القبعات في البلقان بين الضرورة والأناقة

الإقبال على التركية منها قل بشكل كبير إلى درجة الانقراض

محمد هرابوفيتش، الستيني، تعلم المهنة من والده منذ الطفولة ومتجره يزوره المشاهير من السياسيين والفنانين («الشرق الأوسط»)
TT

يتربع محمد هرابوفيتش، أو ميهو، كما ينادونه، على عرش صناعة القبعات والطواقي والطرابيش في البلقان، بعد انسحاب الكثيرين من هذا المجال الذي لم يعد له سوق كبيرة، كما كان الحال في السابق. ولمحمد محلات في البوسنة وكرواتيا ومقدونيا ونوفي بازار، التي رحل عنها والده في 1912 ليقيم مصنعاً للقبعات والطواقي المختلفة. ظل المصنع في سراييفو حتى سنة 1947 حيث تمت مصادرته من قبل البارتزان ونقلوا معداته إلى صربيا كما فعلوا مع مصنع صناعة سيارات الغولف سنة 1992. ويؤكد محمد، 63 عاماً، على أن الإقبال على شراء القبعات والطواقي والطرابيش التركية (الاسطنبولي وغيرها) قد قل بشكل كبير إلى ما يقرب من الانقراض، حتى إن الكثيرين هجروا هذه الصنعة، وحولوا محلاتهم إلى أنواع أخرى من التجارة. وعن سر صموده بمفرده في صنعة هذا حالها قال «لا أريد أن أستخدم تعبير داروين، مخلفات التطور، ولكن القبعات لم تعد لدى الكثيرين مظهراً للأناقة كما كان في عقود سابقة، وإنما ضرورة للوقاية من الشمس في الصيف والوقاية من البرد في الشتاء لدى البعض، ولا سيما كبار السن ومن تساقط شعر رؤوسهم بفعل الزمن أو الوراثة أو الأمرين معاً». وعاد محمد للحديث عن مجد الصناعة الغابر «بعد مصادرة مصنعنا من قبل البارتزان، فتح والدي وأخي الأكبر ورشة لصناعة القبعات، ثم انضممت إليهم بعد ذلك، حيث كان عمري في 1947 عامين فقط، وأخي كان عمره 10 سنوات، وقد تعلمت الحرفة من والدي خلال 3 سنوات، وكنا نستخدم ما تبقى لدينا من معدات يدوية للصنعة، أي إننا بدأنا من الصفر، وأصبحنا فقراء بعد أن كنا من الأعيان». وعن فترة الخمسينات والستينات التي شهدت طفرة في مجال استخدام القبعات والطواقي بأنواعها قال «كانت القبعات موضة في بداية الجزء الثاني من القرن العشرين، وقبل ذلك أيضاً، وكان استخدامها يكاد يكون عاماً لا سيما في هذه المنطقة». ونفى أن يكون هناك شعب بعينه في البلقان يرتدي أكثر من غيره القبعات «الجميع كانوا يستخدمون القبعات، ولكن هناك إقبال على لون معين، ففي البوسنة مثلا يفضل البوشناق اللون البنفسجي أو لون الطرابيش التركية، والكروات يحبون اللون الأحمر ولا سيما النساء، والصرب يستخدمون اللون الأسود». وعما إذا كان لذلك مغزى ذكر بأن «التقاليد تلعب دوراً كبيراً في اختيار الألوان ثم الجنس والأعمار». ويقضي الرجل الستيني فصل الشتاء في متجره بسراييفو، بينما يتحول إلى سبليت في الصيف ليشرف على العمل في محله هناك. فقد انتقل إلى سبليت الكرواتية على البحر الأدرياتيكي سنة 1968 أي قبل أكثر من 40 سنة بحثاً عن آفاق جديدة لصناعته التي كان الطلب متزايداً عليها في ذلك الوقت، لكنها لا تزال حية حتى يومنا هذا رغم نقص الإقبال، كما أكد لـ«الشرق الأوسط». ويعتقد محمد أن فصل الصيف هو الفصل الذهبي لتجارة القبعات، حيث يتوافد السياح من كل حدب وصوب، ولا سيما من أوروبا والأميركتين وكذلك من البلاد العربية والدول الآسيوية. «في الصيف تمتلئ الشواطئ بالمصطافين ومنهم من يأتي من داخل البلاد والكثير منهم سياح أجانب فيشترون الطواقي والقبعات سواء لاستخدامها للوقاية من حرارة الشمس، أو شرائها للذكرى، والبعض يشتري قبعات وطواقي لاستخدامها في الشتاء». ويجني محمد في الصيف ما يفتقده في الشتاء لأن متاجر محمد هي الوحيدة في المنطقة. وعن حال التجارة التي يمارسها قبل وبعد الحرب قال «الحرب تركت آلاماً كبيرة في أعماق سكان المنطقة، هناك تغييرات كبيرة في السوق وفي اهتمامات الناس، وفي تركيبة المدن التي هاجر الكثير من أهلها وحل مكانهم آخرون قادمون من الأرياف وجهات أخرى وحتى دول أخرى مثل هجرة كروات البوسنة إلى سبليت حاملين معهم أضغانهم». وذكر أنه اضطر لإرسال أبنائه إلى لندن أثناء الحرب لإكمال دراستهم لأنه لم يستطع تسجيل أبنائه في المدارس الكرواتية لأنه مسلم. «في وقت الحرب لم أستطع تسجيل أبنائي في المدرسة بسبليت، فأرسلتهم إلى لندن وقد حصل ابني أدين على شهادة جامعية في الإدارة ونديم مدرب رياضي». وأشار إلى أن مبيعاته في سبليت تفوق مبيعاته في سراييفو على سبيل المثال. وعن الأكثر إقبالا على شراء القبعات، النساء أم الرجال، أكد أن «النساء يفضلن القبعات التي تشبه تلك الإيطالية، أما الرجال فيفضلون الرياضية، كاسكيت». وعن الزوار العرب أوضح محمد أن «الزوار العرب أثناء الحرب كانوا أكثر منهم بعد توقيع اتفاقات السلام، ولا سيما العاملين في المجال الإغاثي الذين كانوا يساعدون المهجرين من البوسنة، وكانوا يشترون الطاقيات لهم ولأبنائهم لا سيما في فصل الشتاء».

وعن زواره من السياسيين والفنانين والرياضيين قال «لديّ صور مع الرئيس اليوغسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو، وزوجته يوفانكا، والرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش، وكذلك رئيس وزراء كرواتيا الحالي إيفو سنادر ومحافظ سبليت، ومن الفنانين دينو مرلين، وكيرك داغلاس والرياضية مونيكا ساليس وغيرهم.