الخرف.. ومهارات التواصل مع المصابين به

ضرورة التحلي بالصبر والتعاطف والاحترام لمشاعرهم

TT

لقد مر الإنسان بمراحل مختلفة أثناء تطوره، مكّنته من إطالة عمره بالاعتماد على ما أتيح له من الغذاء والماء السليمين، وهما أساس الحياة. ثم قدمت له الحضارات المختلفة رعاية صحية أبعدت عنه شبح الأمراض المميتة لسابقيه في عمر مبكر، وبهذا يتمتع إنسان اليوم بعمر يناهز السبعين ويزيد.

إلا أنه بدأ يعاني، في هذا العمر، من مضاعفات أمراض العصر المختلفة التي باتت تصيبه منذ مقتبل العمر، ومن الضعف العضلي والذهني، ومن ويلات الخرف وحاجته إلى الرعاية والعناية، وإلى الصحبة والمؤانسة.

لقد استحوذ هذا الموضوع على اهتمام المسؤولين من جميع التخصصات وعلى أعلى المستويات، بعد أن بات مشكلة تؤرق كل بيت مع ازدياد عدد المسنين، وندرة أعداد الأشخاص الذين يقدمون الرعاية لهم.

وقد انعقد أخيراً «المؤتمر الطبي الاجتماعي للرعاية الصحية المنزلية» تحت رعاية الأميرة عادلة بنت عبد الله آل سعود رئيس المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية، ونُظم عددٌ من ورش العمل، كانت إحداها تناقش كيفية التعامل مع الخرف بالمنزل.

* التواصل مع الشخص الخرف

* تحدثت إلى «صحتك» الدكتورة منال محمد خورشيد، استشارية طب الأسرة بمديرية الشؤون الصحية بجدة، عضوة مؤسسة للجنة تطوير مهارات الاستشارة الطبية، عن كيفية التعايش مع العضو المصاب بالخرف في الأسرة.

في البداية، عرفت الخرف بأنه، بشكل مبسط، عملية تطور بسيط ومرحلي في المخ تنتج عنه صعوبة في تذكر الأشياء، عدم وضوح التفكير، عدم القدرة على التواصل الجيد مع الآخرين، وعدم القدرة على رعاية الشخص لنفسه، بالإضافة إلى أن الخرف يسبب تغيرات في المزاج والشخصية والتصرفات بشكل عام.

وأوضحت أن تقدم العمر لا يعتبر مسبباً للخرف، وإنما هناك بعض المشاكل الصحية التي قد تساعد على الإصابة بالخرف منها: داء السكري، جلطات المخ، نقص بعض الفيتامينات مثل فيتامين بي 12، ارتفاع الدهون في الدم، التدخين، وبصفة عامة نمط الحياة غير الصحي.

ومما يزيد حالة الخرف سوءاً، ويصعب مهمة التواصل معه، إصابة الشخص الخرف ببعض الإعاقات الجسدية، مثل ضعف النظر أو ضعف السمع أو الإصابة بضعف أحد الأطراف أو جميعها، مثل الإصابة بالشلل أو خشونة المفاصل، وأيضاً استخدام بعض أنواع الأدوية التي قد تؤثر على التفكير والتركيز والقوى العقلية للمصاب.

ولا يخفى علينا ما يعانيه القائمون على رعاية الشخص الخرف من مشاكل نفسية وجسدية واجتماعيه واقتصادية.

* مهارات رعاية الشخص الخرف

* أوضحت د.منال خورشيد أن هناك عدداً من المهارات يحتاج إليها الشخص القائم برعاية الشخص الخرف لتسهيل التواصل والتعايش معه بشكل مريح، وسردت بعضها بشكل مبسط:

* أولا: التحلي بالصبر والإنسانية والتعاطف مع الشخص الخرف، مما يسهل بعد ذلك مهارات التواصل معه، فيجب أن تكون هادئاً في التعامل مع الشخص الخرف، وأن تظهر اهتمامك بما يقول أو بالشعور الذي يريد التعبير عنه، وأن تكون منتبهاً إلى نبرة صوته واللغة الجسدية التي تعبر عما يشعر به، وفي أغلب الأحيان قد تعبر الأحاسيس بشكل أصدق من الكلمات.

