نصائح طبية للتعامل مع مشاحنات الأزواج

تعزيز المشاعر الإيجابية يسهم في حل الخلافات وتقوية العلاقات الإنسانية

TT

قليل من الناس بمقدورهم قضاء اليوم كله من دون أن يقعوا، بشكل من الأشكال، في نزاع ما. ففي البيت، قد يتناقش الأب والأم العاملان حول بقاء أي منهما مع الطفل المريض. وفي العمل، قد يختلف أحد الباحثين الاجتماعيين مع اختصاصي في علم النفس حول أفضل طرق علاج أحد المرضى.

وعندما يبدأ التعامل مع النزاعات، فإن الكثير من الناس، إنْ لم يكن أغلبهم، يهملون مشاعرهم أو يكبتونها. ومع ذلك، فمهما بدت محاولات الأفراد لعدم إبداء مشاعرهم، فإن قلوبهم تأخذ، أثناء حدوث النزاعات، في الضرب بسرعة أكثر، كما تبدأ راحات أكفهم في إفراز العرق، وتزداد سرعة تنفسهم. وكل هذه العلامات الجسدية تشهد على وجود المشاعر التي يمكنها أن تزيد المناقشات تعقيدا.

وقد قضى الدكتور دانيال شابيرو الاختصاصي في علم النفس، مدير «مبادرة هارفارد للمفاوضات الدولية»، سنوات في دراسة دور المشاعر في المساعدة في حل المشاكل، أو إعاقة حلها. وفي بداية وظيفته، ساعد شابيرو في تأسيس برنامج تجريبي صغير لحل النزاعات للمرضى الذين عانوا من اضطرابات الذهان العصبي في مستشفى ماكلين التابع لهارفارد. ثم تدرب، في ما بعد، في فريق في شرطة مدينة نيويورك، خاص بالتفاوض مع الخاطفين. وهو يقدم الاستشارات حاليا لقادة دول العالم حول كيفية حل الخلافات السياسية.

وهناك الكثير الذي يمكن للناس العاديين تعلمه من المفاوضات مع الخاطفين ومن المفاوضين الدوليين لحل المشاكل سلميا. وببساطة، فإنهم قد اكتشفوا الأمر الذي يعرفه المختصون في الصحة العقلية بغريزتهم: وهو أن النزاعات يمكن حلها بنجاح أكثر عندما يؤخذ عاملا الفكر والعاطفة بنظر الاعتبار.

ويكمن التحدي في ضرورة التدرب على التعامل بكفاءة مع الجوانب المتعددة للمشاعر الإيجابية والسلبية- الإثارة، الخوف، الاعتزاز، العار، الأمل، اليأس، الشعور العارم بالبهجة، الخيبة- من دون الشعور بالانسحاق تحت وطأتها.

وقد طور الدكتور شابيرو وزميله روجر فيشر البروفسور الفخري في جامعة هارفارد، وأحد مؤلفي كتاب حول التفاوض، عنوانه «Getting to YES»، منطلقات جذابة لحل النزاعات في كتابهما الموسوم «ما خلف العقل: استخدام المشاعر أثناء التفاوض» , Beyond Reason: Using Emotions as You Negotiate. ونظما مبادئ معروفة لعلم النفس في شكل يسهل تعليمه. ولذلك فإنها ربما تكون مفيدة في حالات متنوعة من الحياة الواقعية وفي المستشفيات.

التركيز على الاهتمامات الجوهرية

* ينصح شابيرو وفيشر بالتركيز على الاهتمامات الجوهرية (أو صُلْبْ الاهتمامات core concerns)، بدلا من المشاعر ذاتها. وهذه الاهتمامات تعبر عن الرغبات البشرية الأساسية التي تؤكد وجود العواطف السلبية والإيجابية في أي نزاع. وقد تعرف الباحثان على خمسة اهتمامات جوهرية يمكن توظيفها أثناء إجراء المفاوضات، لتحويل المشاعر نحو الناحية الإيجابية، وفي الاتجاه المثمر.

