مخاوف في جنوب العراق من انقراض المضايف والدواوين بطرازهما السومري

شيخ عشيرة: انحسار القصب والبردي وهرم البنائين وراء استخدام الطابوق والأسمنت

جانب من مضيف في جنوب العراق («الشرق الأوسط»)
TT

تباينت آراء عشائر محافظات جنوب العراق حول تراجع بناء «المضايف والدواوين»، بتصاميمها المنقولة من نقوش ألواح الآثار السومرية واستبدال بنائها من القصب والبردي إلى الطابوق والأسمنت. ويرى البعض منهم أن استبدال مواد وتصاميم بناء المضايف والدواوين هو جزء من التطور المدني الذي كان مقتصرا على المدن لما توفره تلك الأبنية من خدمات حضارية كانت غائبة عن المجتمع العشائري، فيما يؤكد آخرون على أن المضايف والدواوين بالطراز الذي شيدت عليه من القصب والبردي، تمثل رمزا لعشائر الجنوب التي انفردت بها وموروثا له من الدلالات الاجتماعية والتربوية الفريدة، وأن تغيير تصاميمها واستبدال مواد بنائها بتغيير مسمياتها من المضايف إلى الديوانيات المعروفة في مدن شمال بغداد وفي الكويت على وجه التحديد، يسهم في التنازل عن وظيفة الكرم والضيافة العربية التي اشتهرت بها العشائر عبر تلك المسميات.

وقال سعد جلود، من عشيرة بني منصور، «إن العشائر العربية تعتز بمضايفها وتتفاخر بعددها وسعة أحجامها، وأنها جزء من موروث إنساني واجتماعي، حيث تستقبل كل طارق عبر أبوابها المفتوحة على الدوام، وتلزم أصحابها بكرم الضيف قبل السؤال عن هويته وحاجته، أما الديوانيات فلا يطرق أبوابها غير المدعوين من صاحبها»، مشيرا إلى أن «انحسار تلك الرموز من الأوساط العشائرية هو هدم لجزء من أركان القيم العشائرية الأصيلة»، مشددا «أن لا شيخ عشيرة من دون مضيف وديوان».

المضايف والدواوين معروفة الدلالة من خلال مسمياتها وعادة ما تشيد على مقربة من دار سكن شيخ العشيرة، وجرت العادة أن تبنى بواسطة قصب البردي ولها أقواس من القصب المضغوط يدويا يتراوح قطر الواحدة منها ما بين 50 إلى 70 سنتمترا وتسمى (أشباب)، وهي بمثابة الأعمدة التي يستند إليها المضيف، وهي عادة ما تتكون من عدة أشباب متقابلة منحنية مربوطة مع بعضها من الأعلى، حيث تكبر الشبة مع كبر حجم المضيف ويتم اختيار عدد أشباب المضيف حسب العادات العشائرية أو الدينية، والمضايف الكبيرة قد تمتد أحيانا لأكثر من خمسين مترا وقد يزداد هذا الطول وتكثر أعداد أشبابه للشهرة والذيوع.

وأوضح باسم ديوان، من عشيرة الزيرج، «أن بعض شيوخ العشائر برر عزوفه عن بناء المضايف بالطرق الموروثة مبررا ذلك بقلة وانعدام القصب والبردي، خاصة خلال سنوات تجفيف الاهوار وهرم الحرفيّين من بنائي مضايف القصب فقاموا بتشييد مضايف حديثة من الطابوق والاسمنت بدلا من مضايفهم القصبية القديمة وأثثت بالأرائك بدلا من السجاد المحاك يدويا، فيما قام البعض بتشييد مضايف مقوسة بالبناء الحديث، وزينت بالزخارف الفنية وانتشرت في إرجائها الثريات الكبيرة، وأجهزة التبريد والتدفئة، ومنهم من قام ببناء مضيفين أحدهما مفروش بالسجاد العربي والوسائد، وآخر على شكل صالة حديثة يستقبل فيها كبار الضيوف للتباهي والافتخار».

ويقول أكرم عبد العزيز، من عشيرة بني تميم، «إن للمضايف التقليدية التي ما زالت منتشرة تقاليد وأعرافا تبدأ من مكان الجلوس الذي يتصدره رئيس العشيرة ثم كبار العشيرة والوجهاء نزولا إلى الناس البسطاء وحسب المكانة الاجتماعية، وفيه يلتئم شمل أبناء القرية أو العشيرة، حيث يتوافدون إليها مساء كل يوم وفي الأوقات التي يسمعون فيها صوت الهاون الذي يستعمل لطحن القهوة وهو بمثابة دعوة للحضور، إما لعقد اجتماع لأمر طارئ أو وجود ضيوف كبار لدى شيخ العشيرة يتوجب حضور أبناء العشيرة، وأحيانا يوضع فانوس في مقدمة المضيف وهو بديل عن النار التي كان يوقدها القدماء لدلالة المستطرقين إليه ليلا».

وأشار عبد العزيز إلى أن المضايف والدواوين كانت وما زال قسم منها يعد مكانا لفض النزاعات وحماية الطريد والمستجير، تجري فيه الأحاديث وتبادل الآراء واستعراض المشاكل والهموم، ومكانا للتسامر المصحوب بفناجين القهوة العربية التي لا يخلو مضيف من مكان لموقد تحضيرها.