«الفروات» مهنة سورية يدوية تتوارثها الأجيال

تصدر لدول الخليج.. والطلب عليها من الأثرياء وأهل البادية أنقذها من الانقراض

الفرواتي السوري الدبساوي يعرض فروة من إنتاجه («الشرق الأوسط»)
TT

تميز العديد من الحرفيين اليدويين في العاصمة السورية دمشق والمدن السورية الأخرى، خاصة تلك القريبة من البادية كحمص وحماة ومعرة النعمان، بتحويل جلود الخراف البلدية إلى ألبسة يرتديها الرجال بشكل خاص وتسمى الفروة، وهي ذات حجم ومقاسات كبيرة تصل حتى ركبتي لابسها. ومنها أيضا الجاكيت العادي، وهذا غالبا ماترتديه النساء خاصة في البادية السورية إلى جانب الرجال.

وللفروات تسميات محلية متنوعة، منها الدشداشة والنصية، ويطلق على العاملين في هذه الحرفة بالفرواتية، الذين يتوارثونها أبا عن جد. وفي السنوات الأخيرة تعرضت حرفتهم اليدوية لمزاحمة المنتجات الصناعية، من فروات مصنعة آليا وبفرو صناعي، ولكن لم يتأثروا بهذا الوضع الجديد، بل ظلوا يعملون بشكل جيد، والسبب كما يؤكد بدر الدبساوي أبو عناد، 68عاما. الدبساوي، هو أحد أقدم العاملين في المهنة الفرواتية، وورثها أبا عن جد، كما ورثها لابنه عناد، الذي يعمل معه، يقول: إن السبب وراء ذلك يعود لوجود أسواق تصدير للفروات السورية الطبيعية إلى الخارج، وخاصة إلى بلدان الخليج العربي. والسبب الآخر الذي جعل مهنتهم تستمر هو حرص الكثير من الرجال خاصة في الأحياء الشعبية في المدن السورية والوجهاء وسكان البادية على ارتداء الفروات الطبيعية، كونها مرتفعة الثمن وتدفئ بشكل ممتاز في فصل الشتاء، وهذان السببان أنقذا مهنة الفرواتية من الانقراض. ويضيف الدبساوي، الذي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن مهنته وموادها الأولية قائلا: «تدخل في تصنيع الفروات جلود الخروف، حيث نشتريه من عند القصابين ونحوله إلى فروات، وكذلك نصنع منه مدادات توضع في صالونات الجلوس، في المضافات وفي بيوت الشعر على الأرض وعلى الكنبايات. وهناك أيضا من يضعها في السيارة على المقاعد حيث تعطي منظرا جميلا وتدفئ الجالس في السيارة.

ويخضع جلد الخروف لعدة مراحل، وجميعها يدوية، حتى يصبح جاهزا للحياكة والاستخدام. وهي يدوية أيضا على الرغم من وجود حياكات آلية، وكذلك بشارات آلية، ولكن المنفذة بالطريقة اليدوية تبقى هي الأفضل، فبعد حصولنا على الجلد نقوم بتمليحه وتنظيفه وتيبيسه ونتركه لحوالي شهر، ثم تأتي مرحلة الغسيل حيث ننقعه بالماء حتى يتحول إلى اللون الأبيض باستخدام الملح ومادة الشبة، ونخمره ليومين ثم ننشره بالشمس بعد ذلك، ونتركه عشرة أيام للراحة، ومن ثم نأتي به لمرحلة البشر، التي تستمر أسبوعا. بعدها يصبح جاهزا للتفصيل والتحويل لفروات أو موديلات أخرى».

