محاولات سورية ـ ألمانية لإعادة الحياة إلى مدينة «أثرية»

تتوسط البادية ولم يبق منها إلا قصر ومعبد

صورة لأثرية وقصرها التاريخي («الشرق الأوسط»)
TT

تسعى مديرية الآثار السورية العامة حاليا لإعادة الحياة إلى واحدة من أهم المدن الأثرية التاريخية السورية في أعماق البادية، وهي مدينة أثرية، أو أسريا، التي يعتقد العديد من المؤرخين أن عمرها من عمر سورية، حيث كانت تشكل قبل آلاف السنين مركزا حضاريا واقتصاديا هاما، خاصة وأنها تقع في وسط البادية السورية، تماما ما بين تدمر وخناصر وماري والفرات. ولم يبق من «أثرية» حاليا سوى بقايا قصر ومعبد ديني قديم. وأثرية ـ أو (إسريا) كما تلفظ في الوسط العامي السوري ـ تقع على الطريق الدولي الجديد الذي يربط العاصمة السورية دمشق بالبادية الغربية، وينتهي بمنطقة الرقة على ضفاف نهر الفرات شرق البلاد، مارا بمدينتي حمص والسلمية، حيث تتبع أثرية لمنطقة السلمية إداريا وتبعد عن العاصمة دمشق حوالي 300 كلم إلى الشمال الشرقي منها.

وكانت بعثة ألمانية ـ سورية مشتركة قامت بأعمال تنقيب في منطقة أثرية وقصرها القديم وقامت بأعمال مسح لها في عام 2007 وقد احتفلت البعثة المذكورة قبل أسابيع قليلة بإصدار كتاب توثيقي هام عن أثرية وما تبقى من منشآتها المعمارية خاصة القصر والمعبد.

وقالت مديرة شعبة آثار السلمية رانيا الخطيب التي يتبع قصر أثرية لإشراف شعبتها إن هناك دراسة من قبل مديرية الآثار العامة لاستملاك منطقة أثرية التي تتضمن المدينة القديمة التاريخية، خاصة وأن المدينة ما زالت جميعها أملاك دولة وليس هناك أي أملاك خاصة في المنطقة، وبالتالي من السهولة بمكان استملاك الموقع وإعادة إحياء المدينة التاريخية في أثرية. وحول ما تبقى من المدينة، قالت الخطيب: «هناك قصر أثرية وهو بوضع إنشائي ومعماري جيد خاصة أن آخر مرة رممته مديرية الآثار كان عام 1993 ويمكن مع إعادة الحياة للمدينة افتتاح القصر بشكل دائم أمام السياح والزوار حيث يتم افتتاحه حاليا من خلال زيارات مبرمجة لمجموعات سياحية أو باحثين ومن خلال حارس القصر الموجود في المنطقة».

وحول تاريخ وواقع أثرية وقصرها ومعبدها يعتقد بعض الباحثين ومنهم الباحث الراحل الدكتور عارف تامر أن التسمية قد تكون جاءت من اسم سورية حيث كانت تسمى أثرية (سيريانا) أي مركز سورية وأثرية المعروفة حاليا بوجود مناطق محميات رعوية للبدو الرحل ووجود بعض المؤسسات الحكومية فيها ما زال قصرها الأثري التاريخي رابضا وسطها ومجاورا للطريق الدولي الذي يعبرها إلى نهر الفرات.

ويتحدث الباحثون عن هذا القصر وعمارته قائلين إنه يتوسط مدينة خربة على أثرها وكانت محطة للقوافل التجارية عبر البادية السورية بين الجنوب والشمال وقد عرفت باسم (سرياني) واشتهرت شهرة واسعة جعل منها قيام معبد هام في القرن الأول الميلادي وهو ما يعرف اليوم بقصر أثرية، كما يقول الباحث كامل شحادة. ويتألف القصر من ثلاثة طوابق سقف الأول منه مبني من حجارة كلسية طويلة وسقف الثاني من الخشب مع وجود برجين داخله للحراسة كما يوجد درج لولبي يتألف من 40 درجة يوصل لأعلى البناء، أما الطابق الثالث فقد كان سقفه سناميا وبالأخشاب المغطاة بالقرميد. والقصر من الخارج يتميز بوجود عضادات مربعة من أصل البناء وبوجود تيجان كورنثية غنية جدا بزخارفها وفي واجهتي البناء الجنوبية والشمالية هناك شرفتا دفاع رشيقتين ومحراب كبير غير عميق للداخل محدث من أصل الجدار الشمالي، وفي الجهة الغربية من القصر هناك شرفة دفاع واحدة. أما أبرز ما في القصر فهناك وجهته الشرقية التي تضم مدخله الكبير يتقدمه رواق قائم على أعمدة ويزدان المدخل حتى أعلاه بنقوش نافرة وزخارف متنوعة غنية وبديعة تتوزع بمساحات كبيرة وعلى شكل أشرطة تمثل ورق الخرشوف (نبات أرضي شوكي) وسلاسل من حبيبات صغيرة وعروق نباتية منحنية ودوائر ومسننات دقيقة ويبرز على جانب المدخل من أعلاه للأمام كونسولان بطول 40 سم عليها امرأتان، ربما كانتا معبودتين في ذلك العصر، وهما فينوس إلهة الحب والجمال والأخرى إلهة الخصب والنمو تبدوان مكشوفتي الرأس ملتفتان برداء متموج متمايل من اليمين إلى الشمال.

الجميل في موقع مدينة أثرية التاريخي وما تبقى من معبدها وقصرها أنه في فصل الربيع وتحديدا في مثل هذه الأيام من شهري مارس (آذار)، وأبريل (نيسان) يتحول الموقع إلى منطقة رائعة، فعلى مد البصر يشاهد الزائر بساطا أخضر مع سماء زرقاء صافية حيث هناك أجمل النباتات الخضراء التي تنمو بشكل طبيعي، ومنها الشنان واليتنة والارطي والخزام والزمروق والاربيان وغيرها، مع ألوان أزهارها الرائعة الصفراء والبيضاء والحمراء والبنفسجية وغيرها، التي يمكن مشاهدتها هنا في أثرية وفي المواقع القريبة منها كمحمية وادي العزيب ومحميات أبوالنيتل وأبوالفياض ورسم الأحمر وغيرها، كما يمكن للزائر مشاهد الحياة البرية الفطرية في كل مفرداتها من قطعان الإبل التي تعبر أثرية بجوار القصر التاريخي وحتى أغنام العواس البلدية الشهيرة والأرانب البرية والثعالب وابن آوى وغيرها.