ثانياً: ولكي تجعل الشخص الخرف ينتبه ويفهم ما تريده يجب تطبيق بعض المهارات منها، أن تتأكد من أن البيئة المحيطة به وقت التواصل معه، هادئة بقدر الإمكان حتى لا يتشتت انتباهه، وأن تتجنب الأصوات المرتفعة، فقم مثلا بإغلاق التلفاز أو الراديو وكذلك الباب والستائر وكل مصدر للإزعاج. وتأكد قبل التحدث معه أن يكون منتبهاً لك، وخاطبه باسمه، وعرّفه بنفسك وصلة قرابتك به، واستخدم لغة الجسد التي تساعده على التركيز وشد انتباهه مثل اللمس والتواصل بالعين، وإذا كان جالساً حاول الجلوس على نفس مستواه للتواصل الجيد.

* ثالثاً: يمكن استخدام إرشادات مكتوبة أو صور أو رسومات أو الإشارة إلى الشيء أو لمسه باليد، بالإضافة إلى التعليمات اللغوية حتى يزيد من استيعابه لما نريد توجيهه له. استخدم نبرة الصوت العادية أو الصوت المنخفض بدلاً من الصراخ ورفع الصوت. استخدم في الحديث معه عبارات وكلمات محددة وواضحة ولا تستخدم رموزاً أو اختصارات أو أسماء إشارة بكثرة، وكذلك حاول اختصار الحديث في جمل قصيرة بسيطة وبكلمات معروفة وتكلم ببطء وبنبرة مطمئنة.

* رابعاً: إعطاؤه فرصة من الوقت للاستيعاب والاستجابة في حدود 3-5 دقائق، وإذا لم يستوعب ما قلته، أعد كلامك عليه بالعبارات السابقة نفسها وبالأسئلة نفسها.

اطرح عليه سؤالا واحدا في المرة الواحدة، واستخدم معه أسئلة محددة الإجابة بنعم أو لا.

* خامساً: لا تستخدم معه أسلوب الأسئلة المفتوحة مثل: كيف يمكنني أن أساعدك اليوم؟

حاول أن تستخدم لغة الجسد لتوصيل التعليمات له مثل: الابتسامة، الحضن، الحركة البطيئة، والربت عليه بلطف، وامنحه الطمأنينة والشعور بالأمان مع ابتسامة خفيفة.

* سادساً: عامله باحترام وتقدير، وتذكر أن الشخص الخرف هو شخص بالغ وليس طفلا، ويجب أن يكون التواصل وجهاً لوجه وليس عن طريق الهاتف أو استخدام لغة الإشارة.

أصغ له بكل مشاعرك، وحاول أن تقسم ما تطلبه منه من طقوس أو تعليمات على خطوات وذكّره دائماً بكل خطوة سيتخذها أولا بأول، فمثلا أره كيف سيضع صحن الأكل على الطاولة خطوة بخطوة.

لاحظ دائماً تعبيراته، فمثلا إذا كان يبدو حزيناً، بيّن له ملاحظتك له بأنه حزين، هذا سيشعره بأمان أكثر بأن من حوله مهتم به، وحاول أن تغير مشاعره باتخاذ إجراء يريحه، مثل الخروج معاً للمشي أو مشاركته بأكل شيء معين.

* سابعاً: حاول التحدث معه عن الأيام الخوالي السابقة من قصص وأحداث ومواقف ظريفة مر بها سابقاً.

التعامل مع التصرفات غير اللائقة كيف يتم التعامل مع التصرفات غير اللائقة، الصادرة من الشخص الخرف والتي تعتبر من التحديات في التعايش معه؟

تقدم الدكتورة منال خورشيد بعض الحلول والاقتراحات المناسبة لعلاج بعض المشاكل التي يعاني منها الشخص الخرف، وتؤثر سلباً على القائمين بالرعاية المنزلية له من أفراد المنزل أو الأسرة. وتوضح أننا لا نستطيع تغيير الشخص ولكن نستطيع تغيير تصرفاته بالتدريب والممارسة.

