هورامان.. شعر وموسيقى وألوان

مهرجان سنوي يجمع العادات بالدبكات والأغاني الشعبية

دبكة هورامانية يشارك فيها عدد كبير من الرجال (تصوير: كاميران نجم)
TT

الربيع لا يزال متشبثا بوديان وجبال كردستان العراق. ومع أن درجة الحرارة تتجاوز ظهرا الـ32 درجة مئوية لا تزال الزهور البرية الصفراء وشقائق النعمان الحمراء تطرز بساط الأعشاب البرية الأخضر، خاصة في سهل شهرزور.. حيث يتأخر الربيع، فتتشجع العوائل الكردية لتمضية نهارات العطل الأسبوعية، كعادتها، وسط هذه المروج مستمتعة بالموسيقى الكردية، وراقصة في حلقات الدبكات الكردية التقليدية المعروفة.

بالأمس صادفت عطلة نهاية الأسبوع «مهرجان هورامان الفني الثقافي» وسط رقعة من برية ناحية بيارة المعروفة لدى أهالي السليمانية بطبيعتها الخلابة. والمهرجان الذي رعته هيرو خان، عقيلة الرئيس العراقي جلال طالباني، هو الثاني في دورته الحالية وهو يقام سنويا وفي هذا الوقت من كل عام بتنظيم مركز هورامان الثقافي.

راعية المهرجان، هيرو خان، ارتدت الزي التقليدي الكردي بألوانه البهيجة التي تعكس البيئة الملونة لوديان كردستان، واستقبلتها نوخشه ناصح أحمد، مديرة ناحية بيارة، وهي أصغر مديرة ناحية في كردستان والعراق، وقد ارتدت هي الأخرى زيا كرديا ملونا. ولقد أحيطت راعية الحفل بترحاب حار من النسوة والفتيات الكرديات اللواتي زحفن للمشاركة بالمهرجان الذي يتخذ طابعا شعبيا أكثر منه رسميا.

تقع منطقة هورامان إلى الجنوب الشرقي من مدينة السليمانية، وتمتد إلى مسافات شاسعة داخل المناطق الكردية الإيرانية. وللهورامانيين لهجتهم الكردية الخاصة وأزياؤهم المميزة، وثقافتهم التي تمتزج فيها التعاليم الإسلامية مع بقايا الزرادشتية، مع أنهم متمسكون بديانتهم الإسلامية بقوة. وتشرح مديرة ناحية بيارة، أن «أهالي هورامان يعيشون في مثلث تشكل مدينة باوا مريوان الإيرانية، وحلبجة في إقليم كردستان العراق، رأس ذلك المثلث، ويبلغ عدد القرى والمدن والقصبات في هذا المثلث حوالي 316 مدينة وقرية وقصبة»، مشيرة إلى أن «الهورامانيين، يتوزعون في إقليم كردستان العراق، في قصبة طويلة وناحية بيارة وخورمال، والقرى التابعة لحلبجة (81 كم جنوب السليمانية)».

ويوضح عضو البرلمان الكردستاني عن قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني، برزان عبد الله هورامي أن «عدد الهورامانيين في إقليم كردستان العراق حسب إحصاءات غير رسمية، يقدر بنحو 120 ألف نسمة، والغالبية العظمى من الهورامان يعيشون في كردستان إيران، كما يشغل الهورامانيون في البرلمان الكردستاني ثلاثة مقاعد ضمن قوائم الاتحاد الوطني الكردستاني والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية».

