ملح الطعام.. ومشكلة الإكثار من تناوله

غالبيته تتسلل إلى الجسم من «الأغذية الجاهزة»

TT

> حينما يستخدم الأطباء، أو غيرهم من العاملين في الوسط الطبي، العبارة «الخطأ» أثناء توجيه النصائح للمرضى أو الأصحاء، ماذا نتوقع أن يكون تصرف المرضى أو عامة الناس ممن يستمعون إليهم؟

الجواب ببساطة، سيكون مزيداً من «الخطأ». دعونا ننظر إلى المثال التالي المتعلق بتأثير الإكثار من تناول الصوديوم في صحة البعض. مما هو معروف أن هناك حالات مرضية تتطلب معالجتها منع تجمع المياه في الجسم عموماً، وفي أماكن معينة منه خصوصاً. ومن أمثلتها مرض ارتفاع ضغط الدم، وأنواع حالات ضعف القلب، وفشل الكلى أو الكبد، وغيرها. وبآليات معقدة، في الكلى والغدد الصم وحجرات القلب وجدران الأوعية الدموية وغيرها، يُؤدي ارتفاع كمية الصوديوم في الجسم إلى تجمع المياه في الجسم. وهو ما يُؤدي إلى حصول الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البعض، وعدم النجاح في ضبط ارتفاع ضغط الدم لدى المرضى المُصابين به. كما تُؤدي المشكلة إلى صعوبات في التنفس، نتيجة تجمع المياه في الرئة، وانتفاخ الأرجل والبطن، نتيجة تراكم الماء فيهما، وغيرها من المظاهر المرضية لعدم الاستقرار، لدى المُصابين بحالة ضعف القلب. وأيضاً إلى نفس الأمور لدى مرضى فشل الكبد أو الكلى. وكتصرف تلقائي، يحرص الطبيب على توجيه هؤلاء المرضى لما فيه مصلحتهم في شأن هذه المشكلة. وما يسمعه المريض، أو ذووه، هو عبارة مكررة مفادها: «عليك الامتناع، أو تقليل، تناول الملح». وذلك باعتبار أن ملح الطعام المعروف هو مركب «كلوريد الصوديوم». ويخرج المريض من هذه المقابلة وهو يحمل، ما يراه، أسوأ نصيحة طبية يُمكن أن تُقال لمن يعشق التلذذ بالأكل المُملح، سواء في المشويات أو الشوربات أو السلطات أو قطع «المخلل» أو حبات الزيتون أو المكسرات، أو غيرها. ويبدأ في تخيل «مأساة» مواجهة مائدة عامرة بما «لذّ وطاب» حينما يكون الأكل فيها خالياً من الملح. وأنّى له أن يشتهي تناول «لقمة» منها. والمشكلة لا تقتصر عليه، إذْ ما أن يسمع أبناء أو بنات ذاك المريض أو تلك المريضة، بهذا الكلام الصادر عن الطبيب، حتى يبدأوا في تطبيقه بحذافيره، حرصاً على سلامة منْ يهمهم أمره. ولأحدهم أن يسأل بالقول: «طيّب، وين المشكلة؟» وكأن لسان حاله يقول: إذا كان هذا ما قاله الطبيب الفلاني، فلماذا هذا الكلام حول الملح؟ وهل الملح هو الشيء الوحيد «المحبوب» و«المرغوب» الذي تتطلب، معالجة بعض الأمراض، الامتناع عنه أو التقليل منه، فهناك الدهون وهناك السكر وغيرهما؟

