نتف الشعراللاإرادي.. لماذا يحدث؟

يصيب الإناث أكثر من الذكور

TT

اضطراب نتف الشعر، يحدث لا إرادياً، رغم معرفة الشخص المعرض له أن هذا مؤلم ومزعج ومشوِّه للشكل. وهو يَطال الإناث في معظم الأحوال، وتتعود فيه البنت على القيام بحركة عصبية لا إرادية، تشدُّ فيها شعرها، تقتلع الخصلات الكاملة من جذورها، وتُخَلِّف وراءها بؤراً من فروة الرأس عارية تماماً، لدرجة ينْحلُ معها رأسها، ويصير مشوهاً من كثرة الاقتلاع والشد.

كبت واكتئاب

* كثيراً ما تحس البنت أن الآخرين حولها لا يفهمونها، وأنها تكبت كل المشكلات التي لا يساعدها ولا يشاركها أحد في حلّها، مما يؤثر على حياتها العائلية، مسبباً لها الأرق ويفقدها الشهية للطعام. وقد اتضح في حالات كثيرة أن الاكتئاب المختبئ يكْمن في النفس، ويظهر في فعل اقتلاع الشعر.

قد يحدث الاضطراب في البيت فقط، وقد تتهم البنت والدتها بالاهتمام بأشياء وبأناس آخرين على حسابها، أو تشتكي من أن والدها سلبي إلى حد كبير، وأن ذاكرتها لم تعد قوية، وقد بدأت في النسيان، كما تشعر بالقلق، ولا تستطيع الاستمرار في عمل أي شيء. وكذلك تحس أن ذهنها مشتت، وبنوع من الضغط، يتركز في شعرها، في فروة الرأس، وبالإرهاق والتعب أثناء فترة النهار.

وتثير مسألة شد واقتلاع الشعر البنتَ وتضايقها، إلا أنها على الرغم من كرهها لها، فإنها تكون قادرة على مقاومتها.

وسواس قهري

* تسمى الحالة «هوس شدّ الشعر ونتفه واقتلاعه»، والاصطلاح العلمي اللاتيني لها Trichotillomania، وهو مكون من ثلاثة أجزاء: الأول Tricho معناه الشعر، والثاني Till ومعناه الشدّ والاقتلاع، أما الثالث Mania فمعناه الهوس. وهو دافع لا يتحكم المريض في أمره.

اضطراب نتف الشعر، شدّه ونتفه، يصنَّف على أنه من اضطرابات الوسواس القهري (بمعنى أن هناك فكرة أو فعلا قهرياً تسلطياً أو كليهما، يسيطر على المريض بشكل متكرر مزعج)، يقوم المضطرب به، ويكرره، على الرغم من علمه الأكيد أن ما يفعله خطأ، وأنه أمر بلا معنى، ويراه أطباء النفس، أحياناً، نوعاً من الاضطراب الوجداني الشديد، ويمكن أن يشترك مع اضطرابات أخرى مثل قضم الأظافر، وشد الجلد، ومص الإبهام. من أهم خصائص هذا الاضطراب النفسي، الفشل المتكرر في مقاومة الدافع لشد الشعر من جذوره.

ولا يكون التشخيص صحيحاً إذا كان شد الشعر مقروناً بالتهاب في جلد فروة الرأس، أو إذا كان استجابة لنوع من الضلالات أو الهلوسة، فالمريض في هذه الحالة يعاني من إحساس متزايد بالتوتر الشديد قبل عملية الشدّ مباشرة، ومن ثم فإن هذا السلوك يحقق للمريض الراحة والإشباع.

وينجم عن عملية شد الشعر مناطق كالبقع تشبه (القُراع)، كما أن هناك حالات نادرة يلجأ فيها المريض لنتف رموش عينيه وشعر الحاجبين والصدر وتحت الإبط ومنطقة العانة، وقد تبدأ هذه الحالة عادة في سن الطفولة، غير أن هناك حالات تظهر في سن متقدمة حتى 62 سنة، لكنها عادة ما تكون مرتبطة بنوع من المرض العقلي (الذهان)، يفقد فيه المريض صلته بالواقع.

