الضوضاء.. وتأثيرها على الجهاز السمعي

امتداد فترة التعرض لها وتكرارها يؤديان إلى حدوث الصمم

TT

السمع من أهم الحواس في جسم الإنسان، فعن طريقه يستطيع الإنسان التعرف على ما يدور حوله ويكتسب به الخبرات والمعلومات ويتلقى به العلم. وأكثر المشاكل تأثيرا على الأذن، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، هي الضوضاء.

في حديثها لـ «صحتك» تقول الدكتورة هدى عبد الرزاق بوبشيت، استشارية ورئيسة قسم جراحة الأنف والأذن والحنجرة بمجمع الدمام الطبي، إن الضوضاء هي الأصوات ذات التردد العالي، والتي تؤدي إلى اهتزاز طبلة الأذن بشدة، وهي الأصوات غير المرغوبة، وتختلف من شخص إلى آخر.

وعن كيفية حدوث فقدان السمع بسبب الضوضاء، أوضحت بأن الأذن تتلقى الموجات الصوتية عبر نظام متوازن ودقيق، فتصل هذه الموجات الصوتية إلى طبلة الأذن، ثم الأذن الوسطى من خلال تحرك العظيمات الموجودة بها حسب حدة الصوت، ومن ثم تنتقل الموجات إلى الخلايا العصبية الموجودة بالقوقعة السمعية بالأذن الداخلية التي تصدر اشارات إلى العصب السمعي ليقوم بدوره بإرسال نبضات كهربائية إلى الدماغ الذي يترجم هذه النبضات للتعرف على نوعية ومصدر وقوة الصوت. وعند التعرض إلى الضوضاء لفترة طويلة تتأثر هذه الخلايا ويصيبها التلف، وتحدث مضاعفات أخرى تؤدي إلى فقدان السمع. الضوضاء وتأثيراتها

* للضوضاء تأثير على وظائف الجسم المختلفة وأهمها الجهاز السمعي. فمع تقدم التكنولوجيا تعددت مسببات الضوضاء فمن أصوات الخلاط والمكنسة والمكيف وأجهزة التلفاز والمذياع وأصوات مسجلات الصوت وبعض أنواع أجهزة الموسيقى الصاخبة العالية الشدة (مصادر متنوعة موجودة مع الإنسان في المنزل) الى أصوات السيارات (في الطريق العام) وأجراس الهواتف، وغلق الأبواب والأصوات المتداخلة عن طريق المحادثات الجانبية (في المكاتب) إلى أصوات آلات المصانع والمعامل (أثناء العمل)، وكذلك أصوات الأسلحة عند العسكريين.

كما وأن الضوضاء هي من أحد الأسباب الرئيسية في خفض الدافع للأداء والتركيز وتشتيت الانتباه، وسبب في الإزعاج والضيق وهذا يؤثر على العامل القريب من مصادر الضوضاء في شعوره بالتعب والإرهاق السمعي والجسدي، وبالتالي تقل إنتاجية العامل وتسوء مقدرته على العمل.

إن أثر الضوضاء على الأداء تتدخل فيه عوامل كثيرة تؤثر على الأداء الإنساني عامة ومنها طبيعة العمل، والأصوات الغريبة غير المألوفة، والضوضاء ذات الشدة العالية، فهي تسبب نقصا في مستوى الأداء للمهام الصعبة التي تحتاج إلى تركيز عال. كما أن الضوضاء المتقطعة تسبب التوتر والقلق وتشتت الانتباه مما يقلل الأداء. ويتوقف انخفاض مستوى الأداء على إدراك الفرد للضوضاء وعجزه عن ضبطها. ضجيج الألعاب وصمم الأطفال

* أجرى الدكتور براد باكوس الباحث في معهد الأذن بجامعة لندن كوليدج، دراسة عن معظم الألعاب التي تسبب تلفا لسمع الأطفال إذا استخدموها لفترة طويلة أو إذا أمسكوها قرب آذانهم. وفي دراسة بتفويض من مؤسسة أبحاث الصمم بالمملكة المتحدة اختبر باكوس مستويات الضجيج الصادرة من 15 لعبة شعبية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر و15 عاما. علما بأن الحد الأقصى الذي يسمح به لضجيج ألعاب الأطفال هو 85 ديسيبل (الديسيبل وحدة لقياس شدة الصوت)، لأن التعرض لمدة طويلة لضوضاء أعلى من هذا المستوى قد يسبب تلفا مستديما في السمع. وأصدر ثمانٍ من الألعاب متوسط ضجيج تراوح بين 81 و105 ديسيبل، وأصدرت لعبة نماذج السيارات (لايتننج ماكوين) 82.5 ديسيبل، بينما أصدرت لعبة ليزر كوماند معدل ضجيج بلغ 88.6 ديسيبل. لكن حين أمسكت على بعد 2.5 سم من الميكروفون وهي نفس المسافة تقريبا إذا أمسك الطفل اللعبة قرب أذنه بلغ متوسط الضجيج الصادر عن 14 لعبة بينها (أكشن جوبيتر) لفايرمان سام وسيارات تومي (سبين ان ساوند) التي يتم التحكم فيها عن بعد، بين 84 و115 ديسيبل. واللعبة الوحيدة التي كان مستوى الضجيج الصادر عنها أقل من الحد الأقصى المطلوب للأمان كانت هواتف (في تيك) المحمولة للأطفال الرضع. وكانت المسدسات اللعبة الأسوأ، حيث انبعث منها ضجيج بين 120 و140 ديسيبل حين أمسكت على مسافة تعادل طول ذراع. ويمكن أن يسبب الضجيج الصادر بمعدل 140 ديسيبل أو أعلى تلفاً فورياً للسمع. وينصح بعدم السماح للأطفال بمسك اللعب التي تصدر ضجيجاً قريباً جداً من آذانهم لدرجة قد تضرها، أو اللعب بها أكثر من ساعة في اليوم، حيث يتوفر معها احتمال فعلي للإصابة بفقد مستديم للسمع.

