السلبية التي تضعفه وتقلل من قدراته ، ولذلك ينبغي على من يعتني بالمريض أن يدرك ذلك دون تهويل وتضخيم أو استخفاف وتهوين ، وينبغي أن يدرك هؤلاء الأشخاص أهمية العلاقة والمودة البدنية بينهم وبين من يعتنون بهم من المرضى ، فبعيداً عن العلاقات الحميمية التي قد لا يكون لها مجال في هذا الوقت ، لا بد أن يستمر بينهما ما يسمى بالملامسة الجلدية إذا كان هذا لا يضر أو يعدي طبعاً ، فمن خلال الملامسة والمداعبة والربت على الكتف والتقبيل العادي ، يفرز الجسم إندورفينات وأفيونات وهرمونات مناعية ترفع من كفاءة الجهاز المناعي ، وتقلل من مستوى الإحساس بالألم ، كما تعطي للمريض نوعاً من الثقة في النفس ، والإحساس بالقدرة على المقاومة ، ولا مانع من أن نحث المريض على الحركة والنشاط ، وأن نترك له مساحة لكي يخدم نفسه إذا كان قادراً على ذلك ، دون تجاهل للأعراض التي تؤرقه .

ولقد أثبتت الأبحاث أن الإحساس بالحب والتعبير عنه إنما يمثل الملجأ النفسي الآمن الذي يستطيع المريض أن يلجأ إليه.ولكي ندرك أهمية وجود الحب - هذا الملجأ النفسي الذي يعد بمثابة ماص للصدمات - دعونا نذكر ما قام به د.ستيفين لوك في بحثه الذي أجراه في جامعة هارفارد ، حيث حقن الفئران بنوع من الخلايا السرطانية ثم قسمهم إلى مجموعتين تم وضعهما في مكانين مختلفين ، وتم تعريضهم لصدمات كهربائية متكررة بحيث يمكن لفئران المجموعة الأولى أن تهرب من هذه الصدمات إلى مكان آمن بعد تعرضها لها ، أما المجموعة الأخرى فليس لها مهرب إلا المكان الذي أصيبت فيه بهذه الحالة من الهلع والتوتر والخوف ، ثم بدأ بعد مدة يبحث عن مصير الخلايا السرطانية التي تم حقنها في كل من المجموعتين ، وجاءت النتيجة لتوضح أن مجموعة الفئران التي وجدت ملجأ آمن بعد التعرض للصدمات ، استطاع جهازها المناعي أن يقاوم الخلايا السرطانية التي تم حقنها فيهم ويكبح جماحها ويقضي عليها ، بينما الفئران الأخرى التي استسلمت لحالة اليأس والهزيمة والتوتر الذي لا مهرب منه فقد تكونت لديها الأورام وانتشرت في أجسامها ، ولم يستطع جهازها المناعي مقاومة الخلايا السرطانية ، وهكذا يتضح لنا أن وجود ماص للصدمات ووسيلة يهرب إليها الإنسان من أزماته يعد عاملاً أساسياً في كفاءة عمل الجهاز المناعي ، ومن أهم عوامل امتصاص الصدمات :الإيمان والحب والصبر .

ولإثبات تأثير الوحدة والانعزال والحالة النفسية السيئة على كفاءة الجهاز المناعي ، فقد أثبت العلماء من خلال أكبر دراسة أجريت في جامعة ميتشجان الأميركية أن نسبة حدوث الوفيات نتيجة للإصابة بالأورام السرطانية ، والأمراض النفسية الخطيرة مثل الاكتئاب العقلي والفصام وغيرها ، تزيد بنسبة ثلاث مرات في الأشخاص الذين يعيشون في وحدة وعزلة عن أسرهم وعن المجتمع والأصدقاء ، وخلصت نتائج هذه الدراسة إلى أن الوحدة والانعزال تعد من أخطر العوامل التي تؤثر على صحة الإنسان ومناعته وأيضاً عمره ، وأن التأثير الضار الذي تحدثه حياة الإنسان منفرداً في عزلة عن الأقارب والأصدقاء يعادل التأثيرات الضارة العديدة للتدخين ، وبالطبع يتضاعف هذا التأثير إذا كان هذا الشخص المنعزل مدخناً ، لذا ينبغي على الإنسان بصفة عامة - والمريض بصفة خاصة - أن يبحث عن الحب أخذاً وعطاءاً ، وألا ينعزل في مرضه عمن يحب ، وألا يتركوه هم وحيداً أو يبعدوا عنه بحجة أنهم لا يستطيعون أن يرونه يتألم .

ومن الأبحاث الهامة أيضاً تلك التي خرجت من جامعة بنسلفانيا والتي أثبتت أن الأشخاص الذين يعيشون حالة من الحب الرومانسي الواعد تقل عندهم مستويات حامض اللبنيك في دمهم ، في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات الإندورفينات أو الأفيونات الداخلية لديهم ، مما يجعلهم أقل إحساساً بالتعب ، وأقل تعرضاً للإحساس بالألم ، كما أن الاختبارات التي أجريت على كرات دمهم البيضاء أثبتت أنها تعمل بكفاءة أكبر أثناء هذه الحالة عنها في الحالات المزاجية العادية ، وفي جامعة هارفارد وجد الباحثون أن مشاهدة الأفلام العاطفية ، وقصص الحب الرومانسية ، وكذلك الأفلام الكوميدية ، تزيد من نسبة الأجسام المناعية المضادة ( جلوبيولين المناعة اA ) في الأغشية المخاطية المبطنة للفم والأنف والموجودة في اللعاب ، والتي تمثل خط الدفاع الأول للوقاية من البرد والإنفلونزا < استشاري المناعة والتحاليل الطبية وزميل الأكاديمية الأميركية للمناعة