التهابات الأذن.. سبب آخر للسمنة

اختلال في حاسة التذوق وارتفاع الرغبة في تناول الأطعمة الدهنية

TT

* عندما نريد أن نكون واقعيين في نظرتنا إلى مشكلة صحية شائعة، يجب علينا أن لا نوجه الملامة نحو أمر واحد. وبالذات يجب أن لا نوجه اللوم إلى المُصابين بتلك المشكلة في جلبها لأنفسهم طواعية، ولا أن نوجه اللوم إلى سلوك حياتي واحد قد يكون البعض منهم متبعين له.

وفي كثير من الأحيان والحالات، تُثبت الدراسات الطبية الحديثة والمتطورة وجود أسباب نغفل عنها، بل ونُصاب بدهشة المفاجأة عند اكتشافنا تأثيرات غير متوقعة لها في جوانب بعيدة في الجسم.

دعونا ننظر إلى مشكلة صحية كالسمنة. وفي هذا المثال، علينا أولاً الاعتراف بأنها مشكلة عالمية شائعة لا يخلو منها أي مجتمع من مجتمعات العالم، وأنها آخذة في الارتفاع. ولكي نكون واقعيين، علينا أن نتذكر أنها وإن كانت ذات تأثيرات وتداعيات صحية متعددة، لكنها تظل مشكلة صحية أخف وطأة بكثير من مرض السكري أو ارتفاع الكوليسترول أو التهابات الكبد الفيروسية أو أمراض شرايين القلب أو أنواع من الإصابات السرطانية أو غيرها من الأمراض التي تُصنف بأن تأثيراتها في حياة الإنسان هي من الدرجة الأولى.

صحيح أن لانتشار أنظمة المأكولات السريعة التحضير، والسريعة التناول، والسريعة في إجبار الناس على الإصابة بالأمراض، دورا مهما في انتشار مشكلة السمنة. ولكن الصحيح أيضاً أن ثمة الكثير من الظروف الصحية والبيئية والغذائية والحياتية المتغيرة، التي تدفع الناس بمحصلتها إلى الإصابة بالسمنة لا محالة.

وقبل أكثر من عام، عرضت في ملحق الصحة بالشرق الأوسط جانباً مما يدور في الوسط الطبي حول أضرار نوعية من الفيروسات المتسببة عادة بحالات النزلات المعوية أو التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والتي على المدى البعيد، قد تُؤدي إلى السمنة عبر آليات معقدة تطال أنظمة التمثيل الغذائي في داخل الجسم.

وسبق أيضاً عرض جوانب متعددة، وفي مناسبات مختلفة، حول تأثيرات الظروف البيئية لتناول الطعام في الإصابة بالسمنة. ومن ذلك حجم الأطباق التي نتناول الطعام منها، وحجم الملاعق التي نستخدمها في أخذ الطعام من الآنية الموضوعة فيه على المائدة، وحجم الأكواب التي نضع المشروبات الغازية فيها، وبصحبة منْ نعيش أو نتناول طعامنا وغير ذلك.

ولكن اللافت للنظر أخيراً، ما طرحته مجموعات من الباحثين الأميركيين في الحادي والعشرين من شهر أغسطس الماضي ضمن فعاليات اللقاء السنوي رقم 116 للرابطة النفسية الأميركية. وفي هذا الطرح العلمي الجديد، لاحظ الباحثون أن التأثيرات السيئة للالتهابات المزمنة في الأذن عند مرحلة الطفولة، قد تُؤدي في المراحل التالية من العمر إلى ارتفاع الرغبة في تناول الأطعمة الدهنية. وهو الذي في الغالب سيكون سبباً في نشوء مشكلة السمنة. وقالت ليندا بارتوشوك، طبيبة الأسنان في كلية طب الأسنان التابعة لجامعة فلوريدا، التهابات الأذن الوسطى شائعة بين الأطفال في مرحلة الطفولة، والسمنة مشكلة صحية متنامية الانتشار في العالم أجمع. وأي رابط مُحتمل بين هاتين المشكلتين يتم اكتشافه، سيكون أمراً مثيراً للاهتمام. وكانت الدكتورة بارتوشوك قد عرضت نتائجها المبدئية في وجود علاقة قوية بين التلف في قدرة تذوق الطعم والناجم عن الالتهابات المزمنة والمتكررة في الأذن الوسطى otitis media، وبين نشوء حالة من الرغبة والتفضيل لتناول الأطعمة العالية المحتوى من الدسم. وفي المؤتمر أكدت نتائج عدة دراسات هذا الأمر. ففي إحدى الدراسات تم لحوالي 6600 شخص متابعة عدد مرات التهاب الأذن الوسطى لديهم، ومدة تلك الإصابات، كما تم متابعة مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومعلوم أن مؤشر كتلة الجسم هو نسبة مئوية لعلاقة مقدار الوزن بالكيلوغرامات إلى مقدار مربع طول الجسم عند حسابه بالأمتار. وكان المُشاركون في غالبيتهم من الوسط الأكاديمي، وتراوحت أعمارهم ما بين 16 و 92 سنة.

وتبين بالمحصلة بعد تحليل معلومات النتائج، أن الذين كانت معدلات إصاباتهم، بالتهابات الأذن الوسطى، متوسطة أو الشديدة، كانت احتمالات وجود سمنة لديهم تتجاوز 60%.

ووجد الباحثون من جامعة براون ومن جامعة كونكتيكيت رابطاً بين الإصابات بالتهابات الأذن الوسطى وبين تغيرات في قدرات التذوق وارتفاع احتمالات تفضيل تناول الأطعمة المشبعة بالدسم والأطعمة العالية المحتوى من السكريات الحلوة. ولاحظت دراسة أخرى أن الأطفال الذين تعرضوا في مرحلة الطفولة المبكرة، أي قبل دخول المدرسة، إلى التهابات شديدة في الأذن، كانوا في المراحل التالية من عمرهم أقل إقبالاً على تناول الخضروات وأكثر رغبة في تناول الحلويات وكانوا أيضاً أثقل وزناً.

وعلق الدكتور جون هايس، من جامعة براون، بالقول: هذا يدل على أن التلف حينما يطال التذوق، سيُغير في نوعية اختيارات تناول الأطعمة، وسيحول الاختيارات تلك نحو تفضيل تناول ما يتسبب بالسمنة. وتُضاف هذه النتائج إلى نتائج دراسات أخرى أشارت إلى أن الأطفال الذين أُجريت لهم عمليات استئصال اللوزتين هم أكثر احتمالاً بنسبة 40% للإصابة بالسمنة لاحقاً. وأهمية الإشارة الى علاقة استئصال اللوزتين بالسمنة، هو أن في فترات مضت كانت إحدى استراتيجيات معالجة الالتهابات المزمنة والمتكررة في الأذن الوسطى تعتمد استئصال اللوزتين.

والقصة الجديد كلها تدور حول التأثيرات السلبية التي تطال حاسة التذوق، والتي تضطرب بطريقة تفرض على الإنسان البحث عن تناول الأطعمة الدسمة والأطعمة الحلوة.

والواقع أن سرعة البحث المفيد والواقعي عن أسباب إصابة البعض بالسمنة، لا تزال متأخرةً جداً عن تلك السرعة الصاروخية لانتشار السمنة في المجتمعات العالمية وبين الناس في كافة المراحل العمْرية. والتهابات الأذن واستئصال اللوزتين أسباب غير متوقعة، لكنها مطروحة اليوم بجدية .

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]