وفي حين يقول الشيخ عبد الرحمن النقشبندي، وهو أحد البيشمركة القدامى في الاتحاد الوطني الكردستاني، إن «الهورامانية ليست لهجة كردية، بل لغة شعب له ثقافته ودينه ولغته المختلفة»، يرفض الكاتب محمد الملا كريم، ابن العالم الديني الكردي عبد الكريم المدرس، المنهمك حاليا في تأليف كتاب عن تاريخ نخبة من شعراء وشخصيات هورامان، هذا الرأي. وهو يؤكد أن «الهورامانية (أو الهورامية) لهجة من لهجات اللغة الكردية»، مشددا على أن «القول بأن الهورامانيين قومية مختلفة عن الكرد مخالف لوقائع التاريخ». ويشير إلى أن اللهجة الهورامانية كانت لهجة الكتاب والأدباء الكرد الكلاسيكيين، ومنهم وشاخوشين لورستاني، بلول مائي، وباوا رجب، وباوا قيصر هوراماني، قازي نبي سه ركه تي، الذين كانوا يعتنقون المذهب الكاكائي، وشعراء بارزين أخر مثل صيدي هورماني، وبيساراني مولوي، وميرزا عبد القادر باووي، وميرزا شفيع. وهو يقول إن اللغة الكردية تنقسم إلى الكرمانجية الشمالية والكرمانجية الجنوبية (ومنها السورانية والكورانية، أو الهورامانية). ويتكلم الكرمانجية الشمالية أكراد تركيا وأرمينيا وأذربيجان وسورية والمناطق التي يسكنها البهدينان في إقليم كردستان العراق. في حين يتكلم باللهجة الكورمانجية الجنوبية أكراد العراق في محافظات أربيل والسليمانية وكركوك. واللهجة الكرمانجية الجنوبية لها ثلاثة فروع، هي: 1- البابانية والسورانية، اللتان تنتشران في محافظات أربيل والسليمانية وكركوك.

2- الموكرية والأردلانية اللتان تنتشران في كردستان الإيرانية.

3- الكورانية أو الهورامانية، التي تنتشر في مناطق هورامان الجبلية الواقعة بين مريوان وسيروان قرب الحدود العراقية الإيرانية. على صعيد آخر، يتميز الهورامانيون بموسيقاهم وأغانيهم التي تعتبر أساس الموسيقى والغناء الكردي، وكذلك بدبكاتهم الكردية التقليدية. وحول هذه النقطة توضح هيرو خان قائلة «لقد أجرينا في تلفزيون كردستان ـ الذي تشرف عليه ـ بحثا في الدبكات الكردية فاكتشفنا أن هناك المئات من هذه الدبكات التي لا نعرفها، بل وجدنا دبكة لا يجيدها اليوم إلا شخص واحد بعدما شارفت على الانقراض». وحقا، الدبكة هي روح الحياة الكردية، فهناك دبكات للفرح وأخرى للحزن. مهرجان هورامان الفني استهل بقصائد شعرية ألقاها عدد من شعراء هورامانيين، متناولين الطبيعة الجميلة والحب والحياة بلهجة هورامانية شعبية، وهذه القصائد تغنى بالأسلوب الهوراماني. ويؤدي الأغنية في وقت واحد أكثر من منشد أو مطرب ولكن بأصوات متجانسة ومتناغمة، إذ يبدأ المطرب الأول بأداء الأغنية، ثم يدخل الثاني ويتسلم من الأول ليكمل ما بدأه، قبل أن يدخل المطرب الثالث ويمضي معهم، على أن يتوقف الأول فور تسلم الثاني إيقاع الأغنية وهكذا مع الثالث، بأصوات جبلية رخيمة تشدو من دون موسيقى. وفي بعض الأحيان ترافق آلة إيقاعية بسيطة هذا النوع من الغناء.

ويبقى القول إن الهورامانيين يعتزون بتعايشهم مع الطبيعة، مع أنهم يناضلون لإيجاد أية رقعة أرض لزراعتها، ويشتهرون بزراعة الكروم والجوز واللوز والتوت البري والتين، كما انهم معروفون بصناعة أدواتهم اليومية بأنفسهم وحياكة منسوجاتهم. وفي مهرجان هورامان، العابق بالألوان والألحان والجمال، اختلطت الفاعليات المخطط لها مع الفاعليات الشعبية، كما نظمت إدارة المهرجان معرضا لتراث هورامان عرضت خلاله النشاطات الثقافية من مخطوطات وإصدارات وصناعات شعبية، وجرى عرض حفل عرس هوراماني، وممارسات دينية واجتماعية تتميز بها ثقافة هورامان.