«سوق البالة» غدت مقصدا لمعظم الأردنيين.. نتيجة للأزمة العالمية

ميسورون يرتادون محلات الملابس المستعملة في عمان بحثا عن الماركات

محلات التصفية و«البالات» والبسطات تستقطب شرائح واسعة في الأردن («الشرق الاوسط»)
TT

ظلت «سوق البالة» (الألبسة المستعملة) في العاصمة الأردنية عمان لأجيال مقصد الفقراء والمعدمين دون غيرهم. ولكن بالرغم من ازدراء بعض فئات الشعب الأردني لفكرة شراء الملابس المستعملة ونفورها منها، تضافر عاملا الغلاء من جهة وجودة نسبة لا بأس بها من معروضات محلات الملابس المستعملة من جهة ثانية، لدفع العديد من الميسورين إلى منافسة الفقراء على التسوق من «سوق البالة». فقد اعتاد الموظف الصغير والمواطن الفقير، عموما، على شراء كسوة الشتاء والصيف منذ سنوات بعيدة من هذه «السوق» التي تمتد محلاته على طول شارع قريش بوسط العاصمة، أو ما يعرف بشارع سقف السيل، حيث تعرض جميع أنواع الملبوسات بأسعار «مقبولة».

المواطن يحيى إبراهيم يعتبر، بلا تحفظ، أن «البضائع التي تباع في البالة تفوق كل البضائع التي تباع في الأسواق الأخرى من حيث الجودة والنوع، خصوصا الألبسة الصيفية، المرغوبة إبان الحر الذي يفرض على الشخص تبديل ملابسه يوميا، وأحيانا غير مرة في اليوم».

من ناحية أخرى، يقول رضا عبد الله، وهو عامل في أحد محلات الملابس المستعملة، إن «أسواق الملابس المستعملة شهدت في الفترة الماضية إقبالا ملحوظا من أبناء الطبقات الفقيرة والوسطى، خصوصا مع بداية كل فصل»، وتابع أن «الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت كثيرا من المواطنين إلى الاعتماد على سوق البالة لتأمين بديل معقول عن الملابس الجديدة».

ويوضح رضا عبد الله أن «تجار الملابس المستعملة بدأوا يتوجهون إلى فتح محلات في مواقع عدة أو التوسع من خلال البسطات لضمان الوصول إلى أكبر شريحة من الزبائن نتيجة للمنافسة المتصاعدة بينهم، بالإضافة إلى منافسة أسواق المدينة الأخرى». ثم أشار إلى أن «المواطن يبحث في الغالب عن الجودة وليس بالضرورة عن رخص الثمن».

أما لبنى خليل فتقول «هناك من يبحث عن الموديلات الحديثة.. وهذا هو هدف الميسورين من زبائن البالة، أما السعر فهو ثانوي». وتضيف لبنى أنها اعتادت شراء ملابسها من محلات البالة «بحثا عن بضائع ذات جودة عالية وآخر موديل. وأنا أحضر إلى هنا كل أسبوع مرة وتحديدا يوم الأربعاء وذلك بعدما أخبرني صاحب المحل بأنه اليوم الذي يفتح فيه البضاعة الجديدة».

في هذه الأثناء، يشرح سمير المقدادي، أحد محلات «البالة»، قائلا إنه يشتري بضاعة محله من تجار الجملة، وبعد ذلك يقوم بترتيبها حسب ما تحتويه، ثم ‏ترسل البضاعة إلى الغسل والكي قبل عرضها «لإضفاء جاذبية عليها ولإبعاد التالف منها ولكي يكون المعروض من البضاعة مغريا بشكله ‏على الأقل للزبائن». ويضيف «في هذه المرحلة لا يفوتنا أن نفرزها حسب الزبائن، ويستدرك: «.. زبائني من كل الفئات الاجتماعية ولكن بعضهم يدفع أكثر من غيره».

الواقع أن محلات التصفية و«البالات» والبسطات والأسواق الأسبوعية كـ«سوق يوم الجمعة» تشهد في عمان إقبالا كبيرا. وأصبحت فعلا المكان الملائم لأصحاب الدخل المحدود في ظل غلاء أسعار محلات الألبسة الجاهزة والراقية، كما يقول بعض متابعي حركة السوق. وحقا يسجل حاليا تراجع في مبيعات أسواق الألبسة الجاهزة الجديدة في الأردن بنسبة 60% إلى 70% بالرغم من بداية الموسم الصيفي، والعروض الذي تواكبه، واستخدام طرق عديدة لإغراء المتسوقين.

وشكا أبو مصطفى عبد الله، وهو صاحب معرض ألبسة جاهزة جديدة، من سوء الحالة وتفاقمها في هذا القطاع، بالذات، منذ أكثر من 10 أشهر تقريبا لدرجة دفعت عددا من التجار إلى التفكير في إغلاق محلاتهم «لأن التوجه إلى البنوك أصبح مستحيلا هذه الأيام، بعكس الأيام التي كانت سبقت الأزمة العالمية وأزمة البورصات الوهمية حين كانت البنوك تتسابق على منح القروض والتسهيلات التي كان من الممكن أن تخفف نسبة تأثرنا السلبي من حالة التباطؤ والركود الراهنة».وأضاف أبو مصطفى أن «غالبية المواطنين من ذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون ثلثي الأردنيين، باتوا يتوجهون إلى محلات التصفية والبالات والبسطات للحصول على ملابس متدنية الأسعار.. لعدة أسباب؛ منها أن معظم هذه المحلات تشتري بضائعها من دون رسوم جمركية أو ضرائب مبيعات ولا تتاجر مع موردين أسعارهم عالية، ولذا يبيعون بضاعتهم بأسعار لا نستطيع أن ننافسهم فيها نظرا لارتفاع الكلف التشغيلية لدينا». وبالفعل، يستحيل أن تكون المنافسة «متكافئة» أو «عادلة» بين محلات الجاهز والجديد من جهة، ومحلات التصفية و«البالات» والبسطات التي تقام أيام العطل في أماكن التجمعات من جهة أخرى، على اجتذاب الزبائن من ذوي الدخل المحدود بسبب ارتفاع الأكلاف التشغيلية. فعلى تاجر الجاهز والجديد التزامات كثيرة كالإيجارات المرتفعة وأجور العمال والكهرباء والماء ورسوم الضرائب والجمارك وتحكم تجار الجملة بالتجار الصغار من حيث الأسعار. في حين لا تتعرض محلات التصفية و«البالات» والبسطات لدفع رسوم الجمارك والضرائب، كما أن إيجاراتها متدنية لأنها تكون في أحياء ومناطق شعبية، والبضائع التي تحصل عليها من الخارج رخيصة لأنها مستعملة كما أنها عموما غير مطابقة للمواصفات، وبالتالي، فمهما تدنت أسعارها تظل تضمن هامش ربح كبيرا لأصحابها.