الرجال.. وتغيرات أواسط العمر

الاهتمام بالصحة واللياقة البدنية والنفسية ضرورة

TT

لِمَ كل هذه الضجة عن أزمة منتصف العمر لدى الرجال؟ ربما لتكريسها والضغط عليها والمبالغة فيها إعلامياً ودرامياً، حيث يجري تقديم الصورة النمطية لرجل في الأربعين من عمره، يتصابى ويتصرف مثل المراهقين برومانسية مفرطة وبعض اللاعقلانية.

لكن هل تظهر مثل تلك الشخصيات الخيالية في حياتنا؟ ان مرحلة أواسط العمر بالنسبة إلى الرجل والمرأة على حد سواء مرحلة حرجة ومهمة، ففي سن الأربعين يقع الطرفان بين جيلين مختلفين في كل شيء، يطالبانهما بالكثير، ويعتمدان عليهما نفسيا وعمليا. فالرجل والمرأة المتوسطا العمر يدعمان جيلين، احدهما الأطفال صغار السن، والثاني الكبار المحالون على المعاش، وبالتالي يصبح الزوجان مركز الاحتياج الذي يركز عليه الجميع.

معظم هذه التغيرات والظروف تحدث في محيط الأسرة، مثل ترك الأولاد للبيت، مرورهم بفترة المراهقة الحساسة جداً، ولادة الأحفاد وما يحيط بها من إثارة، دخول أزواج البنات وزوجات الأبناء إلى محيط الأسرة، الوفاة المتوقعة لأحد أفراد الأسرة المريض أو المُسن، والخوف من الإصابة بأي مرض قاس أو مزمن أو خطير. وأي من هذه الأحداث (او كلها)، كاف لأن يكون سببا مباشرا في أزمة حياتية تزيدها سوءا مرحلة أواسط العمر. غير أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار اختلاف طبائع كل فرد عن الآخر واختلاف القدرة على التكيف والتأقلم مع الظروف كافة.

في هذه المرحلة يبدأ الرجل وعيه بالزمن وإحساسه بالموت وبالحياة وتتبلور فلسفته وحكمته وبصيرته، وتبرز خبرته إلى حيز الوجود العملي، ومن الناحية الاقتصادية تتمثل المادة في مرحلة أوسط العمر بشكل أساسي، فتعني النقود ما يكسبه الإنسان بعرقه وكده أو بمهارته وحذقه.

في هذه المرحلة يصل البعض إلى درجة السأم وعدم الاقتناع بوظائفهم سواء كان ذلك ناجما عن ظروف خارجية تتعلق بالعمل والرؤساء، أو بسبب ظروف خاصة بالإنسان نفسه: حياته الخاصة، زواجه، الأولاد.. الخ.

وقد يعيش الرجل خائفاً من تأثير التطور التكنولوجي عليه وإمكانية أن يمسه بأذى شخصي مثل الاستغناء عن خدماته لصالح الكومبيوتر أو لصالح شباب يجيدون اللغة والتفاهم مع الآلات الحديثة.

تغيرات جسدية

* قد تحدث بعض التغيرات الجسدية، مثل ازدياد القابلية للإصابة بالأمراض، انخفاض الإحساس بالطاقة والحيوية، إحساس عام بالخمول والركود غالبا ما يكون سببه الكسل وعدم اللياقة البدنية نتيجة الإفراط في تناول الطعام والتدخين مما يؤدي إلى ظهور الكرش، وبطء الحركة.

ويرى بعض علماء النفس والفلاسفة أن مرحلة أواسط العمر هي بداية الحياة في معظم المجتمعات، حيث يحقق الإنسان أهدافه، ويصل إلى ما كان يصبو إليه من قوة ومكانة اجتماعية ونضج عاطفي واجتماعي، وللبعض تكون هذه المرحلة إيجابية جدا بمعنى ازدياد الثقة بالنفس، والإحساس العام بالسعادة وبالقدرة على إقامة علاقات متوازنة وناضجة مع أفراد الأسرة ككل، ومع المجتمع وأفراده بشكل عام.

