كي تعيش عمراً أطول.. كن نشيطاً وهادئاً ومنظما

نسبة الوفيات بأمراض القلب ترتفع لدى القلقين والمكتئبين وسريعي الغضب

TT

بعض خبرات البشر تظل غير مقبولة من البعض حتى يأتي ما يعززها من نتائج البحوث والدراسات العلمية. وحتى لو كانت تلك المعلومات التي توارثها الناس بسيطة وبديهية في نظر البعض، إلا أن توصل الباحثين إلى ما يُؤيد فحواها هو نتيجة تستحق الاهتمام. وموروثات الحكمة حينما تتحدث عن التواصل مع الأقارب والصبر على أذاهم وتنغيصهم كوسيلة لطول العمر، لم تجاف الصواب مطلقاً. والأمثال حينما قالت «طولة العمر في طولة البال» لم تكن مجافية للصواب أيضاً. دعونا نراجع تلك الدراسة المنشورة في عدد يوليو (أغسطس) من مجلة «سايكوسوماتك ميدسن» أي مجلة الطب النفسي البدني، للباحثين من الولايات المتحدة حول وسائل المحافظة على الصحة العامة للإنسان ورفع احتمالات عيشه فترة أطول نسبياً من الغير في الحياة. ودراسة الباحثين من المؤسسة القومية الأميركية للشيخوخة، استمرت لمدة خمسين عاماً. ومن نتائجها تبين للباحثين أن الرجال والنساء الذين يعيشون حياة يومية نشطة، وممن ذوي شخصيات نفسية هادئة، والذين يُمضون أوقاتهم بطريقة منظمة ومرتبة، هم بالفعل يعيشون فترات زمنية أطول من غيرهم الذين لا يتحلون بهذه الصفات الثلاث. أي أطول من أولئك القلقين والذين هم سريعي الغضب أو الذين تنتابهم المخاوف والهواجس إزاء ما يعترضهم في حياتهم اليومية.

وقال الدكتور أنطونيو تيراكينو، الباحث الرئيس في الدراسة، إن بذل الجهد بكل جدية في سبيل الحصول على استقرار عاطفي نفسي وضمير حي، وعيش نمط نشط في سلوكيات الحياة اليومية العادية، يُمكنهما أن يُقللا من خطورة التعرض للمتاعب الصحية، ويزيدا من مستوى الشعور بالرضا والقناعة بالحياة التي يعيشها المرء، والأهم أن لهما تأثيرا مهما في إطالة المدة الزمنية التي من المتوقع أن يعيشها الإنسان العادي. الدكتور تيراكينو، وزملاؤه الباحثون من فرع المؤسسة القومية للشيخوخة في بالتيمور بولاية ماريلاند، تابعوا حوالي ألفين وأربعمائة شخص من الجنسين، بدءاً من عام 1958، وذلك ضمن دراسة بالتيمور للعيش الطويل. وشملت الدراسة منذ بدايتها أشخاصاً تراوحت أعمارهم ما بين 17 و98 عاماً. وحاولت التعرف على مدى الروابط بين سمات شخصية معينة لدى الناس وبين مقدار العمر الذي يعيشونه في الحياة. وخلال الفترة تلك تُوفي حوالي 950 شخصا. أي حوالي 40% منهم. وفي نتائجهم، توصل الباحثون إلى أن الرجال والنساء الذين سجلوا مستويات عالية في تقييم مستوى النشاط البدني اليومي وفي نوعية الاستقرار النفسي، وفي مدى التفاعل الصادق والأمين مع الغير، كانوا أطول عيشاً بمقدار يتجاوز الثلاث سنوات من غيرهم. وعلى سبيل المثال، لاحظ الباحثون أن النساء الذين يتأكدون دوماً من أفعالهن ودوافعها الصادقة هم أطول عيشاً من غيرهم من النساء اللواتي لا يتحلين بهذه الصفة الشخصية الصادقة. كما لاحظ الباحثون، أن تأثيرات هذه العناصر الثلاث، أي الاستقرار النفسي والنشاط البدني وتنظيم الحياة اليومية، في إطالة عمر الإنسان، يتفوق ويتغلب على تأثير التدخين والسمنة. وبالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أن لدى الذين ماتوا بسبب أمراض القلب، كان أهم عامل لتوقع إصابتهم بالوفاة هو نوعية السمات الشخصية التي كانوا عليها. وبالذات ترتفع الوفيات بأمراض القلب لدى القلقين والمُحبطين والمكتئبين وسريعي الغضب. وهذه الدراسة الطويلة في فترة متابعتها للمشاركين، والمتخصصة في فحص علاقة تلك العناصر باحتمالات طول العمر، تُضاف إلى مجموعة أخرى من الدراسات التي تشير بوضوح إلى أن عملنا على تحسين نوعية مشاعرنا في الحياة وعملنا على الحفاظ على مستوى جيد من النشاط البدني وعملنا على تنظيم أوقاتنا ومشاريعنا في الحياة، هو ذو مردود إيجابي في تحسين فرص عيش الحياة بطريقة أفضل، وربما لمدة أطول.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]