بناء البيوت الطينية يزدهر في غزة

في ظل الحصار ويأس الغزاويين من إمكانية انطلاق مشاريع إعادة الإعمار

بناء البيوت الطينية سيسهم في تشغيل أعداد كبيرة من العمال العاطلين عن العمل والشركات العاملة في هذا المجال والمتوقفة بسبب الحصار («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن الجو كان باردا، إلا أن وجه السائق كان يتصبب عرقا عندما شرع في قيادة شاحنته وسط الأكوام الطينية المنتشرة بالقرب من الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة. فبالنسبة لهذا السائق فإنه يتوجب عليه نقل أكبر عدد من شحنات الطين إلى أحياء عديدة في مدينة «رفح»، وذلك لاستخدامها في إنتاج الطوب الطيني الذي شرع الفلسطينيون في استخدامه في بناء بيوتهم. وكما قال هذا السائق الذي رفض الكشف عن اسمه لـ «الشرق الأوسط»، فإن الناس قد اكتشفوا فائدة مهمة جديدة للأنفاق تتمثل في أنها أصبحت مصدرا مهما لإنتاج الطوب، حيث أن حفر الأنفاق يؤدي إلى تراكم أكوام من الطين الذي يوصف هنا بأنه مناسب جدا لإنتاج الطوب الطيني. ففي ظل الحصار ويأس الغزاويين من إمكانية انطلاق مشاريع إعادة الإعمار لبناء ما دمره جيش الاحتلال الإسرائيلي من آلاف المنازل والمؤسسات، فقد قرر الكثر من الناس البحث عن البديل الطيني بفعل الحاجة وليس فقط بفعل تشجيع وزارات ومؤسسات الحكومة المقالة، التي شكلت لجنة حكومية أصدرت توصياتها في الشروع ببناء نماذج لمنازل ومؤسسات طينية. وقال زياد الظاظا نائب رئيس الحكومة المقالة التي تديرها حماس في غزة لوكالة فرانس برس «سنبدأ خلال الأيام القليلة القادمة باستخدام الطين (الطوب اللبن) لإعادة بناء البيوت التي دمرها الاحتلال في غزة». وأضاف أن إعادة البناء هذه «ستتم بشكل اختياري لمن يرغب من أصحاب البيوت المدمرة» وتابع «تفيد دراسة أن البيوت المصنوعة من الطين يمكن أن تبقى صالحة للسكن لعشرات السنين..هذه عملية جادة من قبل الحكومة (المقالة) لتجاوز الحصار المفروض على قطاع غزة».

وتقول المصادر الفلسطينية أن الحرب التي شنتها إسرائيل خلفت أضرارا جسيمة في أكثر من عشرين ألف منزل بينها حوالي خمسة آلاف دمرت كليا.

وقال الوزير إن حكومته أعدت الأوراق والمخططات اللازمة التي «تم عرضها على قسم التخطيط والبناء في بلدية غزة ونقابة المهندسين من أجل تنفيذ المشروع». كما شدد على أن البدء في بناء البيوت من الطين سيسهم في تشغيل أعداد كبيرة من العمال العاطلين عن العمل والشركات العاملة في هذا المجال والمتوقفة بسبب الحصار.

واعتمدت الحكومة مشروعا لإعادة الإعمار من الأسمنت والخرسانة، لكن الأموال ستخصص الآن لبناء مساكن من الطوب، كما قال الظاظا. وأوضح الظاظا وهو وزير الاقتصاد الوطني في حكومة إسماعيل هنية المقالة، أن «تغطية هذا المشروع ستتم من «قبل الحكومة والمؤسسات العربية والمحلية الداعمة لإعادة الإعمار»، من دون مزيد من التفاصيل.

وستبدأ الوزارة بإقامة أول هذه المنازل كنموذج يتم تعميمه فورا على أن تكون من ثلاث طبقات كل منها بمساحة 250 مترا مربعا، على أن تسكن كل أسرة في طابق واحد.

وقال الظاظا إن «الحكومة قررت اعتماد أسلوب البناء القديم بسبب استمرار الحصار والإغلاق ومنع دخول المواد الأساسية للبناء».

