معركة أمراض القلب.. الانتصار لا يزال بعيدا

نمط الحياة والسمنة يقيدان فوائد العلاجات الطبية والجراحية الناجحة

TT

تتسبب أمراض الشرايين التاجية في حدوث النوبة القلبية، الذبحة الصدرية، وعدد كثير من حالات عجز القلب إضافة إلى الوفاة المفاجئة.

ولأن هذه الأمراض الأخيرة أضحت منتشرة في الولايات المتحدة حاليا، فإن الكثير من الناس يفترضون أن أمراض الشرايين التاجية هي نتيجة محتمة للتركيبة البيولوجية للإنسان، خصوصا للرجال. إلا أن هذا الافتراض خاطئ، لأنه يمكن درء حدوث 8 من كل 10 حالات على أقل تقدير.

حتى عام 1900 لم تكن النوبات القلبية شائعة كثيرا، إلا أن العقود الأولى من القرن العشرين الماضي شهدت زيادة في عددها. وبحلول عام 1921 أصبحت أمراض القلب من أهم أسباب الوفيات في الولايات المتحدة، وظلت تحتل هذه المرتبة منذ ذلك الحين.

* ما الأسباب الكامنة وراء هذا الوباء من أمراض القلب في أميركا؟

* إن التركيبة البيولوجية للإنسان لم تتغير، بل إن التغير طال سلوك الإنسان. وقد تصادف حدوث هذا الوباء مع انطلاق الإنتاج الواسع النطاق للسجائر وتسويقها، ومع الانتقال من الغذاء المنتج منزليا إلى الغذاء المنقى المصفى، المحتوي على كميات أعلى من الملح، والأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، ومع إدخال عناصر العمل التي تقلل من صرف الطاقة على الأشغال، التي حولتنا إلى مجتمع كسول.

كما تغير ميدان الطب أيضا، فقد تعلم الأطباء كيفية رصد عوامل الخطر التي تقود إلى حدوث أمراض الشرايين التاجية، وعلاجها، كما أنهم طوروا علاجات طبية وجراحية أدت إلى تحسين حالات المصابين بأمراض القلب إلى حد بعيد.

* تغيرات متفاوتة

* وبفضل التغيرات السلوكية والتدخلات الطبية هبطت أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب بنحو 56 في المائة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كما هبطت أعداد الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية بنحو 70 في المائة. وهذه عملية تبهج الروح.. ولكن هل يمكن إدامتها فعلا؟

وتفترض ثلاثة تقارير حديثة أن المعركة الوطنية الأميركية ضد أمراض القلب تتباطأ، بل إنها أضحت تراوح في مكانها. وقد وظف التقرير الأول حاسبة الخطر من دراسة فرامنغهام للقلب «Framingham Heart Study»، بهدف تقييم خطر مرض الشرايين التاجية على مدى 10 سنوات لدى الأميركيين البالغين الذين شاركوا في استطلاعات وطنية كبيرة في الفترات ما بين عامي 1988 و1994 وما بين 1999 و2002. وكانت النتائج مخيبة للآمال، إذ لم يسجل تحسن (أي تقليل) في الخطر الكلي عليهم خلال تلك الفترة التي شملت نحو عقد من الزمن.

أما الدراسة الثانية فقد رصدت الوفيات الناجمة عن أمراض الشرايين التاجية منذ عام 1980 حتى عام 2002. ولأول وهلة بدت النتائج مشجعة يشكل كبير، إذ ظهر أن عدد الوفيات تناقص بنسبة 52 في المائة لدى الرجال و49 في المائة لدى النساء. إلا أن التدقيق الصارم أظهر أمرا آخر، فللرجال بين أعمار 34 و54 سنة كان المعدل السنوي لتدني عدد الوفيات 6.2 في المائة في الفترة بين 1980 و1989، ثم تباطأ إلى 2.3 في المائة خلال الفترة بين عامي 1989 و2000، ثم تباطأ معدل تدني الوفيات هذا إلى 0.5 في المائة بين عامي 2000 و2002! ولم يسلط التقرير الثالث الأضواء على أمراض القلب، بل على السكتة الدماغية. ولأن السكتة الدماغية غالبا ما تحدث نتيجة تصلب الشرايين وتشترك مع أمراض الشرايين التاجية في الكثير من عوامل الخطر، فإن هذين المرضين اللذين يعتبران السببين الأول والثالث من أسباب الوفاة في الولايات المتحدة، يمكن تشبيههما بـ«التوأم الشرير» المهدد لحياة الأميركيين.

وكما هوا الحال بالنسبة إلى تدني أمراض القلب فإن التقدم الحاصل ضد السكتة الدماغية بدأ يصل إلى ذروته، فقد وجدت دراسة شملت 1.3 مليون شخص تحسنا في حوادث السكتة الدماغية أو الوفاة بسببها بين أعوام 1993 - 1994 و1999.

* سلوكيات ضارة

* ولا ينبغي هنا إلقاء اللوم في هذه المعدلات على أطباء القلب والأوعية الدموية، فقد شهدت التسعينات من القرن الماضي ظهور أنواع جديدة من نظم التصوير لتشخيص أمراض القلب، وإنتاج أدوية الستاتين لخفض الكولسترول، وتطوير دعامات جديدة لفتح الشرايين المسدودة.

ولكن إن كان الأطباء يدفعون بعجلة التقدم إلى الأمام، فإن أفراد الجمهور لا يفعلون ذلك. ففقد قرعت دراسة نشرت عام 2009 ناقوس الخطر عندما طور الباحثون خمسة معايير بسيطة لتحديد أقل خطر لظهور أمراض الشرايين التاجية، وهي: عدم التدخين حاليا، وجود ضغط دم اعتيادي من دون تناول أدوية له، وجود مستوى للكولسترول الكلي أقل من 200 مليغرام/ ديسيلتر من دون تناول أدوية له، الشخص غير بدين أو سمين، الشخص غير مصاب بمرض السكري.

وفي استطلاع كبير للبالغين أجري بين عامي 1999 و2004 ظهر أن 7.5 في المائة من السكان فقط لديهم عامل خطر قليل. إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه النسبة تمثل تدهورا واضحا بالمقارنة بالفترة ما بين 1988 و1994 عندما كانت قد وصلت إلى 10.5 في المائة.

وقد يبدو تدهور نسبة الأميركيين الذين لديهم خطر أقل للإصابة بتلك الأمراض، مدهشا، خصوصا مع تدني أعداد المدخنين وتحسين مستويات الكولسترول. إلا أن السمنة زادت بالمقابل بشكل متواصل خلال التسعينات من القرن الماضي، وتبعها ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري. وبما أن تلك الدراسة شملت البالغين من أعمار 25 إلى 74 سنة فإنها أهملت حساب الزيادة الهائلة في سمنة الأطفال، وهي عامل يمكنه التنبؤ بشكل جيد بالسمنة لدى البالغين وبحدوث أمراض القلب والأوعية الدموية.

وهذا يعني حدوث مشكلات أكثر في المستقبل، اللهم إلا إذا بدأنا بتغيير السلوكيات ونمط الحياة واتبعنا خطوات أفضل للوقاية من النوبة القلبية، والسكتة الدماغية، والسكري، والسرطان، والتهديدات الخطيرة الأخرى لصحتنا وحياتنا.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا».