شوربة الدجاج.. هل تُصبح علاجاً لارتفاع ضغط الدم؟

تحتوي مواد تُوسّع الشرايين

TT

موروثات الأطباء الفراعنة، وكتابات ابن سينا في القرن العاشر الميلادي، والنصائح الطبية الحديثة لأطباء مايو كلينك وكليفلاند كلينك وغيرهم، كلها تدور حول تلك الجدوى العالية لتناول شوربة الدجاج عند الإصابة بنزلات البرد. ولكن الجديد في أخبار الفوائد الصحية لشوربة الدجاج يأتينا هذه المرة من اليابان. والحديث اليوم عنها لم يعد على مستوى المساعدة في علاج نزلات البرد والتهابات الجهاز التنفسي، بل بدأ يدخل في مناطق علاجية مهمة تختص بمعالجة أحد أهم أسباب الإصابة بأمراض شرايين القلب والفشل الكلوي والسكتة الدماغية، ألا وهو مرض ارتفاع ضغط الدم. وكان الباحثون من اليابان قد عرضوا نتائج دراستهم حول علاقة شوربة الدجاج وارتفاع ضغط الدم، ضمن عدد 23 سبتمبر من مجلة «جورنال أوف أغريكليلتشر فود كيميستري»، الصادرة في الولايات المتحدة الأميركية عن المجمع الأميركي للكيمياء والمتخصصة في شؤون دراسات كيمياء الأغذية. لكن اللافت للنظر لم يكن التوصل إلى احتواء شوربة الدجاج على مواد مفيدة لخفض ضغط الدم، بل الطريف بحق هو أن المواد التي توصل الباحثون اليابانيون إلى أهميتها الصحية، مُركّزة في «أرجل الدجاجة» الصفراء اللون. وهي الأرجل الغنية بمواد «الكولاجين»، والتي لا نلتفت إليها عادة لطهيها مع طهي قطع لحم الدجاج، وتناول مرقها. وهذا الجانب في الدراسة، قد يُلفت نظر البعض نحو البحث في جدوى تناول «أرجل» حيوانات أخرى. أي بعبارة أخرى، الالتفات نحو حقيقة مصداقية تلك الأمثال الشعبية ونصائح الطب الشعبي حول فوائد تناول شوربة «الكوارع» للضأن أو غيره، بحثاً عمّا يُسهم في «شد الحيل» و«رمّ العظم»! وثمة علاقة «مُشوقّة» بين شوربة الدجاج والصحة. وقصتها تحتاج إلى عرض، ووفق ما توصل إليه العديد من الدراسات الطبية التي بحثت هذا الأمر. وشوربة الدجاج بالأصل هي المرق الذي يتم تحضيره بالغلي في الماء لأجزاء الدجاجة، سواءً كانت بعظمها أو بجلدها، أو كانت منزوعة العظم أو الجلد. ثم يختلف الناس في أي إضافات لذلك المرق، كي تتكون لدينا شوربة دجاج بالخضار، أو بقطع المعكرونة الصغيرة، كـ «لسان العصفور»، أو بأحد أنواع الحبوب، أو بالأرز، أو بغيره. وفي السابق، كان الدجاج الكبير في السن يُستخدم في إعدادها ، والذي لا يُفضله الكثيرون للشواء أو للطبخ فترة قصيرة. إلا أن المزارع الحديثة للدجاج تُنتج اليوم دجاجاً صغير السن ومناسبا لإعداد الشوربة. ونظراً لاعتقاد البعض أن الدجاج الأكبر سناً، يكون أغنى بالمعادن والفيتامينات والعناصر الغذائية بالمقارنة مع الدجاج الأصغر سناً، فإنهم غالباً ما يُفضلونه في إعداد الشوربة. هذا ناهيك عن تفضيل البعض للدجاج «البلدي»، أي غير الذي تُنتجه مزارع الدجاج، لتلك الغاية. واهتمام الدراسة اليابانية بمرق أرجل الدجاج، أساسه اختلاف أنواع شوربة الدجاج باختلاف الأجزاء المستخدمة في إعدادها. أي إما اللحم الصافي للدجاج، أو اللحم والعظم، أو الأجزاء العظمية فقط مع الرقبة، أو غير ذلك. وكل هذه الطرق في الإعداد يتبعها اختلاف العناصر الغذائية في شوربة الدجاج. والشوربة الناتجة عن طهي العظام والرقبة والأرجل، تُعتبر غنية بالمواد الجيلاتينية، ما يجعل مرقها ثخين القوام، وذلك بالمقارنة مع شوربة اللحم الصافي فقط. والشوربة التي يتم طهيها لمدة طويلة، ما بين ساعتين إلى ثلاث، وعلى نار هادئة، وبإضافة خضار حامضة، ستعطي مرقاً عالي المحتوى من الكالسيوم. وإضافة شيء قليل من قطع لحم الديك الرومي إلى شوربة الدجاج، سيجعلها غنية بالحديد. ووفق ما تم نشره في عدد أكتوبر عام 2000 من مجلة «شيست» العلمية، الصادرة عن الكلية الأميركية للصدرية، فقد أظهرت تجارب البروفسور ستيفن رينارد، طبيب الأمراض الصدرية والعناية الفائقة بالمركز الطبي لجامعة نبراسكا في أوماها بالولايات المتحدة، أن لشوربة الدجاج فائدة في خفض مستوى عمليات الالتهابات الجارية خلال مراحل نزلات البرد أو غيرها من التهابات الجهاز التنفسي. ونوع شوربة الدجاج التي تم اختبارها، هو ما يُسمى «شوربة الجدة» Grandma"s soup، والتي تحتوي، وفق ما قاله الباحثون، على قطع الدجاج بالعظم، والبصل والبقدونس والكرفس والبطاطا، إضافة إلى الملح والفلفل الأسود. أما الباحثون اليابانيون من جامعة هيروشيما، فاتجهوا إلى البحث عن مدى الاستفادة من إضافة أرجل الدجاج إلى إعداد شوربة الدجاج. واستخدموا في التجارب شوربة دجاج تم إعدادها بطهي كيلوغرام من أرجل الدجاج في لتر ونصف لتر من الماء. ووجدوا أن تلك الشوربة، الغنية بالمواد الكولاجينية، تحتوي على مواد مُثبطة لمفعول أنزيم تحويل مركب أنجيوتنسن-1 angiotensin I-converting enzyme (ACE). وعند اختبارهم تأثير هذه المادة في ضغط الدم لدى حيوانات التجارب بالمختبرات، وجدوا أنها فاعلة في خفض مقدار الارتفاع في ضغط الدم. وأن تأثيرها بدأ بعد ساعتين من التناول، واستمر لمدة تزيد عن ست ساعات.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]