تبادل تعاطي الدم بالمحاقن.. تأثير وهمي ومخاطر قاتلة

صرعة جديدة بدأت في الزحف بين مدمني الهيروين بشرق أفريقيا

TT

أثارت دراسة أميركية نشرت أخيرا بدورية علمية متخصصة هلعا وقلقا في الأوساط العلمية والإعلامية، حيث تناولت بحثا استمر لنحو خمسة أعوام بناء على ما سبق أن أثارته إحدى الطبيبات عام 2005 في ملاحظتها إبان عملها في منطقة شرق أفريقيا، من «استعارة» بعض مدمني الهيروين لجرعات من دماء مدمنين آخرين للتغلب على الأعراض الانسحابية بين أولئك المدمنين ممن لا يقدرون على شراء المخدر في دول تقع بشرق القارة السمراء، على سبيل مشاركة شعور النشوة المقترن بتعاطي المخدر.

واهتم الكثير من الدوائر الإعلامية بالدراسة المنشورة حديثا بدورية الإدمان Addiction Journal، حيث تناولتها عدة صحف أميركية مثل «نيويورك تايمز» في عددها الصادر في الثاني عشر من يوليو (تموز) بمزيد من الاهتمام في مقال للصحافي دونالد ماك نيل، كما أشارت إليه شبكة تلفزيون نيودلهي الهندية، إضافة إلى الكثير من المواقع الإنترنتية المختصة والمهتمة بمعالجة الإدمان.

* تبادل الدم

* وكانت البروفسورة شيريل ماك كردي، الأستاذة المساعدة للعلوم السلوكية وطب الأسرة في جامعة تكساس الأميركية، قد حذرت في رسالة وجهتها للدورية البريطانية للطب منذ خمس سنوات، عن ملاحظتها لتنامي ظاهرة تخص تبرع بعض الفتيات من محترفات البغاء، في مدينة دار السلام بتنزانيا، ببعض دمائهن لصديقاتهن اللاتي اعتزلن المهنة قسرا نتيجة كبرهن بالسن، واللاتي لا يستطعن شراء المادة المخدرة، إذ تقوم تلك الفتيات بحقن أنفسهن بمخدر الهيروين، ثم إعادة ملء محاقن ببعض دمائهن وحقنها لزميلاتهن لمساعدتهن على التغلب على الأعراض الانسحابية المصاحبة للحرمان من تعاطي مخدر الهيروين.

وتؤكد ماك كردي أنها لا تعرف يقينا عدد ممارسات تلك الوسيلة، إلا أنها لن تفاجأ إذا علمت أنها تخطت الحدود التنزانية لدول أخرى قريبة نتيجة لعوامل حركة التنقل البشري بين دول شرق أفريقيا، وتشابه الظروف الاقتصادية الطاحنة بين تلك الدول، والتي قد تدفع بعض الأشخاص لتجربة مثل هذه الوسائل الرهيبة من أجل تحقيق «النشوة» المزعومة.

من جهتها، علقت الدكتورة نورا فولكوف، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإدمان - الداعم الرئيسي للدراسة الجديدة، أن الظاهرة تشهد رواجا - وإن كان ضعيفا - في عدة دول شرق أفريقية مثل تنزانيا وكينيا وجزيرة زنزبار. وبينما تعد فتيات البغاء المستخدم الرئيسي لتلك الوسيلة في تنزانيا، فإنها تستشري بين الرجال في زنزبار.

* مخاوف الأمراض المعدية

* وتشير فولكوف إلى أن المخاوف الرئيسية التي تقف خلف تلك الممارسات تتعلق بانتقال الأمراض الفيروسية المعدية، مثل الإيدز والالتهاب الكبدي الوبائي بأنواعه بين مستخدميها، وخاصة أن معظمهن من محترقي البغاء، وهي الفئة الأكثر عرضة عالميا للإصابة ونقل تلك الأمراض.

