الأعشاب والمكسرات دواء لكل داء في البلقان

ارتفاع تكاليف العلاج دفع الناس إليها.. والمخاوف من آثار الكيماويات زادت من شعبيتها

أنيسة (يمين) في محلها: الفول والتمر من مصر والعنب والتين المجفف والزعفران من تركيا والفستق من إيران («الشرق الأوسط»)
TT

كان علينا الانتظار في الخارج طويلا ليخف الازدحام داخل محل «بوتيك بادام» لبيع الأعشاب والمكسرات في العاصمة المقدونية، سكوبيا، قبل الولوج وأخذ مكان خلف الزبائن الذين لا ينقطع سيلهم المنهمر على المحل المشهور، المقام منذ أكثر من 35 عاما في الجزء القديم من المدينة العتيقة. وقد أصررنا هذه المرة على إنهاء المهمة، حيث تأجل لقاؤنا بمن فوضها صاحب المحل بالحديث معنا، وتدعى أنيسة زوريتش (26 عاما).

فالكثيرون يتزوجون عن طريق فتح مقهى أو مطعم أو محل ما، لأن أصحاب المحلات يلقون احتراما منقطع النظير من قبل الأهالي، ويشار إليهم بالبنان، وتغتفر زلاتهم، ويقال لتبرير خطاياهم «يملك شركة» (إيما أوو فيرما)، كما لو كانت صك غفران، أو فيتو ضد الإدانة. وهذا ما حدث مع محدثتنا، وقالت أنيسة لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل هنا منذ سنة 2000، ولدينا العديد من البضائع التي يقبل عليها الزبائن بكثرة، مثل الفول والفستق والزبيب والتين المجفف والأعشاب والزيوت المستخرجة منها». وتابعت: «الفول والتمر من مصر والعنب والتين المجفف والزعفران من تركيا والفستق من إيران»، وتعتقد أنيسة مثل الكثير من زبائن المحل الذي تعمل فيه بأن «الأعشاب التي تبيعها تشفي من كل الأمراض والأسقام ما عدا الموت». وليس كل ما هو موجود مستورد من الخارج، فالكثير من الأعشاب إن لم تكن كلها من منطقة البلقان وتحديدا من البوسنة، وهي أعشاب لها كما يقولون خاصية شفاء جميع الأمراض، مثل أنواع العسل المختلفة. وتبيع محلات «الأعشاب» الباميا البوسنية التي يتم نظمها في خيوط طويلة وتطبخ مجففة مع اللحوم. ويوجد في هذه المحلات التوابل الشرقية إلى جانب راحة الحلقوم والحلوى والسكر المحلي (تشينيتسيا) كما توجد مطاحن للتوابل في حالة رغب الزبون في طحن أي مادة يشتريها من المحل. وتسود محلات بيع الأعشاب في البلقان حالة انسجام وتوافق بين العاملين فيها، فهناك 3 فتيات يعملن مع أنيسة. وقالت إرما (22 سنة)، التي لم يمضِ على وجودها بالمحل أكثر من شهرين، مازحة: «كل شيء هنا (إكسترا) من المواد والأعشاب والزيوت، وحتى العاملات»، وتابعت: «سعر الكيلو الواحد من الفستق 4 يوروات، ودون تحميص 3 يوروات، والكيلو الواحد من اللوز 12.5 يورو، والمحمص 15 يورو». وذكرت بأن ما لديهم من أنواع العسل والشاي «يعالج كل الأمراض ما عدا الموت». وقد شجع اللجوء إلى الأعشاب والإقبال عليها بسبب الأزمة الاقتصادية والاعتقاد بأن ليس لها آثار جانبية، كالأدوية الكيميائية، الكثير من التجار في البلقان على فتح محلات خاصة ببيع الأعشاب والمكسرات بأنواعها إلى جانب العسل والشاي. وقالت مرصادا سليم أجيتش، التي فتحت مع زوجها خير الدين سليم أجوفيتش محلا لبيع الأعشاب منذ 6 أشهر: «فتحنا المحل وكلنا أمل في أن يحقق النجاح الذي تحققه الدكاكين الأخرى في المستقبل».

وعن كثرة الازدحام على بعض الأماكن وقلة الإقبال في أماكن أخرى قالت: «الذين يشهدون ازدحاما صنعوا لهم اسما في السوق عبر عقود من العمل، ونحن نتطلع إلى مستقبل أفضل»، وعما إذا كانت كل الأعشاب من المنطقة وليست مستوردة من الخارج، أفادت بأن «جميع الأعشاب من البوسنة، أما المكسرات وما شابهها فهي من الخارج». وقال خير الدين سليم أجيتش إنه تحول لتجارة الأعشاب بعد التحولات في اهتمام الناس، فقد كان يعمل مع والده في تجارة الفراء منذ 60 عاما، بما في ذلك المعاطف النسائية والطواقي، ولكن ارتفاع أسعارها وقلة المهتمين جعلته يترك المهنة التي قضى فيها زهرة شبابه، بعد أن طواها الزمن، فلم تعد كما كانت مظهرا من مظاهر الوجاهة الأرستقراطية. وعن زبائنه قال: «معظمهم من السكان المحليين، وهناك بعض الأتراك والسياح الأجانب الذين يتعرفون على هذه الأعشاب هنا أو سمعوا عنها في وسائل الإعلام».

