1200 شخص تقاسموا «طنجية» مراكش

قافلة ساحة جامع الفنا تعبر البحر إلى أوروبا

موكب «الطنجية» بساحة جامع الفنا بمراكش (تصوير: لحسن باخاشو)
TT

عاشت ساحة جامع الفنا في مراكش يوماً استثنائياً وهي تستقبل حدث الاحتفال بأكبر «طنجية» مراكشية، وهي العنوان الأبرز لمطبخ مراكش ضمن التظاهرة الفنية الضخمة لقافلة ساحة جامع الفنا، التي اختتمت بموكب الطنجية. وقال محمد باريز، أشهر حكواتي مغربي، ورئيس جمعية حرفيي الحلقة للفرجة والتراث بالساحة لـ«الشرق الأوسط»، إن «التظاهرة تبقى أهم حدث عرفته الساحة منذ سنوات طويلة، سواء من حيث أعداد الزوار أو مضمون وقيمة الحدث والأهداف المنتظرة من تنظيمه».

وفيما يخص إعداد أكبر «طنجية»، قال باريز «احتفت مدينة أكادير بأكبر طبق «كسكس» وأسفي بأكبر «طاجين»، وكان من غير الطبيعي ألا تحتفي مدينة مراكش بأكبر «طنجية». إن «الطنجية» هي العنوان الأبرز لمطبخ مراكش، وتنظيم الاحتفال بالساحة يؤكد مقولة «إن البطن حين تشبع تطلب من الرأس أن يغني». والغناء والفرجة هما روح ساحة جامع الفنا، على مر العصور».

وانطلق الاحتفال بـ«الطنجية» من أمام «فرن بلدي (فرناتشي)»، يوجد في «حي بريمة»، في عمق المدينة القديمة، قبل أن يقطع طريقه نحو الساحة، في موكب ضخم، تقدمته فرق كناوة المعروفة بأهازيجها وإيقاعاتها، قبل أن يحط الرحال بـ«عرصة البيلك»، المواجهة لنادي البحر الأبيض المتوسط. وتم توزيع «الطنجية»، التي بلغ طولها مترين وعرضها متراً واحداً، وتزن 75 كيلوغراماً. وخصصت للحدث 1200 تذكرة أكل بثمن 100 درهم، نفدت بالكامل قبل يوم من تاريخ الحدث. واختتم التظاهرة، ليلا، بسهرة نشطتها مختلف فرق الحكي والغناء بالساحة.

وتدل كلمة «الطنجية»، التي احتفت بها ساحة جامع الفنا، على معنى مزدوج، فهي إناء فخاري مصنوع من الطين المنتفخ، كما أنها وجبة من لحم الخروف أو العجل تخلط بها البهارات، وتطهى في الإناء ذاته، وتطمر تحت الرماد الساخن للفرن الشعبي. ويتفق الجميع على أن «الطنجية» المراكشية تبقى وجبة عجيبة وغريبة واستثنائية، ليس في مذاقها، فحسب، بل أيضاً، في أصولها وطريقة تحضيرها، فضلا عن أنها وجبة لا تطهى على نار مشتعلة ولا حتى هادئة، بل تطهى على ما بعد اشتعال وخمود النار، وبالتالي على دفء الرماد. وترتبط حكاية «الطنجية» المراكشية، بتاريخ المدينة الحمراء، المعروفة بصناعتها التقليدية. وفي الماضي، كانت مراكش تمتلئ بمعامل تقليدية عُرف كل واحد منها باسم «الفنيدقة»، كان يشتغل بكل واحدة منها ما بين 20 و30 صانعاً، كلٌ بحسب تخصصه. وكانت كل مجموعة من «الصنايعية» أو الحرفيين اليدويين، تكلف فرداً متخصصاً من بينها لكي يقوم بطهي وإعداد وجبات الأكل. ونظراً لعددهم، وطبيعة مداومتهم على العمل، ابتكروا أكلة «الطنجية»، التي لا تتطلب جهداً كبيراً من حيث التحضير. وكانوا إذا انتهوا من عملهم، مع أذان العصر، قاموا فغسلوا أيديهم وأفرغوا «الطنجية» في صحن خاص، قبل أن تمتد إليها أيديهم. وعرفت «الطنجية» المراكشية في البداية كأكلة يعدها الرجال ليأكلها الرجال، ولم تكن تهيأ خلال أوقات الدوام في معامل الصناعة التقليدية فقط، بل إن المراكشيين كانوا يغتنمون راحة يوم الجمعة للخروج إلى حدائق مراكش وفضاءاتها، التي كانت تحيط بالمدينة مثل حدائق «المنارة» و«أكدال»، للنزهة والترويح عن النفس، بعد أسبوع من العمل الشاق والمتعب. وتشترك «الطنجية» مع مراكش في أن لهما نفس النكهة، تقريباً، حيث تتركان لدى الزائر أو المتذوق طعماً خاصاً ومختلفاً عن كل ما شاهده أو أكله من قبل. وصار معروفاً أن كل من نزل بمراكش ولم يتذوق «الطنجية» فكأنه لم يزر المدينة أو يتمتع بنكهتها.

وقال باريز إن نجاح التظاهرة فاق كل التوقعات، سواء على مستوى قافلة ساحة جامع الفنا، التي زارت مدينتي الرباط والدار البيضاء، حيث قدمت عروضها بقصبة «الوداية» بالرباط وساحة «نيفادا» بالدار البيضاء، ما بين 30 مارس (آذار) الماضي و2 أبريل (نيسان) الجاري، حيث كان الاستقبال رائعاً، أو على مستوى احتفالات مراكش، حيث اختتم البرنامج بموكب «الطنجية» وسهرة ساحة جامع الفنا، يوم أول من أمس (السبت)، الذي صادف الاحتفاء باليوم الوطني للحلقة».

وقال باريز إن «قافلة ساحة جامع الفنا، التي قدمت عروضها في الرباط والدار البيضاء، بمشاركة أزيد من 80 «حلايقياً» يمارسون مختلف الأنشطة الفنية بساحة جامع الفنا، بهدف التعريف بساحة جامع الفنا، وتقريبها من عشاقها خارج المدينة الحمراء، ستعبر البحر نحو أوروبا لكي تقدم عروضها للمهاجرين والأوروبيين، من خلال جولة ستستغرق ما بين 30 و40 يوماً، وذلك بدعم من جمعية «صيف» للمدرسة العليا للتدبير بالدار البيضاء».

وأبرز باريز أن «التظاهرة حققت أهدافها، من جهة أنها أعادت الاعتبار لشيوخ الحلقة، وأكدت أن ساحة جامع الفنا هي ساحة الفن، قبل أي شيء آخر، وأن تصنيفها من طرف اليونسكو تراثاً شفوياً إنسانياً لم يكن اختياراً اعتباطياً، ولذلك قررنا أن نجعل الحدث تقليداً سنوياً، تخليداً لليوم الوطني للحلقة».