من الناحية الأخرى قد يصاب الرجل في هذه المرحلة بتشاؤم ونظرة سلبية للأمور والإنشغال بالحياة والصحة والمرض إلى حد يعطله عن أداء دوره الأسري والاجتماعي، وهذه المرحلة يتعرض فيها الإنسان إلى سيل إن لم يكن طوفانا من الواجبات والالتزامات العامة والخاصة.

والجدير بالذكر أن الرجل الذي يكون عرضة للتعب والإرهاق قد يصل إلى حد الاكتئاب وهو ما يسمى مجازا بـ «اكتئاب النجاح» فإذا أخذنا كمثال، الطبيب المتخرج حديثا الذي قد يصاب باكتئاب ناتج عن الفرص المحدودة في بلده، ويتوتر سعياً وراء الذهاب إلى بلد غربي للدراسة العليا، فإذا نجح وتقدم فإنه سيتوتر بحثاً عن عمل مناسب، وإذا نجح وحصل على الشهادة التخصصية، فلربما أصيب باكتئاب النجاح بحثا عن الترقي الوظيفي أو التمزق ما بين العودة إلى بلاده، أو الإقامة الدائمة في البلد الذي تعلم فيه. وهكذا.. مع القوة والنجاح تكون المسؤولية، مسؤولية العمل والأسرة والأولاد والحي والمنطقة السكنية ومسؤولية سياسية حضارية في من سيتم ترشيحهم وانتخابهم ليمثلوا الناس، كما أن هؤلاء الذين يرشحون ويتقدمون للقيادة يكونون أيضا في أواسط عمرهم.

إن الشخصية والسلوك والقدرة على التعبير عن المشاعر وكيفية التعامل مع الآخرين، كلها عوامل تؤثر في مسيرة الإنسان بشكل عام، وبالتحديد في مرحلة أواسط العمر حيث يجابه بتحديات قد تخيفه، قد تهزمه وقد ينتصر عليها، لكن بعد مجهود وإرهاق نسبي قد يؤديان إلى التوتر والقلق وأحيانا الاكتئاب.

إذا كنت تقترب من منتصف العمر، استثمر هذا الوقت من حياتك (والله يعطيك طول العمر)، شجع أولئك الذين اصغر منك، واحك لهم عن قصتك وكفاحك وتعثرك ونجاحك.

العلاقات الحميمة ضرورة

* بشكل عام، ركز جهودك على هدف محدد، اهتم بمظهرك وبصحتك وبلياقتك البدنية والنفسية. حاول أن توازن بين مسؤولياتك داخل البيت وخارجه. لا تنس أن زوجتك رفيقة دربك معك في نفس الموقف، في مرحلة أواسط العمر. وتذكر أن العلاقات الحميمة بين الزوجين، وبينهما وبين باقي أفراد العائلة كافية لأن تحميهما من التوتر. والرجل أقل تعرضا من المرأة بشكل عام للتوتر النفسي في تلك المرحلة، إلا إذا هدد في حياته أو مستقبله أو وضعه المادي أو مرض مرضا خطيرا، ثم يجب ألا ننسى أن الرجل له علاقات عديدة ومتشعبة، فله أصدقاؤه وعمله ورفقاؤه: وله أيضا حيوية هذه العلاقات.

إن حيوية علاقة الزوج بالزوجة هي أهم شيء لحمايتهما معا من مخاوف أواسط العمر، فإذا كبر الأولاد وتزوجوا يجب أن يتماسك الزوجان بشكل أقوى حتى لا يصير الصرح هشا ولا يصير العش مهجورا. إن المسألة تعتمد على كلا الزوجين وعلى فهمهما المتبادل ودعمهما المعنوي وارتباطهما الروحي، حيث إن حبهما وارتباطهما أكبر ما يمكن أن يشد البنيان المرصوص على بعضه بعضا. وأن تعاونهما وتآلفهما هما الزقزقة والصرح المستمر في عش الزوجية في أوائل العمر وفي أواسطه وفي أواخره، بل في كل وقت <

* استشاري الطب النفسي، زميل الكلية الملكية للطب النفسي ـ لندن، زميل الأكاديمية الأميركية لطب السيكوسوماتيك (النفسي الباطني).

[email protected]