وقال مهندسون في غزة إن «هناك أكثر من نوع من الطين اللازم للبناء ويمكن استخدام الفخار المكسور». وبسبب متاخمتها للأنفاق، فقد بدأ تطبيق فكرة بناء المنازل الطينية في مدينة رفح. ففي حي «تل السلطان» الذي يقع جنوب غرب المدينة شرع الناس في بناء نقل الطين إلى تخوم المنازل المدمرة، وبعد ذلك يتم إعداد الطوب الطيني وبناء المنزل. لكن الفكرة انتقلت إلى مزيد من المناطق في قطاع غزة، وتحديدا في منطقة خان يونس التي تقع للشمال من «رفح»، حيث وجد الناس فيما تخرجه الأنفاق من طين مصدرا لحل مشاكلهم. وهناك من الناس من يتوجه بنفسه إلى منطقة الأنفاق لكي يختار نوعية الطين الذي يستخدم في البناء. وهناك من وجد الواقع الجديد مصدرا من مصادر الدخل في ظل التدهور الخطير في الأوضاع الاقتصادية. فقد كانت مظاهر الانفعال بادية على محيا لطفي (أبو عبيد) وهو يجري اتصالاته مع العمال الذين كانوا يعملون لديه في مصنع «الرخام» الذي يملكه في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع، واضطر لإغلاقه بسبب الحصار، حيث كان يعرض عليهم عرضا مفاجئا، ألا وهو تحويل مصنع «الرخام» إلى معمل لإنتاج طوب الطين.

وقال لطفي الذي يقطن حي «تل السلطان» لـ «الشرق الأوسط» إن الفكرة اختمرت في ذهنه عندما زار أحد أصدقائه الذي دمر بيته خلال الحرب الأخيرة على القطاع ووجده قد بنى بيتا من الطين فأعجب بالبيت، فقرر بناء بيت مماثل له. وأضاف أنه بعدما اكتمل بناء المنزل المكون من ثلاث غرف وحمام، أعجب به كل من رآه، فتولدت لديه فكرة إقامة معمل للطوب الطيني، مشيرا إلى أنه صمم قالبا للطوب بعدة مقاسات وبعدة أشكال، حيث يتم خلط الطين بالرمل بمعدل: 1:2 ثم يتم إضافة قليل من ركام المنازل المدمر بعد هرسه. وأشار إلى أنه عند المنزل يتم إضافة التبن إلى خليط الطين والرمل من أجل زيادة التصاق الطين على الطوب. وأشار أبو عبيد إلى أن جيرانه في الحي أبدوا إعجابهم بفكرته، متوقعا أن يسهم من خلال مشروعه الجديد في وضع حلول لآلاف الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل بعدما تم تدمير منازلهم.

وقال جهاد الشاعر، 36 عاما، «قمت ببناء بيت من الطين على مساحة 80 مترا مربعا على قطعة أرض لي في رفح (قرب مستوطنة موراغ السابقة) بعدما سئمت الانتظار لأنني أريد سقفا يؤوي أسرتي». ويقيم الشاعر، وهو عاطل عن العمل، مع زوجته وأبنائه الستة وأصغرهم ولد قبل أسبوع واحد في بيته الطيني الذي لا يزال من دون ماء ولا كهرباء. وأوضح الشاعر الذي يفخر بأن عددا من الوزراء في الحكومة المقالة وشخصيات وطنية زاروا منزله، أن البناء كلفه 3000 دولار بينما لو أقامه من الاسمنت لتجاوزت التكلفة 25 ألف دولار. وهذه المرة الأولى التي يعاود الفلسطينيون استخدام الطوب والطين للبناء في قطاع غزة مستعيدين عادة تخلوا عنها قبل عشرات السنين، وفقا لمسؤول في البلدية. وفي منطقة تل الهوى غرب مدينة غزة أقام أبو حسن بيتا من طبقة واحدة حيث يستعد للعيش فيه بعدما هدمت الجرافات الإسرائيلية منزله خلال الحرب. لكن هذه الفكرة لا تروق لمحمد السموني الذي هدم بيته في حي الزيتون في غزة. وقال «نريد إعادة بناء المنزل كما كان في السابق.. هذا حقي الطبيعي».

ومنذ عامين تقريبا تمنع إسرائيل دخول الأسمنت والحديد المستخدم للبناء إلى غزة. لكن كميات قليلة من هذه المواد يتم تهريبها عبر الأنفاق المنتشرة على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر.