«الحناء» عنوان للفرح في جازان

حجوزات «النقاشات» بدأت منذ الصيف الماضي

استعدادات مبكرة لموسم الأعراس في جازان خلال فصل الصيف المقبل («الشرق الاوسط»)
TT

بدأت الأسر في جازان التأهب والاستعدادات المبكرة لموسم الأعراس خلال فصل الصيف القادم منذ الآن، وتواكب ذلك مع تداول الأهازيج المحلية التي تطلقها الفتيات في الطقوس المصاحبة لأيام الزواج خاصة ليلة الحناء كأهم ليالي الزواج.

«حنا يا حنا ... يا ورق النبات يا محلي الحنا على إيدين البنات».. «يا محمد يا أبو حطه من وين صايد هالبطه». وغيرها من الأهازيج المحلية لليلة الكبرى.

ليلة الحناء باعتبارها من أهم الليالي في سلسلة أيام الفرح تسبق عادة باحتفالات خاصة بأسرة العروسين الذين يجتمعون في بيت واحد، وتجري الاحتفالات في مكانين منفصلين للرجال والنساء، وتبرع المرأة الجازانية في هذا الفن الموغل في القدم باعتبار أن الحناء عنوان للفرح، التي دخلت في كثير من الأغنيات والأمثال الشعبية المتواترة جيلا بعد جيل.

وتبدأ متخصصات نقش الحناء في التناوب على أيادي الفتيات والنساء بأشكال مختلفة تسودها الحمرة الضاربة إلى السواد، وتظهر براعة «النقاشات» المحترفات اللاتي يتم حجزهن من فترة طويلة قبل ليالي الفرح الكبيرة.

وتصل مكاسب المختصات خلال الموسم إلى أرقام كبيرة، ويتراوح سعر تخضيب اليد الواحدة للبنت الصغيرة بين 50 إلى 200 ريال. وتجهيز حنة العروس يبدأ من 1000 ريال وحتى 3000 في بعض الأحيان، وقد يصل عدد الواقفات في انتظار دورهن في بيت الفرح الواحد أكثر من 50 امرأة وفتاة يدخل فيها الأهل والجيران والمعارف، وتقدر مكاسب «النقاشة» سنويا بأكثر من 200 ألف ريال.

وتختلف فنون النقش وفقا لاختلاف المكان داخل المنطقة؛ فنقوش الحناء في مدينة صبيا وما حولها تختلف عن النقوش في مدينة جيزان وما حولها، وهذا ما أكدته «الحناية» أو «النقاشة» الشهيرة نجاة علون، التي تعمل مدرسة في محو الأمية، وقد ذاع صيتها بين النساء في منطقة جازان بأكملها.

علون قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها بدأت مزاولة هذا الفن المربح منذ 20 عاما، وقالت «أحب التنقيش ولقيت مساعدات من أخواتي في العمل في هذا المجال، وأعتبر أن سبب نجاحي هو إتقاني لعملي وذوقي في اختيار النقش لزبائني، إلى جانب أسعاري المناسبة سواء كان في الأيام العادية أو في أيام المناسبات».

وتواصل بالقول: «في بعض المناسبات إذا كانت أحوال أهل العروسة المادية لا تسمح بدفع مبلغ المال المطلوب مقابل نقش العروسة، أقدم عملي دون مقابل، والطلب دائما متزايد بحمد الله على النقوش، وتشهد هذه الأيام طلبا متزايدا على الخدمة، وقد بدأ الحجز عندي للإجازة الصيفية منذ الآن ودفع بعض الزبائن العربون ولا أستطيع الخروج خارج منطقة جازان بسبب ازدحامي الشديد في الأيام القادمة».

وحول منافسة أخريات لها قالت «المثل يقول لولا تعدد الأذواق لبارت السلع وأنا لا أحب منافسة الأخريات ولا أركز عليها فلكل نقاشة ذوقها الخاص ولونها المميز، ويشهد مجالنا دخول منافسات جدد كل يوم».

وأضافت أن المرأة الجازانية عرفت منذ القدم بتفننها في وضع الحناء بأشكالها المختلفة، فلم تتقيد المرأة الجازانية بوضع الحناء في الأعراس، بل تضعه في كل وقت، إذ ليس لها وقت محدد في ذلك، ولا تضع المرأة الجازانية الحناء من نوع واحد بل الحناء في جازان نوعان وهي الحناء السوداء وتسمى «العفص»، والحناء الحمراء وهي الحناء العادية، وهناك أنواع متعددة للنقش بالحناء مثل الورود والهندي واللازوردي والعماني والطاووس والجوري, ولكن النقش الهندي والجوري أكثر الأنواع تفضيلا عند النساء. ومدة النقش العادية تستغرق ساعة تقريبا. أما مدة نقش العروس فقد تصل نصف يوم تقريبا.

وبينت علون أن استخدام الحناء ليس في النقش فقط بل في معالجة تساقط الشعر عند الرجال والنساء، والبعض يستخدمه كقناع مرطب للبشرة يعمل على إزالة الخلايا الميتة. وكما هو معروف فالحناء أعشاب طبيعية تجفف وتطحن حتى تصبح ناعمة وتخلط بمواد كيميائية وطبيعية مختلفة.

من جانبها، قالت حليمة أحمد الطالبة في إحدى الكليات إنها تحب الرسم بجميع أشكاله، وكانت تنقش لأخواتها وقريباتها في أيام المناسبات، فاقترحت إحداهن عليها العمل كناقشة محترفة في أيام العطلات والمناسبات، لأن بعض البنات ليس لديهن الموهبة، وأيضا لتزايد الطلب على «المنقشات»، على حد قولها.

وقالت «بدأت العمل كنقاشة، أذهب إلى بيوت المناسبات وأخرج بمبلغ لا يقل عن 500 ريال في المناسبة الواحدة، وتزيد في بعض الأحيان إذا كان النقش للعروس، فالمبلغ يزيد عن 1500 ريال، لأن نقش العروس مرهق ويستغرق وقتا يقارب 12 ساعة، أو أكون مساعدة لمنقشة العروس فيكون ما بين 5 إلى 6 ساعات.

وقالت حليمة إن المنافسة في النقش مستمرة مع تزايد عدد المنقشات في المنطقة، لأن بعض المنقشات أخذت المهنة كفائدة للمال ولمساعدة أسرتها، ولكن الوضع يختلف من مدينة إلى مدينة، ففي بعض المناسبات تقوم العائلات باستقدام «منقشة» من منطقة بعيدة بسبب سمعتها الجيدة.

وأضافت علون أن سعر الحناء أصبح عبئا على البعض في المجتمع الجازاني، فبعد أن كان سعرها لا يتجاوز 500 ريال وصل الآن إلى 1500 ريال وترتفع أجور «المنقشات» ليلة العيد لتصل إلى مئات الريالات.