فحص السمع للأطفال حديثى الولادة .. ترفٌ أم ضرورة ؟

TT

لا يختلف اثنان على أهمية السمع فى تعلم الكلام والنطق بالنسبة للأطفال الصغار. ليس هذا فحسب ولكن السمع مهم ايضا فى تكوين الشخصية وجوانب الإدراك المختلفة وفي التقدم الدراسي والنمو الاجتماعى والعاطفى.

إن أهميته فى ذلك تفوق كثيرا أهمية البصر، فكثيرون من فاقدى البصر إستطاعوا، رغم إعاقتهم هذه، أن يتميزوا وينبغوا فى علم معين او حرفة محددة. أما الصم، فنادرا ما يستطيع أحدهم التفوق على أقرانه أو حتى مساواتهم.

وحتى تتأكد - عزيزي القارئ - من ذلك قم بهذه التجربة بنفسك: عليك أن تشاهد جزءا أو مقطعا قصيرا من أى برنامج أو مسلسل بدون صوت تماما، ثم استمع إلى نفس المادة ولكن وأنت مغمض العينين..... النتيجة: ستجد حتما أن المعلومات التى حصلت عليها من السمع هي أضعاف ما حصَّلته من المشاهدة.

* السمع ومشاكله "صحتك" عرضت هذا الموضوع الشيق على أحد المتخصصين المتميزين في مجال السمع، الدكتور هشام بدر الدين المشد استشاري أذن وأنف وحنجرة بمركز مكة للسمع والنطق بالجمعية الخيرية مكة المكرمة وحاصل على درجة الدكتوراه في هذا التخصص، فبدأ بتذكير القارئ الكريم، لعله يأنس لهذه الحقيقة التي ذكرناها، إذا علم أن القرآن الكريم ذكر السمع إحدى عشرة مرة بينما ذكر البصر سبع مرات فقط ويضيف د. المشد أن الحقيقة الأهم فى هذا الشأن هي أن كل السلبيات والأضرار التى يعانى منها من يصاب بنقص فى سمعه، يمكن تلافيها والتغلب عليها لو أمكن إكتشاف هذا العيب فى وقت مبكر ومن ثم التدخل السريع بالعلاج المناسب سواء كان علاجا طبيا او جراحيا او بواسطة السماعة مع التأهيل اللغوى اللازم فى مثل هذه الحالات. إن مشكلة نقص السمع عيب غير مرئى لا يمكن إكتشافه إلا بالفحص المتخصص، فلا يمكن رؤيته مثل العيوب الخلقية الأخرى. وبالرغم من أنه عيب خفي إلا أن نسبته هى الأعلى بين الأمراض الوراثية (وهى الأمراض التى يولد بها الطفل بسبب تكوينه الجينى) أو ما قد تتعرض له الأم أثناء الحمل من أمراض أو إشعاعات أو ما تتناول من أدوية، حيث تبلغ نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص فى سمعهم حوالى 1-3 من كل ألف طفل يولد حياً، فى الولايات المتحدة الأميركية. ومن هنا تكمن أهمية الفحص المبكر للأطفال حديثى الولادة خصوصا فى مجتمع مثل مجتمعنا تنتشر فيه الأمراض الوراثية بسبب كثرة زواج الأقارب.

* نقص السمع لدى الاطفال

* ويشدد الدكتور هشام المشد على ضرورة الإكتشاف المبكر لمشكلة نقص السمع، ويوضح أن "مبكرا" تعني هنا فى حدود الأيام والأسابيع الأولى من عمر الطفل، وليس الشهور والسنوات. والسبب في ذلك أنه من حسن الحظ، وسوءه أيضا، فللأسف أن الطفل الذى يُكتشف نقص سمعه قبل الستة شهور الأولى من عمره، ويُطبق معه العلاج المناسب لحالته، فإن هذا الطفل ينمو طبيعيا تماما كزملائه الأصحاء. بينما لو تأخر هذا الإكتشاف ومن ثم تأخر العلاج الى ما بعد الشهور الستة الأولى، فلن يدرك هذا الطفل أقرانه مهما تلقى من وسائل للعلاج، وكلما تأخر الإكتشاف والعلاج كلما قلت الفرصة للوصول الى نتائج مرضية مع هؤلاء المتأخرين.

إن القاعدة فى ذلك هي: أن نجاح العلاج، فى إكساب الطفل نموا طبيعيا من حيث النطق والكلام والقدرات الذهنية الأخرى، يتناسب عكسيا مع عمره عند إبتداء هذا العلاج.

وبناء على هذه الحقائق فإن معظم الدول المتقدمة قد إستحدثت تشريعات لفحص كل المواليد (وهو ما يعرف بالمسح أو scanning) قبل خروجهم من المستشفى التى ولدوا بها وبحد أقصى خلال الشهور الثلاثة الأولى من العمر. وجعلت هذا الفحص إلزاما تماما مثل التطعيمات المختلفة التى يأخذها أبناؤنا بصورة إلزامية. وقد شجعهم على ذلك توفر الأجهزة اللازمة لمثل هذا الإختبار وسهولة التدريب عليها وإستخدامها، وايضا فقد وجدوا أن تكلفة هذا الفحص لكل المواليد لا يساوى شيئا بالنسبة للتكلفة الباهظة التى تُنفق على تأهيل طفل واحد معاق سمعيا.

ولحسن الحظ فإن بعض المراكز المتخصصة هنا فى المملكة قد وفرت هذه الأجهزة ودربت العاملين عليها، فلا يبقى إلا أن نحث أولياء الأمور وندعوهم الى المبادرة بفحص السمع لأطفالهم حديثى الولادة بمبادرة شخصية منهم حتى يتسنى للحكومة أن تتكفل بهذا الأمر وتجعله مسحا إلزاميا لكل المواليد فى القريب العاجل. وأخيرا يشير د. المشد، إلى أن هذا الاختبار على الرغم من أهميته، إلا أنه لا يجب الإعتماد عليه كليا مدى الحياة، بل يجب المبادرة بفحص سمع الطفل مرة أخرى كلما دعت الحاجة إلى ذلك خلال السنوات الأولى لعمره، وهى مهمة يجب أن ينتبه إليها، بالإضافة إلى الوالدين، المدرسون والمدرسات فى المدارس والروضات، لأن هناك الكثير من الأمراض التى قد تصيب الطفل بعد أن يجتاز هذا الفحص وتؤثر على سمعه بصورة سلبية. وبذلك تبرز أهمية الفحص الدورى للأذن والسمع، وقد أصبح ضرورة، لا ترفا <