وعما إذا كانت الأعشاب المعروضة وغيرها من المواد لها مدة صلاحية، أفاد بأن «كل علبة أو كيس عليه تاريخ الإنتاج ومدة الصلاحية، بما في ذلك أنواع العسل والأعشاب المختلفة، وهي مواد طبيعية مائة في المائة».

ويرى جمال تشابت (59 سنة)، وهو متخصص في بيع (الأعشاب الطبية)، أن «العسل والأعشاب دواء لكل داء»، وهو يعمل في تجارة الأعشاب منذ 35 عاما، وأنه لم يكن له أولاد، إلا أنه «بفضل الله ثم الأعشاب رزقت بولدين بعد 16 عاما زواجا». ولدى جمال عسل وأعشاب ومن بينها الشاي، (مثله مثل غيره من التجار)، كل منها لعلاج مرض معين. وقال: «لدي 100 نوع من الأعشاب و20 نوعا من السوائل و5 أنواع من العسل، كل منها دواء لعلة معينة». وبعد أن عدّد أسماء الأعشاب التي لديه قال: «هناك أعشاب وشاي لمعالجة العيون، وأعشاب وعسل لمعالجة أمراض الرئة، وأخرى للدورة الدموية، وثالثة للكبد، وخامسة للصداع، وسادسة لمعالجة الأرق، وسابعة للحلق، وثامنة لتهدئة الأعصاب، وتاسعة لمعالجة العنة لدى الرجال. وهناك أعشاب خاصة بالنساء كعسل النفساء، وجميعها تأتي من مناطق مختلفة بالبوسنة». وأشار كمتخصص في تجارة الأعشاب وموزع في نفس الوقت، إلى أنه يرسل الأعشاب إلى عدة دول، منها «الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، إلى جانب كرواتيا وسويسرا وسلوفينيا ودول أخرى»، وذكر بأن لديه أعشابا لمعالجة السكّر، وأن زوجين من الولايات المتحدة يأتيان خصيصا من حين لآخر لشراء كميات من الأعشاب. «ومن بين زبائني دكاترة يأتون من الدول المجاورة، فقد جربوا هذه الأعشاب ولمسوا آثارها الإيجابية على مرضاهم». وعن كيفية التواصل مع زبائنه في الخارج قال: «أرسل إليهم حاويات حسب الطلب، فأحيانا عن طريق البحر وأحيانا عن طريق الجو، وفي أغلب الأحيان عن طريق الحافلات. وإذا كانت الكمية صغيرة أرسلها عن طريق البريد السريع». وأعرب عن استعداده لإرسال أي كميات تطلب منه في أي مكان من العالم، بعد الاتفاق على الكمية والسعر. وعند سؤاله عن الأسعار ذكر بأن «كيلو العسل بـ7.5 يورو، ودون تعبئة بـ7 يوروات، وكيلو الشاي بـ50 يورو، والنعناع بـ7 يوروات للكيلو». وأوضح بأن لديه مخزنا كبيرا يحتوي على كميات كبيرة من الأعشاب، والتي يعالج بعضها الأكسدة ويقضي على البكتيريا.

من جانبها أكدت الدكتورة جنيتا هير (35 سنة)، وهي متزوجة من شاب والده عربي، على «وجود خاصية علاجية وضعها الخالق سبحانه في الأعشاب لمعالجة العديد من الأمراض»، وقالت: «الكثير من الأدوية مثل السوائل والحبوب والكريمات مستخلصة من الأعشاب دون إضافة أي مواد كيميائية إليها». وعما تختلف فيه المواد الطبيعية عن الكيميائية قالت: «لا تسبب أعراضا جانبية، لكنها تحتاج إلى وقت أطول في أغلب الأحيان لتحقيق غرضها الطبي»، كما أكدت على وجود أبحاث طبية موثوقة أشادت بطرق العلاج عن طريق الأعشاب، والتي تشمل الباطنية والأعصاب واللثة، وأن «هناك أنواعا من الأعشاب والشاي والعسل تم تصنيعها في شكل حبوب وزيوت كزيت اليقطين وسوائل وكبسولات وكريمات، صالحة لعلاج الكثير من الأمراض مثل الدورة الدموية وعلاج البروستاتا والحساسية وغيرها». لكنها أبدت تحفظا حيال الدكاكين التي يتسع انتشارها في منطقة البلقان، ويقوم عليها أشخاص «ليست لديهم خبرة عملية، ولا دراسات علمية»، ودعت إلى ضبط هذه التجارة وإخضاعها لإشراف طبي، مثل «أن تتولى صيدليات خاصة بيع الأعشاب الطبية ومراقبة صارمة لصلاحية المواد السائلة وأنواع العسل»، ولأن البوسنة تزخر بمساحات شاسعة تنبت فيها الأعشاب الطبية، فقد تم إحداث شركات تحت إشراف خبراء الصحة مثل شركة «فارما ميد» و«بوسنة ليك» وغيرهما.