مصريات ينخرطن في العمل التطوعي تحت شعار «أنا العنصر الإنساني»

لمساعدة الآخرين في مصر وخارجها رغم الضغوط الاجتماعية والوظيفية

كاتيا في مكتبها قبل أن تنطلق لمساعدة الآخرين («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من الضغوط الاجتماعية والوظيفية المعتادة، فإن عددا كبيرا من النساء في مصر نجحن في اقتطاع أجزاء من أوقاتهن لتطبيق شعار «أنا العنصر الإنساني»، ويفتخرن بتطوعهن لمساعدة الآخرين، ولو بأقل الإمكانيات.

«العمل التطوعي الفردي ما زال أمرا صعب المنال في مجتمعاتنا، ولا يمكن للبنت أن تتأخر عن المنزل، أو تسافر وحدها، لمساعدة أناس لا تعرفهم في مكان يبعد عن بيت الأسرة مئات، وأحيانا، آلاف الأميال»، تقول نجوى محمد، من الجمعية الخيرية بمصر القديمة في جنوب القاهرة.

ومعظم من تعلَّمن في مدرسة انخرطن في، أو سمعن عن، الحركة الكشفية كحركة تطوعية، في العقود الماضية. وفي السنوات الأخيرة، أصبح العمل التطوعي موجودا من خلال منظمات أهلية تتخذ من الجهود التطوعية للمواطنين أساسا للتنمية الاجتماعية، ومع ذلك ترى نجوى أن التوسع في العمل التطوعي يتطلب تشجيع المؤسسات والشركات العامة والخاصة للعاملين لديها من أجل وضع الاعتبار الإنساني في الحسبان. «هذا من شأنه أن يزيد من الوعي بأهمية العمل من أجل الآخرين».

وبشكل عام، من الصعب على فتاة مصرية أو عربية الانخراط في العمل التطوعي بسهولة، على الرغم من أن فتيات مصريات وعربيات تمكنَّ من خوض التجربة، وتقديم يد العون لكثير من المحتاجين في آسيا وأفريقيا. كما أن فكرة مساندة الشركات لموظفيها ومنحهم وقتا لزيارة ملاجئ الأيتام ومرضى المستشفيات، أمر غير معتاد، لا محليا ولا إقليميا، وإن كانت منال سيد، من جمعية «الفسطاط»، بجنوب العاصمة، ترى أن استقطاعها وقتا من إجازاتها الأسبوعية والسنوية، لزيارة اليتامى وإسعادهم بالهدايا واللعب معهم، عمل يشعرها بارتياح كبير. وفي يومياتها كمتطوعة لإغاثة اللاجئين في السودان، تقول الفتاة الصعيدية إلهام حلمي: «اعترضَ والدي على سفري، وخبأت أمي جواز السفر، عندما علما بقراري للسفر». وإذا كانت إلهام سافرت في نهاية المطاف، فمن الصعب على أخريات السفر لمدن وقرى على مرمى حجر من بيوتهن. وبالنسبة لمن يعتمدن على أنفسهن ويعملن في وظائف تتطلب منهن العمل ستة أيام في الأسبوع، فإنهن يجدن صعوبة كبيرة في مد يد العون للآخرين. وتقول سهام فتح الله، التي تعمل كرئيسة حسابات في شركة الملابس العصرية، في ضاحية شبرا، إنه من السهل التفكير في شراء أشياء بسيطة بقروش قليلة لإدخال الابتسامة على شفاه المحرومين. «آخر مرة اشتركت في عمل تطوعي كانت منذ سنتين، وقتها أشرفت على تنظيم حفل زفاف جماعي لخمسة شبان وفتيات بدون أسر. وشجعتهم، مع زميلات أخريات، على الانخراط في الحياة الاجتماعية، وأن الناس كلها أسر لبعضها بعضا».

وتقديرا لتفانيها ومساهمتها بتحسين حياة من هم أقل حظا في وطنها مصر، حصلت مديرة الموارد البشرية لفرع شركة «داو للكيماويات»، كاتيا فيليب، على جائزة تقديرية تحمل اسم «أنا العنصر الإنساني» من الشركة التي تعمل بها. وتعتقد كاتيا أن العنصر المشترك بين مهنتها ونشاطاتها التطوعية الخاصة هو العنصر الإنساني. «قراراتي المتعلقة باختياري للعمل في مجال الموارد البشرية كان ناتجا عن شغفي واهتمامي الخاص بالناس. عملي في مجال الموارد البشرية أتاح لي الفرص للاستكشاف، وطرح الأسئلة، والاستماع إلى الآخرين، والتعرف على آرائهم وردود أفعالهم، والعوامل الداخلية والخارجية التي قد يكون لها تأثير على قدراتهم وقيمهم الأخلاقية». وهي ترى أن المستقبل سيشهد تقديرا للعمل الأهلي، وتقول: «أصبح العديد من الناس على دراية بالصلات الموجودة بين التفاني والمسؤولية في حياتهم العملية، والأخلاق والمبادئ الإنسانية. ولم يكن هذا هو الحال قبل سنوات قليلة ماضية، حيث لم يكن عند الناس الدراية الكافية عن مبادئ المسؤولية تجاه المجتمع».

وحول ندرة اهتمام المؤسسات والشركات العربية بالحث والتحفيز للموظفين والعمال على مساعدة الآخرين، ولو بأبسط مجهود، قالت كاتيا: «بعض الشركات أصبحت تحرص على رعاية الجوائز والحفلات الخيرية من الناحية المالية، ومن وجهة نظري، أعتقد أن ذلك ليس كافيا. يجب أن تكون العزيمة واضحة وخالصة من قبل جميع الشركات، أو المؤسسات، لخدمة المجتمع». وعن السبب في اتجاهها منذ وقت مبكر من العمر للعمل الأهلي، قالت كاتيا فيليب: «أرى أن مبادئ عائلتي ونشأتي الأخلاقية والأكاديمية، إضافة إلى احتياجات مصر الاجتماعية والاقتصادية، لهما دور مساهم. الحظ حالفني باستقبال وتشجيع عائلتي ومدرستي على مشاركتي في هذه الأعمال الخيرية. حين تدرك ما يحدث من حولك، عليك أن تساهم قدر ما في استطاعتك لمساعدة الآخرين». وتتذكر كاتيا أحد المواقف التي مرت بحياتها، وتقول: في إحدى دور المسنين في مصر، كتبت امرأة كبيرة في السن قصيدة. كان لكل بيت في القصيدة إهداء خاص لواحد من المتطوعين في الدار. كانت هذه لحظة مليئة بالمشاعر، فكل بيت كان مليئا بتعبيرات الشكر والامتنان. في مصر، قد يضطر طفل صغير أن يسير أميالا عديدة ليقدم لك المشروبات الغازية والمرطبات. وفي أفريقيا يحرص أهل البلدان والقبائل على تقديم المأكولات، حتى لو كانوا يعانون من شدة الفقر». وتستعيد كاتيا وقائع من تلك التي مرت بها، قائلة: «أذكر في مرة قدمتْ لنا سيدةٌ البيض وفاكهة البابايا.. إنهم دائما يحرصون على تقديم ما توفر لهم من طعام في بيوتهم، حتى لو كان قليلا.. حين أتعرض لمثل هذه المواقف أشعر بالإلهام، فهؤلاء الناس ليس لديهم ما يكفيهم من طعام أو شراب، و لكنهم شاكرون لله على هذه النعم.. هم يعيشون بالقليل ويتوقعون الأقل.. بينما نحن لا نقدر النعم المتوفرة في حياتنا وهم ما زلوا يكافحون». وأضافت: «الإنسان هو عنصر قابل للتغير. وكموظفة في شركتي، أو كفرد في بيتي أو في المجتمع، أنا عنصر قابل للتغير، وهذه هي الطريقة التي اخترت أن أحيا بها».