حامض الفوليك:نقصه يزيد العيوب الخلقية في المواليد وزيادته تثير مخاوف صحية

لأنه سلاح ذو حدين .. تساؤلات حول مقاديره المفيدة

TT

كما هو الحال مع حبوب المكملات الغذائية، فان هذا الفيتامين يمكن ان يكون سيفا ذو حدّين.

في عام 1996 طلبت ادارة الغذاء والدواء من منتجي الاغذية اضافة حامض الفوليك folic acid الى الطحين، الخبز، منتجات المعكرونة ، ومنتجات الحبوب الاخرى. وكان السبب هو الاطفال الصغار- اذ ان حامض الفوليك يساعد في درء حدوث الصلب الأشرم spina bifida وغيره من العيوب الخلقية. (الصلب الاشرم او السنسنة المشقوقة، عيب خلقي لا يكون فيه الحبل الشوكي مكتمل النمو، ويفتقد الى غطاء الهيكل العظمي والعضلات الطرية-المحرر).

الا ان هناك آمالا كبيرة اخرى ايضا بان اضافة فيتامين "بي" هذا، سيساعد في مكافحة امراض القلب، وعلاج بعض انواع السرطان، وفقدان الذاكرة الناجم عن الشيخوخة.

ويؤدي تعزيز الاغذية بحامض الفوليك مهمته على جبهة الاطفال الصغار، اذ يولد عدد اقل من الاطفال سنويا بعيب spina bifida الخلقي، وذلك يعود جزئيا الى حصول امهاتهم على كمية اضافية من حامض الفوليك من الغذاء والمكملات. الا ان الاندفاعات المبكرة حول امكانات حامض الفوليك في درء امراض القلب، قد خفت يعد ظهور نتائج تجارب حاسمة حوله. كما ان هناك بعض الادلة على ان الكميات الكبيرة جدا من الحامض، ربما تمنع النوع الطبيعي من الفيتامين من تأدية مهمته.

الفوليت وحامض الفوليك

* الفوليت folate، هو فيتامين "بي" يوجد في الفاصولياء، وانواع من الخضروات ذات الاوراق الخضراء، وبذور عباد الشمس، والكثير من الفواكه والخضروات. وهو يلعب دورا مهما في الصحة اذ انه يصنع، ويحمي، ويصلح الحامض النووي المنقوص الاوكسجين "دي ان ايه" ، أي تلك الضفيرة المزدوجة التي تحمل التعليمات الخاصة بغمل جسم الانسان. كما انه يساعد الجسم في تحويل بعض الاحماض الأمينية (وهي احجار بناء البروتينات) الى انواع اخرى منها.

اما حامض الفوليك folic acid فهو شكل صناعي من الفوليت، الذي يضاف الى الغذاء او يستخدم كعنصر في حبوب الفيتامينات المتعددة. ويمتص حامض الفوليك بشكل اسرع من امتصاص الفوليت. الا انه يجب تحويل حامض الفوليك الى الفوليت قبل ان يقوم بتأدية مهمته.

حامض الفوليك وامراض القلب

* في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، اظهرت عدة دراسات ان الاشخاص الذين لديهم مستويات عالية من "هوموسيستين الاحماض الامينية" amino acid homocysteine يزداد لديهم خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية وامراض القلب والاوعية الدموية الاخرى. وقد جرت مناقشات حامية حول ما اذا كان "الهوموسيستين" نفسه عاملا في التسبب بامراض القلب، او انه لا يلعب دورا البتة فيها.

ورغم ان تناول حامض الفوليك يقلل من مستويات "الهوموسيستين" فان التجارب السريرية لم تقدم نتائج حول ذلك حتى الآن. اذ ظهر ان تناول حامض الفوليك يقلل بشكل ضئيل من فرص حصول السكتة الدماغية، الا انه لا يقدم شيئا يذكر لامراض القلب.

وقد اظهرت تجربتان اخيرتان قليلا من الفائدة للقلب. ففي تجربة في النرويج، ظهر ان تناول 800 ميكروغرام من حامض الفوليك يوميا على مدى ثلاث سنين قد قلل من مستوى "الهوموسيستين" بنسبة 30 في المائة لدى 3 آلاف من الاشخاص المصابين بامراض الشرايين التاجية. الا انه لم يؤثر على عدد النوبات القلبية او الوفيات الناجمة عن امراض القلب (مجلة الجمعية الطبية الاميركية 20 اغسطس 2008). وظهرت نتائج مماثلة في "دراسة مضادات الاكسدة وحامض الفوليك وامراض القلب والاوعية الدموية لدى النساء" Women"s Antioxidant and Folic Acid Cardiovascular Study التي استمرت سبع سنوات (مجلة الجمعية الطبية الاميركية 7 مايو 2008).

ومن المحتمل ان تكون هاتان الدراستان قصيرتان جدا، وقد تكون هناك حاجة لتناول حامض الفوليك لزمن اطول للحصول على الفوائد. كما ان من المحتمل ايضا ان لا يقدم حامض الفوليك أي فائدة عندما تكون هناك حالات من تراكم الكولسترول على جدران الشرايين، الا ان بمقدوره منع تكوّن ذلك التراكم.

تناول مقادير كبيرة

* الآمال المبكرة المعقودة على حامض الفوليك- اضافة الى التهويل حول اهميته- لم تنحسر حتى الآن رغم ظهور هذه النتائج. فالكثير من الناس يتناولون كميات اضافية من حامض الفوليك "تحسبا للامور فقط"! الا ان اولئك الذين يتناولون الكثير منه قد يصيبهم سوء.

ان اكثر البالغين بحاجة الى ما مجموعه 400 ميكروغرام من الفوليت او حامض الفوليك يوميا (النساء الحوامل بحاجة الى 600 ميكروغرام، والمرضعات-500 ميكروغرام).

وقد وضع معهد الطب ايضا نظاما من "الحد الاقصى الذي يمكن تحمله" وهو 1000 ميكروغرام يوميا من الغذاء المعزز به او من المكملات. ولا يوجد حد اقصى لتناول الفوليت من الغذاء.

الامر المثير للقلق هو ان الكميات الكبيرة من حامض الفوليك قد تخفي الاشارات الدالة على وجود فقر الدم، وهي اشارات تحذير مبكر حول نقص فيتامين "بي 12". وهذا سيسمح لحالة نقص فيتامين "بي 12" للاستمرار حتى تتحول الى حالة تشوش للمصاب، او اصابته بالعته، او بمرض في الجهاز العصبي لا علاج له.

ورغم ان حالة نقص فيتامين "بي 12" ليست شائعة بين صفوف السكان، فان 1 من كل 6 من الكهول، اما انهم لا يتناولون كمية كافية من فيتامين "بي 12" او ان اجسامهم لا تمتصه بشكل فعال. كما ان النباتيين الصارمين لديهم مشاكل في تناول "بي 12".

كما ان هناك مخاوف احرى من تناول كميات كبيرة من حامض الفوليك. فان لم يتمكن الجهاز الهضمي من تحويله الى الفوليت، فان حامض الفوليك سينتقل، ومن دون تغيير، الى مجرى الدم. وفي بداية الاربعينات من القرن الماضي لم يكن بالامكان قياس مستوى حامض الفوليك في الدم لان كل الفوليت الذي تناوله الانسان جاء من الغذاء. الا ان استخدام حبوب الفيتامينات المتعددة واضافة حامض الفوليك الى الغذاء غير من تلك المعادلة.

وقد اظهر تقرير من "دراسة فرامنغهام للقلب" ان غالبية الاميركيين لديهم مستوى ما من حامض الفوليك في الدم، وان حوالي 20 في المائة او اكثر منهم لديه مستويات عالية منه. ما هي اهمية ذلك؟ ان المقادير الكبيرة من حامض الفوليك في الدم يمكنها ان تمنع دخوال الفوليت الى الخلايا.

