مرض باركنسون.. والجنوح إلى المقامرة

أعراضه مؤلمة وعلاجه قد يقود إلى حدوث اضطرابات قهرية

الملاكم محمد علي كلاي من المشاهير المصابين بمرض باركنسون
TT

س: شُخِّص مرض باركنسون لدى زوجي حديثاً. وقد أصبح ممكنا الآن السيطرة على مرضه، إلا أن عادة خطيرة للعب القمار ظهرت لديه أخيراً. هل هناك صلة بين مرض باركنسون والمقامرة؟

ج: شُخِّص مرض باركنسون (الشلل الرعاش) لأول مرة من قبل طبيب بريطاني قبل نحو 200 عام. وأغلب حالاته المبكرة تشمل ظهور أعراض حركية: رعشة خاصة به، تثاقل في المشي، قوام غير مستقر، وضع منحنٍ للجسم، أو تعابير وجه تشابه القناع. كما تعتبر حالياً مشاكل المزاج والقلق، واللامبالاة ، والذهان العصبي، أي حالة اختلال الصلة بالواقع، ونقص الإدراك، جزءًا من هذا المرض.

ولو كانت هذه الحال قد ظهر في أعوام التسعينات من القرن الماضي، لكان من المحتمل أن تهمل الصلة بين مرض باركنسون والمقامرة. إلا أن عدداً من التقارير يظهر وجود صلة بين علاج مرض باركنسون وعدد متنوع من «اضطرابات فقدان الانضباط القهرية» impulse-control disorders، ومنها حالة المقامرة المَرَضِية.

* مرض عصبي حركي

* ويأتي مرض باركنسون بعد مرض ألزهايمر (خرف الشيخوخة)، بوصفه من أكثر أمراض التنكس العصبي شيوعاً في الولايات المتحدة، وهو يصيب نحو مليون أميركي. ويعاني من مرض باركنسون 2 في المائة من الأميركيين من أعمار 65 سنة فأكثر، إلا أنه لا يعتبر مرضاً لكبار السن فقط - إذ إن نحو واحد من عشرة من المصابين بالمرض تظهر لديهم «إصابات مبكرة» منذ سن 45 سنة بل وأقل.

ويظهر المرض نتيجة تنكّس، أو تدهور، الخلايا العصبية المنتجة للـ «دوبامين» dopamine في دارات المخ، المسؤولة عن تنظيم الحركة. ولأنه لا توجد حتى الآن وسيلة لإصلاح هذه الخلايا المتضررة، فإن العلاج يركز على تعزيز عملية نقل الدوبامين. وأحد الخيارات العلاجية هو دواء «ليفودوبا» levodopa الذي يتحول إلى دوبامين داخل المخ. والدواء الآخر هو من نوع الأدوية التي تقوم مباشرة بتنشيط مستقبلات الدوبامين، وبهذا فإنه يحاكي عمل الدوبامين في المخ.

وإضافة إلى دورها في تنظيم جهاز الحركة، فإن الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين تنشط أيضاً في مضمار عمليات المكافأة. ولذلك فإن علماء الأعصاب لم يكونوا مندهشين بشكل شديد عندما رأوا ظهور حالات اضطراب فقدان السيطرة القهري لدى بعض المرضى المعالجين من مرض باركنسون.

* باركنسون والمقامرة

* أول التقارير التي ربطت بين مرض باركنسون والمقامرة، وردت من مجموعة من علماء الأعصاب الإسبان الذين قدموا وصفاً عام 2000 لـ 12 مريضاً، إما كانوا قد شرعوا في المقامرة فعلا أو أظهروا اهتماماً كبيراً بالمقامرة بعد دخولهم في علاج لتعويض الدوبامين. ومنذ ذلك الحين نشرت تقارير لحالات أخرى حول هذه الصلة.

إلا أن تقارير مثل هذه الحالات الموصوفة لا تنبئنا بكامل الصورة. ففي الاستطلاعات على مجموعات أكبر من المرضى المعالجين من مرض باركنسون، رصدت مشاكل المقامرة بمعدل يزيد مرتين إلى أربع مرات مقارنة بعموم السكان. وفي إحدى عينات المرضى وصلت نسبة المقامرين إلى 9 في المائة.

كما يمكن أن تظهر أيضا أثناء العلاج، اضطرابات فقدان التحكم القهرية الأخرى مثل الجموح الجنسي العارم hypersexuality، التسوق القهري، والأكل المتواصل من دون انقطاع. ويجد بعض المرضى أنفسهم وقد وقعوا ضحية نشاطات أو طقوس متكررة من دون أي هدف - الكتابة، الهمهمة، الرسم العشوائي - وفي بعض الأحيان إهمال حاجاتهم في النوم أو الطعام.

وقد بدأ الخبراء يتعرفون على المرضى الذين يتعرضون إلى مخاطر أعلى من غيرهم في حدوث المشاكل القهرية. فالمقامرة يبدو أنها تظهر لدى المرضى الأكثر شباباً، غالباً من الذين يصابون مبكراً بمرض باركنسون. والأدوية المنشطة لمستقبلات الدوبامين مثل عقاري «براميبيكسول» pramipexole «ميرابكس» Mirapex وكذلك «روبينيرول» ropinirole (ريكويب Requip)، يتسببان، كما يبدو وعلى الأغلب، وأكثر من العلاج بـ«ليفودوبا»، في تطوير سلوك بالمقامرة. إلا أن «ليفودوبا» ارتبطت أيضاً بظهور اضطرابات فقدان الانضباط القهرية.

وهذه الصلة معروفة اليوم بدرجة كبيرة بحيث ينبغي الاهتمام بها بجدية. وإن بدأ سلوك المقامرة بالظهور (لدى المريض) فإن غالبية الباحثين يوصون بتقليل جرعات الدواء أو تغييره. وفي بعض التقارير استخدم بعض الأطباء أنواعاً غير معتادة من الأدوية المضادة للذهان العصبي التي تقوم بشكل انتقائي بوقف إنتاج الدوبامين. إلا أن هذه المنطلقات قد تزيد من حدة أعراض مرض باركنسون، ولذا ينبغي مراقبة حالات المرضى الذين يتناولونها.

وأخيراً فإن المنطلقات الجراحية العصبية المعروفة باسم التحفيز العميق للمخ، قد يمكنها أن تتوجه نحو هدف محدد لعلاج مناطق الحركة، من دون المساس بمناطق المكافئات إطلاقاً.

ولا يشكل أي من هذه التدخلات علاجاً. ومع ذلك، فإن التعرف على المشكلة والسيطرة عليها قد تزيل نتائجها المؤلمة، وهي النتائج التي تزيد من شدة المرض المؤلم نفسه <

* طبيب، رئيس تحرير رسالة هارفارد للصحة النفسية، «خدمات تريبيون ميديا»