ويستخدم أصحاب المهنة عددا من الجلود للحصول على فروة واحدة، فمنها ما يحتاج لعشرين قطعة جلد خروف أو أقل أو أكثر حسب نوعية الفروة والجلد. فهناك جلود لخراف كبيرة هرمة وهناك لأغنام، ولكن أفضلها وأثمنها هو جلد الخراف الصغيرة الوردية، وتحتاج الفروة الواحدة لتصبح جاهزة للبيع يوما واحدا أو يومين حسب مهارة وشطارة الحرفي. وتباع الفروات حسب أنواعها والجلود المستخدمة فيها، حيث هناك جلد ملص صغير ومنه ثلاثة أنواع أيضا. وهناك جلود تجارية مثل جلد الغنم الأنثى. وتتراوح أثمان الفروات مابين 2000 ليرة سورية وحتى 25000 ألف ليرة سورية (مابين 40 و500 دولار أميركي). وكلما ارتفع ثمن الفروة كلما كانت تدفئ أكثر وتعيش أكثر، وهناك مثل شعبي بدوي عن الفروات يقول «الدفا بجلد الطلي (الخروف) ولي ما يصدق يشتري».

وحول إمكانية منافسة الفروات الصناعية للطبيعية اليدوية قال الدبساوي: لا نخاف من منافسة الفروات الصناعية، على الرغم من أنها أرخص وتسد حاجة لفترة زمنية بسيطة، ولكن من يلبس فروة طبيعية لن يشتري صناعية قليلة الجودة، ولا تمنح لابسها دفء الفروة الطبيعية، حيث يشعر وكأنه يلبس قماشا فقط بدون صوف، ويبقى لكل منها زبائنها، حتى أن من زبائننا شباب ومن الجيل الجديد، على الرغم من أن الفكرة أن هؤلاء يبحثون عن الموضة والجلود المصنعة. وحول ألوان الفروات، يقول أبو عناد: اللون الدارج هو الأسود للقماش، ولكن يمكن أن نحضرها بألوان مختلفة مثل البني والبيج والكحلي، ولكن يبقى الأسود والحلي هو الدارج والمطلوب في سورية، وفي دول الخليج يرغبون اللون البني والبيج.

وحول العاملين بهذه المهنة يقول الدبساوي: حسبما أعلم فإن هناك الآلف يعملون بها ولم يتركها على مدى السنوات الماضية سوى 10 في المائة فقط، والبقية مستمرون بها.

وتتركز حاليا هذه المهنة، إضافة للعاصمة السورية دمشق، في مدينة معرة النعمان شمال البلاد، بعدما كانت الأشهر في هذا المجال مدينة حماة، حيث تنتج معرة النعمان لوحدها حوالي 100 ألف فروة، يصدرون منها الكثير للخارج. وحاليا توسع مجال العمل فيها، وأصبح فيها تخصصات، حيث هناك عدد من الشباب يعملون في بعض مراحل تحضير الجلود كالتمليح والتنظيف والغسيل، وهذا ما يريح الفرواتي، حيث يستلمها جاهزة للقص والحياكة.

والعمل الأساسي للفرواتية يكون في فصل الصيف، حيث يتم تحضير الفروات لفصل الشتاء، وفي فصل الربيع يحصلون على الجلود الوردية، ويتم في هذا الفصل تجهيز الجلود، ولذلك يظل الفرواتي مشغولا بكل الفصول لتحضير منتجاته اليدوية. وحول التطوير الذي يمكن أن يكون حصل على الفروات قال أبو عناد: حصل تطوير في نوع الزخارف (التخريج)، التي نحيكها على الفروة من الخارج، حيث نخرج الشربات (الوردات) من طرف واحد من الأمام، والبعض حاليا يطلب فروة تسمى جهيلية أي شبابية، حيث تكون الشربات من أربع وردات من أسفل الفروة. وكذلك تطور نوع القماش المستخدم، إذ كنا نستخدم في السابق قماشا يسمى فاصولين مصري، وهو قطني وأصلي، بينما حاليا دخل قماش من نوع السلكي الإنكليزي غالي الثمن، وتنخفض الأسعار مع الأنواع الأقل، حيث هناك الحلبي والهنغاري.