شابات لبنانيات يؤسسن أول تجمّع للتصوير الفوتوغرافي

يسعين لجذب الاختصاصيين واستكشاف بلادهن بالعدسة

مجموعة من الصور التي التقطت في مناطق لبنانية مختلفة من بينها صورة لسيدة حجار (يمين) وكارمن كولداليان («الشرق الأوسط»)
TT

حين التقى بضع شابات لبنانيات في الجامعة الأميركية في بيروت في دورة سريعة لتعلّم أصول فن التصوير الفوتوغرافي، لم يشأن لحماسهن أن يتلاشى مع انتهاء الدروس. لم يردن للتقنيات التي تعلّمنها أن تتبخر بفعل النسيان، فقرّرن متابعة المشوار عبر تأسيس مجموعة «Picture the moment» على موقع «فيس بوك». وهو النادي الأول للتصوير الفوتوغرافي في لبنان الذي يجمع الهواة ويسعى إلى جذب الاختصاصيين والتلاميذ بهدف تبادل الخبرات عبر الاطلاع على الصور وانتقادها وتحليلها. إنما أهمّ ما يقوم به هذا النادي هو تنظيم رحلات تصوير إلى مناطق سياحية أو مناطق تتمتّع بجاذبية ما. فكلّ أسبوع أو أسبوعين تختار الشابات منطقة لبنانية لـ«استكشافها بالعدسة». إحدى المؤسسات كارمن كولداليان في لقاء مع «الشرق الأوسط» تقول: «كان همّنا ألا تبهت المعلومات التي حصلنا عليها في الدورة التي جمعتنا لبضعة أسابيع. لذلك كان من الطبيعي أن نبحث عن طريقة لمتابعة ممارسة هذه الهواية بشغف. جلسنا معاً وناقشنا احتمالات عدّة، وفي النهاية اتفقنا على متابعة النمط نفسه الذي اعتمدناه في الجامعة وهو القيام برحلات مشتركة إلى مناطق معيّنة والتقاط الصور. ومن ثم تفريغ ما جمعته عدساتنا والاجتماع لمناقشتها وانتقادها بهدف التعلّم من الأخطاء التي نرتكبها. كذلك فإن الاطلاع على صور الآخرين يساعد في تنمية حاسّة النظر. فلكلّ منا طريقته في مقاربة الأشياء». لماذا موقع فيس بوك؟ تجيب كارمن وهي من أكثر المتحمّسات لتعزيز عمل المجموعة: «لأننا وجدنا أنه الطريقة المثلى للبقاء على تواصل. فلكلّ منا وظيفته وانشغالاته، لكن في الوقت نفسه حين نعود إلى منازلنا نتفقّد هذا الموقع لمعرفة أخبار الآخرين. والاهم أننا وجدنا في هذا الموقع مطلبنا، أوّلا لأنه يتيح لنا تأسيس مجموعة والإعلان عنها والترويج لنشاطاتها بسهولة مما يسمح بالتعرّف إلى الكثير من الأشخاص الذين يتمتّعون بالشغف نفسه. ثانياً لأنه يسمح بتحميل الصور وترك الملاحظات حولها، أي التفاعل مع الأعضاء. فما إن مرّت بضعة أيام على تأسيس الفريق الذي لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة حتى وصل عدد المنضمّين إلى 300 شخص، وجميعهم من الأصدقاء». وتلفت سيدة جبرا، وهي أيضاً من مؤسسات هذه المجموعة، إلى أنه «ليس المطلوب كثافة المشتركين، بل جذب الراغبين في ممارسة هذه الهواية بشغف. فأهمّ ما في الموضوع هو الشغف، شغف الصورة وشغف اكتشاف الأماكن من زوايا مختلفة». تعلّق زميلة لها بحماسة لافتة: «نعم، هذا المطلوب. فعندما بدأت التصوير كنت أحبّ التقاط مناظر طبيعية لأشجار ومنازل وغيرها. أما اليوم فبتّ أعي أننا نعثر في التفاصيل على الكثير من الصور الجميلة. ويكفي أن نعير الأماكن الأهمية التي تستحقّ، أن ننصت إليها، أن نتركها تأخذنا إلى حيث تريد».

ولكن لماذا الرحلات المشتركة؟ تقول كارمن: «التصوير يحتاج إلى مزاج. لا نضغط الزر كيفما كان. فأحياناً حتى وإن صودف مرورنا في أماكن معيّنة ومعنا كاميرا، لا نجد الوقت أو لا نشعر بالدافع للتصوير. لكن حين نخرج معاً في رحلات، نتعرّف إلى أماكن جديدة ونكتشفها بالعدسة، أو حتى حين نزور أماكن نعرفها، نقاربها بطريقة مختلفة. يشجّع بعضنا بعضاً ونمضي أوقاتاً مسلّية ومثمرة في آن واحد. فهدفنا التسلية، لا تحقيق أي أرباح، لذلك لا نفرض أي بدل على الراغبين في الانضمام إلى مجموعتنا والمشاركة في نشاطاتها. كذلك، حين نتوزّع اثنتين اثنتين، تقوم إحدانا بمحادثة أحد الأهالي فيما تعمل الثانية على التقاط صور تبرز ملامح الوجه وتعابيره بعفوية وتلقائية. فتكون الصورة بمثابة عمل جماعي نتوخّى الوصول إليه. وهذا ما حصل في الرحلة الأخيرة لمدينة البترون (على الساحل الشمالي) حيث التقينا رجلا مسنّاً. راحت إحدانا تحدّثه فيما كنت ألتقط صوراً له من دون أن تثير الكاميرا ارتباكه. والأهم أننا بهذه الطريقة نطّلع على أخبار طريفة يرويها لنا المسنّون، أخبار تتعلّق بلبنان العابق بالتراث والتقاليد التي اندثر معظمها».

وتضيف: «حين أسسنا المجموعة، كان همّنا مواصلة ممارسة هوايتنا. ولكن حين بدأنا اكتشفنا أننا نقوم بنشاطات سياحية من نوع آخر. فكما هناك نواد تنظّم رحلات للمشي في الطبيعة، وأخرى تهتم بإقامة المخيّمات الصيفية، نحن همّنا اكتشاف البيئة الجبلية والمدينية. ونعير الأماكن المعرّضة للزوال اهتماماً خاصاً، فبالعدسة نؤرشف معالم تتعرّض للانحسار نتيجة المدّ العمراني. فالصورة هي وسليتنا للاحتفاظ بالأماكن الجميلة».

ترى مدرّسة الجغرافيا والتاريخ والتربية المدنية رين بجاني في رحلات هذه المجموعة «وسيلة ممتازة لتدريس التلاميذ. ففيما كنت أحتاج إلى ساعات لأشرح لهم عن الحضارة الفينيقية وآثارها، بدت رحلة واحدة كافية لتلقينهم ما يجب أن يعرفوه».

بحماسة لافتة تتحدّث الشابات ويخطّطن لتنمية مجموعتهن بنهم. ويبدو أن التخطيط للسياحة التصويرية خارج لبنان سيعلن عنها قريباً على موقعهن. كما أن إقامة معرض جماعي لن تكون محطة بعيدة. أما من يرغب في الانضمام إليهن فلا يحتاج إلا إلى اصطحاب شغفه وكاميرته.