* إبداء التقدير: وربما يعتبر هذا أهم الاهتمامات الجوهرية التي ينبغي التركيز عليها عند ظهور الخلافات. ويضم التقدير appreciation في ثناياه، الرغبة في أن يتفهمك الآخرون ويقدِّرونك حق التقدير. وإبداء التقدير لشخص ما، يشمل العثور على ما يستحق من الأمور في وجهة نظره. وهذا ما قد يساعد في منع تصاعد النزاع، ويساعد في حل الخلاف، في نفس الوقت الذي يعزز فيه العلاقة بين الطرفين. وتتجلى قوة التقدير في الحفاظ على العلاقة الزوجية مثلا، بشكل متكرر في البحث الذي أجراه الدكتور جون غوتمان الباحث في علم النفس في جامعة واشنطن في سياتل. ففي سلسلة من الدراسات التي نشرها في التسعينات من القرن الماضي، التقط غوتمان وفريقه شرائط فيديو مصورة للمتزوجين حديثا أثناء مشاحناتهم. وأخذ الباحثون في تسجيل الكلمات المتبادلة ورصد تعابير الوجه ونبرات الصوت.

وأظهرت تلك الدراسات أن الزوجين اللذين أبديا تقديرا لكل منهما، كانا على الأكثر من الأزواج الذين سيحافظون على حياتهم الزوجية، بدلا من وقوع الطلاق بينهما. وقد عبرت الزيجات ذات العلاقة الزوجية المستقرة عن نحو 5 مشاعر إيجابية، منها (إبداء الاهتمام، والحنان، وروح المداعبة.. على سبيل المثال). أما لدى الأزواج الذين انفصلوا في ما بعد، فإن نسبة المشاعر الإيجابية إلى السلبية كانت أقرب إلى 1 مقابل 1.

إن التفاعلات المبكرة هي التي تحدد نمط الخلاف، ولذلك فغن التعبير عن التقدير بمقدوره أن يدفع المفاوضات نحو بداية جيدة. وفي إحدى الدراسات، على سبيل المثال، أظهر الدكتورغوتمان أنه يمكن التنبؤ بالأزواج الجدد الذين سيطلقون خلال ستة أعوام، وذلك بعد مراقبة التفاعلات في ما بينهم خلال أول 3 دقائق من مشاحنات استمرت 15 دقيقة.

* الشعور بالانتساب: إن التوجه المضاد «أنا ضدك» في النزاع يمكن التخلص منه، عند بناء صلة عاطفية، بحيث يتحول الخصوم إلى حلفاء، ويتعاونون لحل المشكلة. إن بناء الانتساب affiliation يتطلب التوجه نحو حل الخلافات العميقة، من منطلق أنها مشاكل مشتركة ينبغي حلها سويا.

وتساعد بعض الوسائل البسيطة في بناء حالة الانتساب. ومن الأمثلة هنا، الدخول في حوار بسيط حول الاهتمامات المشتركة، مثل الاهتمامات العائلية أو الرياضية، واستخدام «نحن» و«إننا» لإيصال مفهوم الأهداف المشتركة، والجلوس جنبا إلى جنب، بدلا من الجلوس مواجهة عبر الطاولة. وهذه الاستراتيجيات تشجع على التعاون.

