أدوية حموضة المعدة.. عشوائية تناولها وسلامتها الصحية

الإفراط الطبي في وصفها قد يؤدي إلى ارتفاع خطورة كسر العظام

TT

* العنوان الأبرز لما يتم طرحه في الأوساط الطبية المعنية بمعالجة حالات التهابات وقرحة المعدة أو الإثنا عشر أو المريء، هو أن الإفراط والعشوائية في تناول أدوية خفض حموضة المعدة ليسا شيئاً آمناً على صحة الناس، ذلك أن الآثار الجانبية لهذا السلوك العلاجي من قِبل الأطباء، أو الاستخدام العشوائي من قبل الناس، لنوعية أدوية «مثبطات مضخة البروتون» Proton Pump Inhibitors الخافضة بشكل فاعل لإفراز المعدة للأحماض، سيُؤدي إلى ارتفاع خطورة الإصابات بكسور العظام نتيجة تدني محتواها من الكالسيوم.

ومعلوم أن من أهم استراتيجيات معالجة الإصابة بالتهابات وقروح المريء والمعدة والإثنا عشر، هو تناول أدوية خفض حموضة المعدة من نوع «مثبطات مضخة البروتون» مثل «نيكسيم» أو «لوزك» أو «بروتونكس». ولأن أرقام الإحصاءات الطبية الحديثة تُشير إلى ارتفاع متنام في معدلات إصابات البشر بتلك الأمراض في الجهاز الهضمي العلوي، وتشير أيضا إلى وجود حالة من الارتفاع الصاروخي في اعتماد الأطباء على وصف هذه النوعية القوية من الأودية المخفضة لإفراز المعدة للأحماض، وتأكيدها أيضاً على انتعاش غالبية المرضى بتناول هذه النوعية من الأدوية في القضاء على لهيب نيران الألم الحارق الذي يُعانون منه جراء الإصابة بأحد تلك الأنواع الشائعة جداً من أمراض الجهاز الهضمي العلوي، فإن مما يُثير نوعية خاصة من الاهتمام الطبي حول تناول هذه الأدوية، هو ظهور ثلاث دراسات طبية في الآونة الأخيرة تتحدث بشكل جدي، ومدعوم بنتائج بحثية قوية، عن ارتفاع الإصابات بكسور العظام. وهذه المشكلة الجديدة، والناجمة عن طول تناول هذه الأدوية، تُضاف إلى تأكيدات علمية سابقة حول بعض الآثار الجانبية الأخرى في صحة مستخدمي أدوية الحموضة تلك. كما تُضاف إلى ملاحظات طبية متعددة حول آثار جانبية أخرى، لا تزال محل الدراسة والبحث للتأكد من مدى صحتها وحقيقة ارتباط حصولها بتناول الأدوية تلك. وكان الباحثون الكنديون قد كشفوا النقاب في دراستهم الصادرة في منتصف أغسطس (آب) الماضي، عن نتائج متابعة التأثيرات الطويلة الأمد لتناول أدوية خفض حموضة المعدة. ووفق ما تم نشره آنذاك في مجلة الرابطة الكندية للطب الباطني، فإن معدلات الإصابة بكسور العظم، الناجمة عن وجود حالة من هشاشة بنية وتركيب العظم، ترتفع بنسبة مهمة حال طول مدة تناول الأدوية تلك. وفي هذه الدراسة، تابع الباحثون حوالي 16 ألف شخص ممن تجاوزوا سن الخمسين من العمر وحصلت لديهم إصابات بكسور الورك أو الفقرات أو المعصم، من النوعية الناتجة عن هشاشة العظم. وتمت مقارنتهم بأكثر من 50 ألف شخص سليمين من تلك الإصابات بالكسور، وكان الهدف معرفة سبب الإصابات بكسور العظم.

وتبين للباحثين أن الأشخاص الذين تناولوا أدوية خفض حموضة المعدة من نوعي «مثبطات مضخة البروتون» لمدة سبع سنوات وأكثر، كانت لديهم احتمالات بنسبة تتجاوز الضعف للإصابة بأحد أنواع الكسور العظمية في الورك أو الفقرات أو المعصم.

وتحديداً حول كسور عظم الورك، لاحظ الباحثون أن تناول تلك الأدوية لمدة خمس سنوات يرفع بنسبة 60% احتمالات الإصابة بها. وأن تناول الأدوية تلك لمدة سبع سنوات، يرفع بمعدل 400% احتمالات الإصابة بالكسور في الورك. والسبب في تلك التأثيرات السيئة للإفراط والعشوائية في تناول أدوية قوية لخفض حموضة المعدة، أن خفض درجة حموضة المعدة يُؤدي إلى تقليل قدرة الأمعاء على امتصاص الكالسيوم. وهو ما يفرض الاهتمام باللجوء إلى اتباع أدق وأشد لوسائل الوقاية من هشاشة العظم لدى متناولي الأدوية تلك، وتحديداً العناية بتناول الكالسيوم وفيتامين دي وفيتامين كي. وفي الدراستين السابقتين المُؤكدتين لعلاقة تناول أدوية خفض حموضة المعدة بالإصابات بالكسور، كانت أعداد المشمولين بالدراسة تتجاوز 100 ألف شخص بكثير، وهو ما يُعطي مزيداً من المصداقية في تأكيد النتائج. والواقع أن ارتفاع معدلات الكسور ليس هو التأثير السلبي الوحيد للإفراط والعشوائية وطول أمد تناول تلك الأدوية، بل سبق أن تحدثت الدراسات الطبية عن ارتفاع حقيقي لمعدلات الإصابة بالتهابات الرئة. وصدرت عدة تحذيرات طبية مفادها ضرورة تقليل كمية الجرعة أو طول مدة تناول الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بالتهابات الرئة لهذه الأدوية. كما تحدثت دراسات أخرى عن وجوب الحذر من وصف أدوية المعدة تلك للأشخاص الذين عليهم تناول عقار «بلافيكس» المثبط لترسب الصفائح الدموية. ومعلوم أن «بلافيكس» لا يُلجأ إليه عادة إلا في حالات تتطلب قطع احتمالات ترسب الصفائح الدموية بشكل صارم، كما في الحالات بعد توسيع شرايين القلب وتثبيت الدعامة المعدنية فيها، أو في حالات معالجة جلطات الدماغ، وغيرها من الحالات الحرجة. والرسالة التي حاول الباحثون الكنديون توصيلها بعبارة غاية في الصراحة للأطباء وللمرضى، تتلخص في ضرورة مراجعة السلوكيات الشائعة في معالجة حالات التهابات وقروح المريء والمعدة والإثنا عشر. وقالوا إن النتائج تفرض على الأطباء، والمرضى، التراجع خطوة للخلف، والتأني في وصف الأدوية تلك، ومراجعة مدى حاجة كل مريض إليها بالأساس، ومقدار الكمية التي عليه أن يتناولها، والمدة التي علينا وصفها له، ومدى فائدة البدائل العلاجية المتوفرة.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]