وعلى الرغم من كون الإصابة بالإيدز لا تشكل مشكلة قصوى بالشرق الأفريقي، إذ يمثل عدد المصابين ما بين ثلاثة إلى ما دون العشرة في المائة من تعداد سكانها، مقارنة بجنوب القارة السمراء التي يعاني ما بين 15 إلى 25% من سكانها من المرض، فإن مثل تلك الممارسات يتوقع لها في حال تفشيها رفع نسب انتشار المرض، حيث إن نسبة المصابين بالإيدز بين مدمني الهيروين تقدر بنحو 42%، وتتجاوز 64% في السيدات، اللاتي تعمل معظمهن بالدعارة.

ويعتبر العلماء أن المعادلة التي يمتزج فيها العمل بالبغاء مع إدمان المخدرات وتبادل كميات من الدماء هي معادلة قاتلة بكل المقاييس، إذ تجتمع فيها كل المقومات المطلوبة لانتقال مرض مثل الإيدز، مما قد يرفع نسب الإصابة بين تلك النسوة إلى 100% دون أي مبالغة.

ومن جانبهن، أشارت معظم الفتيات اللاتي قمن بتجربة الوسيلة المذكورة إلى أن الدافع الأساسي وراء ما يفعلن يتمثل في المشاركة الإنسانية والتعاطف مع زميلات سابقات فقدن مصدر دخلهن الرئيسي نتيجة الكبر أو المرض، أكثر من كونها دوافع وراء التمتع بنشوة المخدر.

وأكدت تقارير كثيرة انتشار ممارسات مماثلة في دول أخرى حول العالم مثل باكستان ودول بأميركا الجنوبية وأخرى تنتمي لمنطقة البلقان، ولكن التقارير لا تحمل أرقاما مؤكدة عن أعداد المنضوين تحت لواء تلك الممارسات.

* انتشار جغرافي

* ومن جهة أخرى أشارت آراء طبية إلى أن تلك الممارسات الخاطئة مبنية على الوهم، إذ أن الكميات الضئيلة من المخدر التي قد يحتويها دم المتبرع لا تكفي على الإطلاق لتنشيط إحساس النشوة، ولكنه تأثير وهمي يشعر به المتلقي عقب الحقن بمحقن تم استخدامه – في الأغلب – من قِبَل المدمن الأول لتلقي جرعة الهيروين قبل أن يسحب به بعض دمائه لإعادة استخدامها، مما قد يجعل بعض النذر اليسير من المخدر يعلق بالمحقن.

ويشير البروفسور جيمس أوبوشون، رئيس الاتحاد الأميركي لبنوك الدم، إلى أن كمية الدماء المنتقلة بين المدمنين لا تمثل خطرا يذكر من حيث الوفاة جراء عدم تطابق الفصائل مثلما يحدث في عمليات نقل الدم، ولكنها تحمل «مصيبة» عظيمة في حالة وضع الإيدز أو غيره من الأمراض المعدية في الاعتبار.

وتؤكد تقارير أمنية أن تجارة مخدر الهيروين شهدت تناميا مطردا في العقد الأخير بمنطقة موانئ شرق أفريقيا، نظرا لوقوعها على خط التجارة الدولي للمهربين، وتلقي رجال العصابات الأفريقية التي تساعد في التهريب لعمولاتها في صورة عينية «من المخدرات» في الأغلب بدلا من الأموال، إضافة إلى انخفاض أسعار المخدر بنحو 90% عن أسعاره السابقة.

وتشير تقارير أممية حديثة إلى أن انتشار أمراض مثل الإيدز في شرق أفريقيا يعد بمثابة قنابل موقوتة، إذ أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في مثل تلك المناطق تدفع الآلاف للهجرة، وأكثرها غير شرعية، لمناطق أخرى مثل إسرائيل، عبر السودان ومصر وليبيا واليمن، في طريقهم إلى أوروبا أو أميركا، وهو الأمر الذي قد يهدد العالم بأسره وليست مناطق محدودة بالقارة السمراء فقط.