الحوامل والتلوث السمعي

* أثبتت الأبحاث العلمية أخيرا أن للضوضاء تأثيرا سلبيا على الأجنة في بطون الحوامل، خاصة بين العاملات في المصانع والأوساط المتعرضة لدرجات من الضوضاء بسبب حساسية الجهاز العصبي للأجنة. مما يعرضها للإصابة بأمراض عصبية، وقلق، وتوتر بعد الولادة.

وكل هذه المصادر المتنوعة المسببة للضوضاء وغيرها لها تأثيرات مباشرة وسلبية على الإنسان. وحيث إن الإنسان هو محور البيئة يتفاعل معها ويتأثر بها، فإن أي تأثير ضار كالضوضاء من المحتمل أن يؤثر سلبياً على الإنسان وسلوكه في مختلف سنوات عمره، وكذلك ردود أفعاله تجاه الآخرين وفى علاقته بهم لما للضوضاء من تأثير على اتصاله بالآخرين وزيادة العبء عليه، كذلك تؤثر على قدراته العقلية من انتباه ويقظة، وقلة إدراكه، كما تسبب التوتر والقلق والضغط النفسي. ومع استمرار هذه المؤثرات فإنها تؤثر أيضاً على صحته البدنية وتبعاً لهذا يتأثر سلوك الفرد ويصبح مقيداً بضغوط الضوضاء وإزعاجها.

التأثير الفسيولوجي للضوضاء

* تعانى الأذن الوسطى من آلام مؤقتة أو مستمرة ناتجة عن التعرض المستمر للضجيج، مما ينتج عنه إصابات الأذن الداخلية وعصب السمع بفقدان السمع الجزئي أو الكلى أو نقص حاسة السمع للأصوات بصفة عامة. قد يبدي الأشخاص الذين يتعرضون للضوضاء الصناعية حالة من الإعياء السمعي المؤقت الذي يتميز بحدوث صمم جزئي يكون أكثر وضوحاً عند بعض الترددات، ولكن تسترد الحاسة السمعية وضعها الطبيعي بعد بضع ساعات من نهاية التعرض المرهق، غير أن امتداد فترة التعرض للضوضاء وتكرارها بشكل يومي تصبح معها استعادة السمع شبه مستحيلة، بالإضافة إلى تفاقم العجز مع الوقت وهذا الصمم يعتبر من الأمراض المهنية الخطيرة. ومن الملاحظ أن هناك أعراضا مباشرة تظهر على الإنسان في حال تعرضه لأصوات عالية جداً، وذلك بأن يرفع صوته بلا شعور عند التحدث ولا يستطيع سماع شخص آخر على بعد متر منه، ويشعر أيضاً بأن الحديث حوله أو الجو المحيط به مشوشاً بحيث يشعر بطنين مستمر في أذنيه إضافة إلى الشعور بالألم. وبظهور وسائل الأمن الصناعي تم فرض مستوى ضوضاء لا يزيد على 85 ديسبل لفترة 8 ساعات عمل، وتقلل فترة ساعات العمل كلما زاد مستوى الضوضاء عن 85 ديسبل مع توفير سماعات واقية للأذنين خلال العمل وفرض ارتدائها، وقد تطورت هذه السماعات الآن وأصبح من الممكن التخاطب بين العاملين بعضهم بعضا أو بينهم وبين الإدارة لوجود ميكروفونات دقيقة جداً تدعم التواصل وتلقي المعلومات أو التعليمات بين جميع الأطراف.

هناك نوعان من الصمم الذي يحدث نتيجة التعرض للضوضاء وتأثيراته على السمع حسب شدة الصوت ومصدره ومدة التعرض له:

- الصمم المؤقت: ويحدث غالبا بسبب الصوت الشديد المفاجئ والذي يسبب الخلل للخلايا السمعية الشعرية الدقيقة الموجودة في الأذن الداخلية مما يفقدها وظيفتها بطريقة مؤقتة نتيجة الصدمة من التعرض للصوت المذكور. والشخص يسترجع السمع خلال 16-48 ساعة من زوال الصوت.

- الصمم الدائم: يحدث بسبب تكرار التعرض للضوضاء والصوت العالي لفترات طويلة متقاربة <