عمليات تقليص المعدة.. بين الصحة وانفلات الممارسات التجارية

دراستان تؤكدان ضرورة اتباع الإرشادات الطبية

TT

تظل الإرشادات الطبية الصادرة عن الهيئات الطبية العالمية المعنية بوضع أسس طرق معالجة الناس، هي الأفضل والأسلم للمرضى وللأطباء. ذلك لأنها لا تصدر إلا عن لجان طبية علمية محايدة، أكاديمية وحكومية، ومكونة من مجموعات من الأطباء والمتخصصين في الأفرع الطبية المُساندة. وتُراجع هذه اللجان نتائج الدراسات الطبية الصادرة حول الموضوع المُراد وضع إرشادات حوله. وتصدر التوصيات وتُنشر في المجلات الطبية العالمية الرئيسية. وعادة ما تكون تلك الإرشادات على هيئة تقرير مطول يشتمل على كافة التفاصيل العلمية حول الموضوع، وتقرير آخر مختصر لأهم النقاط الواجب اتباعها في معالجة الحالات المرضية المختلفة. كما يتضمن لائحة بأسماء المشاركين في اللجنة العلمية الواضعة للتقرير، ولائحة بالدراسات الطبية التي تمت مراجعتها، مع ذكر أسماء الباحثين فيها والمجلات التي نُشرت فيها وتاريخ النشر ورقم العدد. وهذه اللائحة تصل إلى مئات الدراسات الطبية في معظم الأمور الطبية المهمة التي يتم وضع إرشادات لها.

واتباع الطبيب لهذه الإرشادات أساسي في سلوكه الطريق الأفضل والأسلم في معالجة مرضاه. كما أنه أساسي في حمايته عند تطبيقه لتلك الإرشادات العلاجية من أي مساءلة قانونية على سلوكه العلاجي.

وفي خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر سبتمبر الماضي، صدرت دراستان أميركيتان عن موضوع عمليات تقليص المعدة. وهاتان الدراستان وإن كانتا لافتتين في الجانبين اللذين طرقتاهما، إلا أن المعلومة العلمية اللافتة للنظر هي في نوعية ومميزات منْ خضعوا لتلك العملية الجراحية، ذات المُضاعفات المحتملة، في الولايات المتحدة.

والدراسة الأولى، للباحثين من جامعة كاليفورنيا، كانت حول مدى استفادة مرضى السكري من عملية تقليص المعدة، ونُشرت ضمن عدد سبتمبر من مجلة «أرشيفات الجراحة». وفيها أن الشريحة التي شملتها الدراسة بالبحث، كانت مكونة من أكثر من 300 مريض خضعوا لتلك العملية. والمهم فيها أن معدل «مؤشر كتلة الجسم» كان قبل إجراء العملية لهم هو 52.

والدراسة الثانية، للباحثين من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، كانت حول مدى تأثر هرمون الذكورة بعملية تقليص المعدة لدى الذكور، وطُرحت ضمن الفعاليات العلمية للمؤتمر الدولي الفيدرالي لجراحات السمنة، الذي عُقد في 26 سبتمبر الماضي في بوينس أيريس بالأرجنتين، وشملت حوالي 50 رجلاً ممن خضعوا لتلك العملية. والمهم أيضاً فيها أن معدل «مُؤشر كتلة الجسم« كان قبل إجراء العملية لهم هو 48.

وتشير إرشادات اللجنة العلمية لـ «المؤسسة القومية للصحة» بالولايات المتحدة، وهي هيئة حكومية، و«المؤسسة القومية للقلب والرئة والدم» بالولايات المتحدة و«المجمع الأميركي لعمليات تقليص المعدة لإنقاص الوزن» و«رابطة الطب الباطني الأميركية» و«الرابطة الأوروبية لجراحات المناظير» وغيرها من الهيئات الطبية العالمية المعنية بمعالجة السمنة، إلى أن: أهم شرط في الشخص السمين المناسب للخضوع لعملية تقليص المعدة أن يكون «مؤشر كتلة الجسم» لديه فوق 40. والتجاوز الوحيد في هذا الشرط هو لحالة الأشخاص الذين لديهم مشاكل صحية «جدية» مرتبطة بالسمنة، مثل مرضى السكري أو شرايين القلب أو التوقف الشديد للتنفس أثناء النوم، إذْ يُمكن إجراء العملية لهم حينما يكون «مؤشر كتلة الجسم» فوق 35. و«مؤشر كتلة الجسم» هو نسبة قسمة وزن الجسم بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. وما تعنيه أرقام الإرشادات بمقدار ما فوق 40 لـ «مؤشر كتلة الجسم»، اشتراط أن يكون وزن الشخص الذي طوله 160 سم قد تجاوز 102 كلغم، والشخص الذي طوله 170 سم قد تجاوز 115 كلغم، والشخص الذي طوله 180 سم قد تجاوز 130 كلغم. وما تعنيه أرقام الدراستين، لشخص طوله 170 سم مثلاً، هو 150 كلغم حينما يكون المؤشر 52 كما في الدراسة الأولى. و 140 كلغم حينما يكون المؤشر 48، كما في الدراسة الثانية.

و«السؤال الذي يطرح نفسه»، كما في الأمثال الدارجة اليوم، هو التالي: أين هذا الاهتمام الدقيق والأمانة الطبية في انتقاء الأشخاص المحتاجين فعلاً للخضوع لهذه العملية الجراحية، وفق ما ذكّرت الإرشاداتُ به الأطباءَ، ووفق ما هو واضح في الممارسات التي تم تطبيقها على المرضى في الدراستين الأميركيتين، وذلك عند المقارنة مع الممارسات الطبية التجارية المنفلتة عن أي ضوابط طبية أخلاقية في إجراء بعض الجراحين لمثل هذه العملية لأشخاص لم تصل لديهم السمنة أو زيادة الوزن إلى المقادير التي نصّت عليها الإرشادات الطبية العالمية؟ أي ممنْ «مؤشر كتلة الجسم» لديهم لمّا يصل بعد إلى حد 40، وممنْ هم خالون من الإصابة بأية أمراض مزمنة ناتجة عن السمنة، ومنصوص عليها بالاسم في الإرشادات الطبية.

ومنْ يتحمل نتائج أية مضاعفات للعملية الجراحية وما بعدها، حين إجرائها، من قبل بعض الأطباء، لمنْ لا يُنصح طبياً بإجرائها لهم؟ <

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]