* الاستقلال الذاتي: النزاعات تتطور غالبا، لأن الأفراد يشعرون بأنهم لم يشاركوا بشكل مناسب في اتخاذ القرارات التي تمسهم مباشرة. وفي حالات الصحة العقلية، فإن المثال الشائع هو الالتزام بالعلاج، حيث يتناول المريض الدواء الموصوف له. ويحاول طبيب المستشفى، على الأكثر، إزالة أعراض المرض، إلا أن المريض قلق بشكل أكبر من الأعراض الجانبية للدواء. وإنْ اعتبر الطبيب أن الأعراض الجانبية «طفيفة»، ولا تستحق الاهتمام، من دون فهم قلق المريض، فإن هذا يعني خرق الاستقلال الذاتي للمريض. وقد يصبح المرضى، لدى استجابتهم لهذا الأمر، في وضع دفاعي، أو هجومي، أو أن يمتنعوا عن اتباع «الأوامر»، بغية استعادة استقلالهم الذاتي. ولكي تعزز الاستقلال الذاتي، يوصي الدكتور شابيرو باتباع «منطلقات ABCD»، وهي «اسْتَشِرْ دائما قبل اتخاذ القرار» Always Consult Before Deciding. وهذا يعني وجوب المشاركة النشطة للأفراد في اتخاذ القرارات التي تؤثر نتائجها بشكل ما عليهم.

* المنزلة: في خضم النزاع الحامي الوطيس، قد يتنافس الخصوم حول منزلتهم. وقد يقول أحدهم «لديَّ خبرة أكثر في هذا المجال»، أو يعبر بهيئته البدنية وإشاراته (في ما يسمى «اللغة البدنية») عن منزلته المهيبة الأعلى. ولذا.. فليس من المدهش أن يشعر الشخص الآخر بأنه مهمل، أو أن يشعر بالامتعاض الشديد.. إلا أن المنزلة status يمكن توظيفها أيضا بشكل إيجابي.. إذ يمكن بدء المناقشات بسؤال يوجه إلى الشخص الآخر لإبداء النصيحة. وهذا لا يقلل من شأن ومنزلة الشخص الأول. ومع هذا، فإنه يسمح للشخص الآخر بالتعبير عن وجهة نظره، والمشاركة بخبرته.

* الأدوار: إن الأفراد يلعبون الكثير من الأدوار في حياتهم. فالفرد يمكن أن يكون زوجا، أبا، مالكا لمنزل، ومديرا لشركة، ولكن عندما يتطلب الأمر حل النزاع، فإن الأدوار التي يلعبها الأفراد هي مؤقتة وعابرة.. فهم يلعبون دورهم كمستمعين، وكوسطاء، أو محامين. ويكمن التحدي هنا في تحديد الدور الأكثر مناسبة في زمن معين.

وفي بعض الحالات نجد أن أحد الأطراف يحتاج إلى تغيير أدواره، بهدف حل النزاع. خذ على سبيل المثال.. حالة زوجة ترغب في مناقشة وضعية عملها المزعجة عند عودتها إلى المنزل. وستجد أن زوجها يأخذ في مقاطعة حديثها، مقدِّماً لها النصائح حول كيفية حل المشكلة. ورغم أن النصيحة قد تكون جيدة، إلا أن الزوجة تغضب وتهاجمه بسبب مقاطعته لها. وهي تريد منه الاستماع إليها، لأنها لا تستطيع التحدث بحرية في العمل. ولذا، فإن الدور المثمر الأكبر للزوج هنا، لا يتمثل في الدفاع عنها، بل في الاستماع إليها.

وفي أحيان أخرى، فإن الطرفين قد يكيفان نفسيهما لأدوار مؤقتة أخرى، أو حتى يأخذان نفس الدور؛ بهدف حل المشكلة. والأمثلة على الأدوار المؤقتة المفيدة تشمل دور حلال المشاكل المشترك، ومقدم الأفكار الجديدة، والمحامي المضاد، أو الوسيط. عدسات وعتلات لحل النزاع

* بعض النصائح التي قدمت حتى الآن تبدو عادية، إلا أن «الحيلة» تكمن هنا في كيفية توظيفها.. فالاهتمامات الجوهرية يمكن توظيفها كـ «عدسات» أولا، وذلك لتوفير مشهد واضح للمشاعر السلبية التي تزيد من حدة الخلافات، ثم في ما بعد، يمكن توظيف الاهتمامات الجوهرية بوصفها «عتلات» لدفع المفاوضات باتجاهات مثمرة.