وللإجابة، فان الإشكال لا يكمن في النصيحة الطبية حينما تتحدث عن علاقة الإكثار من تناول الصوديوم بالتسبب في تلك المشاكل لدى أولئك المرضى، بل المشكلة في حصرها بذهن الناس معلومة مفادها أن مصدر دخول الصوديوم إلى الجسم هو «ملح الطعام». بداية، وكما تقول رابطة القلب الأميركية، على المرء، أياً كانت حالته الصحية، أن يتناول أقل من 2.3 غرام من الصوديوم يومياً، أي ما يُعادل كمية الملح التي تملأ «ملعقة شاي» صغيرة واحدة. وللباحثين من مايو كلينك مقال مفيد بعنوان «الصوديوم... هل أنت تتناول الكثير منه؟» وفي مقدمة المقال أعاد الباحثون التذكير بنتائج الدراسة القومية الأميركية التي حاولت تتبع مصادر الصوديوم في الأغذية التي يتناولها عامة الناس. أي ممن يتناول ما بين 4 إلى 6 غرامات من الصوديوم يومياً. وتبين فيها أن: • 5% من الصوديوم يأتي مما يُضاف إلى طهي الأطعمة. • 6% مما يُضاف إليه بـ«الملاحة» أثناء تناول الوجبة. • 12% مما يوجد فيه الصوديوم كشيء طبيعي في الأطعمة، أي ضمن المكونات الطبيعية للمنتجات الغذائية، خاصة في اللحوم والحليب والخضار. • 77% من الصوديوم الذي يدخل إلى أجسامنا يأتي من الإضافات الصناعية لأنواع الأطعمة الجاهزة. أي أن ما يُضيفه أحدنا من الملح لطهي الطعام وما يُضيفه منه بـ«الملاحة» أثناء تناول وجبة الطعام، لا يُشكّل أكثر من 11% من كمية الصوديوم التي تدخل أجسامنا. والمصدر الأكبر للصوديوم، أي 77%، هو ما يُضيفه «أرباب صناعة الغذاء» من مواد كيميائية أثناء إنتاج أنواع «الأغذية الجاهزة». وهذه المواد الكيميائية تحتوي على الصوديوم، وطعمها ليس بالضرورة مالحاً. وما يتسبب بالخلط في الإدراك، هو الاعتقاد بأن علامة وجود الصوديوم في الأطعمة، هي وجود الطعم المالح فيها. وهذا غير صحيح على الإطلاق. لذا هناك الكثير جداً من الأطعمة الحلوة الطعم أو الأطعمة غير المالحة، التي، مع ذلك، تحتوي على كميات عالية من الصوديوم. ومن الأمثلة، الـ«بيكنغ صودا» المحتوية على «كربونات الصوديوم»، والـ «بيكنغ باودر»، المستخدمتان في إعداد الخبز والمعجنات والحلويات والبسكويت. وكما تقول رابطة القلب الأميركية، تحتوي «ملعقة شاي» من «بيكنغ صودا» على 1 غرام من الصوديوم. ومادة «مونوصوديوم غلوتاميت»، أحد التوابل الصناعية التي تُعطي طعم ما يُعرف علمياً بطعم «يمّي» اللذيذ، والتي تُضاف إلى أنواع واسعة جداً من الأطعمة اليوم. ومادة «دايصوديوم فوسفيت»، الموجودة في أنواع الجبن الصناعي والحبوب «السهلة الطهي». ومادة «صوديوم نايرات»، المُضافة إلى اللحوم الباردة وأنواع «السجق». ومادة «صوديوم ألغنيت» التي تُضاف لأنواع الآيس كريم كمادة مُلطفة لقوامها ولجعلها أشبة باللبان. وهناك مواد كثيرة أخرى تُستخدم في تلميع الفواكه أو حماية الجبن والخبز من التعفن، وغير ذلك مما قد لا يخطر على بال البعض كمصدر عال للصوديوم. وصحيح أن ملح الطعام يحتوي على صوديوم، لكنه ليس المصدر الكبير لدخول الصوديوم إلى أجسامنا. وإذا ما أردنا حقيقة تقليل، أو قطع، تناول الصوديوم، فالطريق إلى ذلك لا يمر أولاً بـ«الملاحة» بل بمحطات أخرى أكثر أهمية < استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]