وقد ربطت دراسات قديمة بين النظام الغذائي الذي يحتوي على القليل من الفوليت، الذي يقود الى تزويد الخلايا بكميات ضئيلة منه، وبين نمو وتطور الاورام المبكرة. وافترض عدد من الدراسات ان تناول كميات كبيرة من حامض الفوليك ربما يشجع على ظهور سرطانات القولون والمسنقيم، الثدي، والبروستاتا، لانه يقلل من دخول الفوليت الى الخلايا.

كما تشير دراسات صغيرة حول الذاكرة الى نفس النتائج- فالكميات الكبيرة من الفوليت جيدة، الا ان الكميات الكبيرة من حامض الفوليك لا تبدو كذلك. اما في مملكة القلب فقد اظهرت احدى التجارب ان تناول جرعات كبيرة من حامض الفوليك بعد عملية توسيع الشرايين، يزيد من فرص انسداد الشرايين مرة اخرى، وهذه النتيجة جاءت معاكسة لما توقعه الباحثون.

هذه هي نتائج اولية. الا انها سوية تقدم تحذيرات بشأن تناول كميات كبيرة من حامض الفوليك.

خذ احتياجاتك فقط

* الكثير من الناس يتناولون يوميا كميات من حامض الفوليك اكثر مما يتناولونه من الفوليت. وليس لهذا الامر اهمية. الا ان المشكلة هي ان بعض انواع الغذاء، وخصوصا الحبوب الغذائية المسوقة للافطار في الصباح، تمنح جرعة كاملة لكل اليوم من حامض الفوليك.

أضف هذه الجرعة الى ما تتناوله من الغذاء المعزز الآخر ومن حبوب الفيتامينات المتعددة، وبذلك ستجد نفسك وقد قفزت اعلى من الحد الذي وضعه معهد الطب.

ان تناول وعاء من رقائق حبوب Special K Kellogg الاميركية في افطار الصباح ( يحتوي على 394 ميكروغراما من حامض الفوليك)، ورقائق الذرة(172 ميكروغراما) بين الوجبات، وكوب من السباغيتي المطبوخ (166 ميكروغراما) في العشاء، وحبوب الفيتامينات المتعددة (400 ميكروغرام) تقدم لك اكثر من 1100 ميكروغرام من حامض الفوليك من الغذاء ومكملاته.

ويقول بعض خبراء التغذية ان علينا التوقف عن تناول حبوب الفيتامينات المتعددة، لكي لا نتناول كميات كبيرة من حامض الفوليك. بينما يقترح آخرون تناول حبوب الفيتامينات المتعددة من يوم لآخر، للحد من تناول حامض الفوليك.

واليك خيارا افضل الى الحين الذي يتمكن فيه العلماء من وضع الحدود الصارمة العليا لجرعات حامض الفوليك: تناول حبوب الفيتامينات-المعادن المتعددة يوميا، ولكن تجنب الاغذية المعززة بجرعات تصل تقريبا الى الجرعات اليومية من حامض الفوليك (300-400 ميكروغرام). وبهذه الطريقة فانك متأكد من انك ستحصل على جرعة حامض الفوليك اللازمة حتى ولو امتنعت عن تناول رقائق حبوب الافطار الصباحي او الحبوب المعززة الاخرى بحامض الفوليك. كما ان عليك ان تتناول فيتامينات "بي" الاخرى لكي توازن حامض الفوليك، اضافة الى تناول جملة من الفيتامينات والمعادن التي لا يمكنك الحصول عليها من غذائك < الفوليت وحامض الفوليك.. نقاط جوهرية

* اجسامنا بحاجة الى الفوليت، وهو من فيتامينات "بي" يوجد في الفواكه، الخضروات، والبذور، وذلك لتنفيذ عدد من العمليات المهمة.

* حامض الفوليك الصناعي، الذي تحوله اجسامنا الى الفوليت، يضاف الى الحبوب والاغذية الاخرى.

* تناول كمية كبيرة من حامض الفوليك، قد يمنع عمل الفوليت. وان كنت تتناول حبوب الفيتامينات المتعددة، تجنب الاغذية المعززة بأكثر من 300 ميكروغرام من حامض الفوليك.

* ·رسالة هارفارد للقلب، خدمات "تريبيون ميديا".