«هارت بيت».. لتخفق قلوب الأطفال بسلام

أسسها أطباء لبنانيون يعزفون ويغنون ويستقطبون الملايين لحفلاتهم

درجت الجمعية منذ تأسيسها على إقامة حفلات موسيقية يتولى الأطباء والأعضاء إحياءها بأنفسهم، يرقصون ويعزفون ويغنون («الشرق الأوسط»)
TT

500 طفل يولدون سنويا مصابين بعاهات قلبية في لبنان. لا يصل منهم إلى المستشفيات أكثر من 150 حالة. أما الثلاثمئة والخمسون فمصيرهم يبقى مجهولا أو بالأحرى محتما ذلك أن الموت قدرهم ما لم يخضعوا للجراحة المناسبة.. ومن الـ150، فئة غير قادرة على تلقي العلاج المناسب بسبب عقبات مادية رغم أن الضمان الصحي أو وزارة الصحة أو جهات ضامنة أخرى، تتولى تغطية نحو 80 في المائة من التكاليف. والسبب ارتفاع كلفة عمليات القلب بالنسبة إلى متوسط الدخل الفردي، ذلك أنها تتراوح بين 10 آلاف دولار و15 ألفا لما تتطلبه من تجهيزات غير موجودة إلا في أربعة مراكز صحية في لبنان. فالحصيلة إذن أكثر من 450 «ملاكا» يسقطون كل سنة، بسبب غياب الوعي لخطورة المشكلة وعدم التوجه إلى الاختصاصيين من جهة وضعف القدرات المالية لدى ذوي هؤلاء الأطفال من جهة أخرى.

فكانت «هارت بيت ـ سلسلة الأمل»، جمعية أسسها عدد من الأطباء اللبنانيين في يوليو (تموز) 2005، تضم نحو 50 عضوا منهم 12 طبيبا، وتعنى بمعالجة الأطفال الذين يعانون تشوهات خلقية في القلب «لأننا نرفض أن يموت طفل بسبب مشكلات مالية بين المستشفى والجهات الضامنة أو بسبب أزمات مادية يعانيها ذووه. فإذا خضع الطفل للجراحة مباشرة بعد الولادة، يشفى نهائيا ولا تطرأ عليه بشكل عام مضاعفات، بعكس الراشدين الذين يصابون بأنواع أخرى من أمراض القلب التي تسبب أعراضا واشتراكات بعد فترة من الجراحة»، يقول أحد مؤسسي الجمعية، الاختصاصي في جراحة القلب الدكتور رمزي اشوش لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «الأطباء يجرون الجراحة من دون مقابل فيما يحسم المستشفى قدر المستطاع، وتتكفل الجمعية بالباقي إذا كانت إمكانات الأهل لا تسمح بذلك».

وتتبع «هارت بيت» جمعية «سلسلة الأمل» العالمية التي تعنى بمساعدة الأطفال المصابين بهذه العاهات في مختلف أنحاء العالم، فتستقدم بعضهم من دول فقيرة ومتخلفة وتعالجهم في دول متطورة أو تؤسس مراكز استشفاء في تلك الدول وتوفد أطباء من قبلها للمساعدة. وكان رئيس الجمعية آلان دولوش قد أشرف على تمرين أطباء لبنانيين وعرض عليهم التعاون مع الجمعية واستقبال أطفال من أفريقيا، لكن لتعذر الأمر ارتأى هؤلاء الأطباء تأسيس «هارت بيت» في لبنان.

أما عن الآلية المتبعة في الجمعية لقبول الحالات، فشرح أشوش أن هناك ثلاث لجان: الأولى طبية تتولى درس ملف الطفل من دون الاطلاع على هويته وتضع تقريرها، والثانية لجنة اجتماعية تطلع على الوضع الاجتماعي للأهل حرصا على إيلاء الطبقة الفقيرة أولوية المساعدة. واللجنة الثالثة، إدارية لكنها تضم أطباء وهي التي توافق على تبني الحالة بناء على التقارير المرفوعة إليها. «إلى الآن لم نرفض أي حالة» يقول أشوش، مشيرا إلى أن القرارات المتخذة مرتبطة بإمكانات الجمعية «فلا نستطيع تحمل جراحة توازي بكلفتها 5 جراحات لأننا بذلك نحرم أطفالا آخرين المساعدة. لكن هذا الأمر لم نواجهه بعد».