وعندما يصل الخلاف إلى مأزق، فإن الدكتور شابيرو يوصي أولا بتطبيق العدسات على نفسك، لكي تتفهم ردود أفعالك السلبية نفسها خلال المناقشات. وعلى سبيل المثال، فإنك تتساءل : ما هي تلك الاهتمامات الجوهرية التي يمكنها تفسير حصول الانزعاج أو الغضب أو الشعور بالخيبة لديك؟، هل أن تشعر بأنك لم تحظَ بالتقدير؟، هل نفذ أحد عمله من دون احترام استقلالك الذاتي؟. حاول أن تضع قائمة في ذهنك للتدقيق في الاهتمامات الجوهرية التي تسبب ردود الفعل في مشاعرك، ثم بعد ذلك، ضع العدسات على وجهة نظر الشخص الآخر. وتساءل: ما هي الاهتمامات الجوهرية التي سوف تفسر ردود الفعل في مشاعره؟ هل أحس بأن منزلته قد دمرت؟، هل شعر بأن أحدا ما يهدد استقلاله الذاتي، أو يحاول تهميشه (منعه من الشعور بالانتساب).

وأخيرا ، ومع الافتراض بأن كل الأطراف تتمتع بفرصة التأمل في المشاعر السيئة وتهدئة الخواطر، وَظِّفْ العتلات لدفع المفاوضات إلى الأمام. اظهر تقديرك للعودة إلى المناقشات بأحاديث إيجابية. وجِّه الشكر إلى الشخص الآخر لعودته إلى الطاولة. استمر في المناقشات مع وجود الاهتمامات الجوهرية الخمسة ماثلة في ذهنك.. فهذا سيساعد على تحسين آفاق التوصل إلى نتائج مرضية <

* رسالة هارفارد للصحة النفسية، «خدمات تريبيون ميديا» الكلمات التي تحفز على ظهور المشاعر الإيجابية

* اهتمامات جوهرية ـ كيفية التحفيز

* إبداء التقدير: التقط ما يستحق التقدير في أحاديث الشخص المتكلم، وفي مشاعره، أو أعماله. قل شيئا ما مثل: «أنا أعرف أنك قلق من الأعراض الجانبية للدواء. وبالنظر إلى القضايا التي تحدثت عنها؛ فاني أتفهم الآن السبب الذي يدعوك إلى الانتظار قبل أن تبدأ في العلاج المضاد للكآبة».

* الشعور بالانتساب: ركز على المشاركة في حل المشكلة، والعمل كفريق مشترك. قل شيئا، مثل: «يبدو أننا أصبحنا في مأزق هنا. لماذا لا نتبادل الأفكار معا حول إيجاد حل لذلك؟».

* الاستقلال الذاتي: أشرك الأفراد بنشاط في القرارات التي تؤثر عليهم. فقد يقول طبيب المستشفى للمريض: «إني أوصي بتناول هذا الدواء المضاد للكآبة، لأني أعتقد أنه الأكثر فاعلية، إلا أنه قد يسبب بعض الأعراض الجانبية. هل أنت راغب في المخاطرة بالتعرض لهذه الأعراض الجانبية؟».

* المنزلة: أرسل رسالة بالكلمات والإشارات البدنية بأن كل المشاركين في حل النزاع لديهم جوانب قيمة يمكن توظيفها، بغض النظر عن لقب ورتبة كل منهم. اطلب النصيحة، بأن تقول شيئا ما، مثل: «ما هي في رأيكم أفضل الخيارات في هذا الوضع؟».

* الأدوار: شجع الأفراد على شحذ قدراتهم كمستمعين، وسطاء، أو حالِّين للمشاكل، اعتمادا على طبيعة النزاع. قل شيئا ما، مثل: «لماذا لا نقوم معاً بقضاء خمس دقائق لوضع خيارات، ثم ندرسها في ما بعد لإيجاد الخيار المطلوب؟».

* ولمزيد من المعلومات والمصادر المفيدة، يمكن الرجوع إلى الموقعين الإلكترونيين: www.beyond-reason.net www.pon.harvard.edu/hnp/ini