رحلة علاج طويلة

* من خصائص رحلة العلاج أنها طويلة، أي قد تكون من سنة إلى ثلاث سنوات، وقد تمتد إلى عشرين سنة، إذا ما تُركت دون علاج، كما تظهر فترات العلاج في صورة مدّ وجزر من الشفاء والانتكاسات. من أسباب هذا الاضطراب النفسي، الكبت، وهو عملية نفسية تحدث في العقل الباطن للتخلص من مشاعر الضيق والتوتر التي يعاني منها المريض، ومن ثم يُبْعِد المريض عن وعيه الرغبات والدوافع والحاجات التي لا يتفق تحقيقها مع ما يحيط به من قيود، وذلك بإبعادها وكبْتها في ما يسمى باللاوعي، ومن ثم يضمن الإنسان حالة نسبية من الهدوء والاستقرار النفسي، وهي ضرورة تتطلبها طبيعة النفس الإنسانية والجهاز العصبي.

كما أن التجارب المكبوتة لا تقتصر على الدوافع المختلفة التي يتعذر تحقيقها، وإنما يكبت معها الشعور العاطفي الناجم عن الفشل في تحقيقه، كالفشل في تحقيق أمان اجتماعي، ومصالحة كاملة مع الأسرة والمجتمع، وتحقيق الآمال، مما يجعل بعض المرضى يصف حالته بـ(الشعر المعوق).

الحوار والعلاج النفسي

* لا بد أن يعتمد العلاج على الحوار ومناقشة الأهل، في محاولة لتحقيق «الاستبصار»، أي الوعي النفسي بالمشكلة وبالبيئة المحيطة، ويتحقق هذا على مستويين، الأول ذهني، والثاني تحليلي نظري، بمعنى أن تتعرف المريضة على الدوافع المسببة لعملية شد الشعر.

المستوى الثاني، وهو الأهم.. الوعي الوجداني العاطفي بالمشكلة، أي الاستبصار الكامل بها، بمعنى تحقيق المعرفة الداخلية بالموضوع، نفساً وقلباً وعقلاً ورؤى وحياة. الشعر، يمثل هنا رمزاً حيوياً لعملية اجتماعية إنسانية، تتعلق بمظهر وجوهر الإنسان، ومن ثم، فإن اضطراب هوس شد الشعر يكون تعبيراً عن صراعات واعية ولا واعية، يمر بها أغلبنا، لكننا لا نشد شعرنا، لكن ربما آلمتنا أمعاؤنا، أو أًُصبنا بالصداع، أو ألم أسفل الظهر، وهذا هو سر المرض النفسي، وسر علاجه الصعب والمهم جداً.

ويعد العلاج بالتحليل النفسي، كما ذكرنا، من أهم الطرق العلاجية، وذلك بالتركيز على مرحلة الطفولة والتجارب والصدمات النفسية والاجتماعية، وكذلك الصراعات التي لم تُحَلّ في وقت مبكر خلال الفترات الحساسة والأولى من عمر الإنسان.

كما توصف بعض العقاقير ذات التأثير النفسي، خاصة مضادات الاكتئاب، تحديداً تلك المفيدة في حالات الوسواس القهري.

وأشغال الإبرة، دوراً مهماً في صرف الانتباه بعيداً عن منطقة الرأس.

استراتيجيات للحد من نتف الشعر * رصد وتسجيل جميع نوبات ومحاولات شد الشعر ونتفه، بهدف زيادة الوعي بالسلوك المعيب، وإجهاض تطور استمرارية الاضطراب.

* من الممكن وضع رائحة عطر قوي على الأيدي كمحفز لزيادة الوعي باليدين إذا ما اقتربتا من الشعر.

* ارتداء القفازات، كحاجز مادي للأصابع، ولجعل نتف الشعر أكثر صعوبة.

* حاولي إبقاء اليدين، قدر الإمكان، مشغولة.

* تلعب الحرف اليدوية، مثل الحياكة

* استشاري الطب النفسي، زميل الكلية الملكية للطب النفسي ـ لندن، زميل الأكاديمية الأميركية لطب السيكوسوماتيك (النفسي الباطني).