واللافت في هذه الجمعية أنها منذ تأسيسها، درجت على إقامة حفلات موسيقية سنوية يتولّى الأطباء والأعضاء إحياءها بأنفسهم. فيرقصون ويعزفون ويغنون وينجحون كل عام في جمع بين أربعة آلاف شخص وخمسة آلاف: «ارتأينا ألا نستقدم فنانا لأن ذلك لما كان سيستقطب هذا العدد. وتعمدنا الابتعاد عن النشاطات التقليدية لئلا يشعر الناس بواجب التبرع. نريدهم أن يمضوا أوقاتا ممتعة لا أن يسجلوا حضورهم فحسب. كذلك إن جهدنا الشخصي يختزل الكثير من الأعباء المادية»، يقول أشوش الذي، إضافة إلى عمله الطبي، يهوى الموسيقى والغناء ما «سهل الأمر عليّ في العام 2006 فكانت غالبية الألحان مسجلة لديّ على الكمبيوتر»، واليوم سيتولّى الإدارة الموسيقية للمسرح. كذلك، ليس غريبا أن يكون «مايسترو» الجمعية، أحد مؤسسيها الاختصاصي في أمراض العظم الدكتور أسعد حبيب، ذلك أنه يهتم بالتوزيع الموسيقى بفضل مواهبه المتعددة، فهو يعزف على الفلوت والغيتار والكيبوردز.

هذه الحفلات توفر للجمعية «نحو 60 في المائة من تمويلها لتتكفل جمعية الوليد بن طلال بتغطية الأربعين في المائة المتبقية»، بحسب ما أفاد أشوش وقال: «في عام 2006 أقمنا حفلة كبيرة في مركز بيال في وسط بيروت. ونجحت في استقطاب 5000 شخص ما أعطى زخما قويا لانطلاق الجمعية. وفي عام 2007، نظمنا حفلة في الهواء الطلق في منطقة فقرا. أما هذه السنة فتوجهنا إلى كازينو لبنان حيث كان من المقرر أن نقيم حفلتين كما فعلنا السنة الفائتة، لكن بسبب الإقبال الكثيف على شراء البطاقات جددنا ليلة ثالثة. ومن المتوقع أن يصل مجموع البطاقات المباعة إلى 5000 أو 6000».

ولفت إلى أن نشاط «هارت بيت» يزداد سنة بعد سنة ذلك أنها «في عام 2006 تكفلت بعلاج 70 طفلا، و130 طفلا في عام 2007، ليصل العدد إلى 150 طفلا في عام 2008. والعلاج الذي نقدمه يتراوح بين إجراء الجراحات المطلوبة والتمييل».

في عام 2006، عزف الأطباء وأعضاء الجمعية وغنوا من أعمال جاك بريل وويتني هيوستن وشارل ازنافور واندريا بوتشيللي وفرانك سيناترا وفرقة «ابا» السويدية وتوم جونز وغيرهم من الفنانين الغربيين الكبار. وهذه السنة يقدمون عرضا مسرحيا غنائيا بالفرنسية والانجليزية، منتقى من 8 أفلام ومسرحيات عالمية، منها «ستارمانيا»، «روميو وجولييت»، «ماما ميا»، «لي ميزيرابل» (البؤساء)، «هير»... اختاروا من كل عمل 4 أغنيات سيتولى تقديمها 8 مغنين، بالإضافة إلى جوقة تضم 15 مراهقا، اعتاد الناس التصفيق لهم بحرارة كل عام، فضلا عن الراقصين، ليتخطى بذلك مجموع المتطوّعين لإحياء هذه الأمسية ثلاثين شخصا. ويبدو أن نفاد التذاكر خير معبّر عن إيمان الناس بعمل هؤلاء المتطوّعين وحماسهم لمساعدة الأطفال.