فإذا صدر من الشخص الخرف تصرف غير لائق مثل التبول اللا إرادي، عند ذاك، يجب عرضه على الطبيب المختص واستشارته قبل اتخاذ أي إجراء؛ لأن مشكلته هذه الجديدة قد تكون بسبب التهاب بالبول مثلا.

كما يجب أن نعطيه العذر لكل تصرف يقوم به، فمثلا إذا كان يفرغ يومياً محتويات خزانة ملابسه، فربما يقوم بذلك ليشغل نفسه ووقته. وربما يتصرف بذلك، بسبب تغيرات في البيئة المحيطة له مثل تغيير مكان غرفته < مشاكل شائعة قد يعاني منها الشخص الخرف أولا: عدم الاستقرار وكثرة الحركة والمشي، أو البحث عن شيء معين أو شخص معين، وقد يتصرف بذلك ليعبر عن شعور معين مثل الجوع أو العطش أو الحاجة للحمام وغيرها.

ومن الخطر الذي قد يتعرض له الشخص الخرف نتيجة كثرة الحركة هو خروجه للشارع. ويمكن علاج ذلك بجعله يمارس تمارين رياضية بشكل منتظم للتقليل من الحركة الزائدة، غلق الأبواب بالمفاتيح مع إزالة المفاتيح عن الأبواب، تغطية الباب بستارة أو وضع إشارة ممنوع الدخول أو ممنوع المرور بجانب الباب، وضع طلاء أسود على الأرض أمام الباب لتبدو بشكل حفرة يصعب المرور فوقها للوصول إلى الباب.

حاول أن تجعله يلبس سواراً به بطاقة تعريفية عنه وعن مسكنه ورقم الهاتف بخط واضح، أو علّم ملابسه بتعريف واضح يمكن الاستعانة به في حال خروجه بدون علمك، وحاول دائماً حمل صورة فوتوغرافية له تستعين بها في حالة ضياعه.

ثانياً: التبول والتبرز اللا إرادي: قد تزيد نسبة الإصابة بالتبول أو التبرز اللا إرادي نتيجة تدهور الحالة العقلية للشخص الخرف، ولكن في أحيان كثيرة تكون بسبب نسيانه مكان الحمام، مما يحتاج منه وقتاً لاستيعاب مكان الحمام.

ومنعاً لحدوث ذلك اتبع التعليمات التالية:

- حاول تذكير الشخص الخرف بدخول الحمام في أوقات ثابتة، مثلا كل ساعتين.

- رتب مواعيد تناول الماء والسوائل مع مراعاة عدم الإصابة بالجفاف، وتجنب تقديم السوائل التي تزيد من إدرار البول مثل الشاي والقهوة والمشروبات الغازية. يجب الحد من تناول السوائل في المساء، خاصة قبل موعد النوم.

- استخدم علامات تبين بوضوح مكان باب دورة المياه. - وفّر مبولة بجانب السرير يمكن أن يستخدمها الشخص الخرف بسهولة في وقت النوم.

- وفّر حفائظ للبسها وقت النوم فقط، تجنباً لحدوث فوضى بسبب التبول أو التبرز اللا إرادي وقت النوم.

- استخدم ملابس يسهل إزالتها ويسهل غسلها في حال التبول اللا إرادي.

* ثالثاً: السهر وقلة النوم ليلاً - حاول زيادة نشاطه خلال النهار، مع عدم السماح له بأخذ قيلولة أثناء النهار.

- قلل من تناول المنبهات مثل الشاي القهوة والسكريات أثناء النهار، وحدد تناولها فقط خلال الصباح الباكر.

- حاول وضعه أثناء المساء والليل في جو هادئ. - حاول جعل بيئة المنزل آمنة مثل إغلاق باب المطبخ والشارع ورفع جميع المواد الخطرة من متناوله.

- إذا فشلت جميع المحاولات استعن بمساعدة أحد الأطباء الذي قد يصف له بعض المهدئات. ولكن تذكر أن الحبوب المهدئة والمنومة بالليل قد تزيد من حالة التيه، والتباس التفكير وقلة التركيز في النهار.

- تذكر أنت كشخص قائم على رعاية الشخص الخرف أنك تحتاج قسطاً وافراً من النوم والراحة، لذا استعن بصديق أو قريب لمساعدتك في العناية به.