آل غندورة البلقانيون يعتزون بأصولهم السعودية

الرحالة الشيخ خالد هاجر من مكة المكرمة إلى البلقان عام 1838

محمد غندورة وعمه حسين غندورة («الشرق الأوسط»)
TT

يعد الرحالة الشيخ خالد بن محمد غندورة من الرحالة السعوديين المغمورين الذين لا يعرف عنهم الكثير مع أنه طاف خلال القرن التاسع عشر بالعديد من القارات، من الصين شرقا وحتى المحيط الأطلسي غربا. إلى أن استقر به المقام، وهو في خريف العمر، على شواطئ البحر الأدرياتيكي. فقد سافر الشيخ خالد من مكة إلى الإسكندرية، ثم دوبروفنيك على سواحل دلماشيا الكرواتية حاليا (كانت مملكة مستقلة) ثم في بليافيليا في الجبل الأسود، حيث حط رحاله. وحقا، أعجب الشيخ خالد كثيرا ببلدة بليافليا، فاستقر بها وتزوج من فتاة يكبرها ـ وفق أحفاده ـ بـ60 سنة، ورزق منها بأولاده حسين عام 1917 وفاطمة 1918 ثم يوسف عام 1920. كما جعل من هذه البلدة منطلقا لرحلاته التجارية بين أوروبا والشرق، ولا سيما الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا. واليوم لأبناء الرحالة الشيخ خالد غندورة أبناء وأحفاد يعيشون في منطقة البلقان ودول أوروبية أخرى، منهم محمد بن يوسف غندورة، وهو خبير اقتصادي يعيش في سويسرا.. لكنه يزور البوسنة باستمرار. محمد يوسف غندورة، روى لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء صحافي، رحلة جده إلى البلقان وزواجه من جدته عصيمة ابنة حجي موسيتش. وذكر أنه إبان حرب البلقان 1912/1913 تعرض المسلمون البلقانيون للعدوان من مختلف الأطراف المتحاربة. «ولم يسلم من ذلك الرحالة السعودي الذي كان يملك بيتا فخما ومحلا لبيع المرطبات في بليافليا، إذ أحرق المقاتلون الصرب كل ما كان يملك، فهاجر إلى البوسنة والهرسك، واستقر في العاصمة سراييفو وتحديدا في المدينة العتيقة. وفي سراييفو لقي ترحيبا منقطع النظير وتكريما لا تزال شواهده ظاهرة حتى اليوم، إذ يعرف شارع ومسجد باسمه في المدينة العتيقة، هما شارع ومسجد (العربي)...». وظل الرحالة منذ وصوله إلى العاصمة البوسنية وحتى وفاته عام 1958 مثالا للرجل النزيه والحكيم. كما أنه خلال إقامته في البلقان أدى فريضة الحج 37 مرة منها حج الفريضة والتطوع والكثير منها حج البدل عمن أقعدهم المرض.. أو المنع من قبل السلطات المتعاقبة في يوغوسلافيا السابقة. كذلك زار البعض من آل غندورة البلقانيين أهلهم في السعودية. وهنا يشرح محمد قائلا «لقد زرت أهلي السعوديين في مكة المكرمة لأول مرة عام 1979، بعد محاولة فاشلة عندما كان عمري 29 سنة عام 1973. فقد ذهبت إلى بيروت يومذاك لكنني لم أحصل على تأشيرة دخول لأنني أحمل جوازا يوغوسلافيا. غير أنني تمكنت من الزيارة عام 1979 عبر روما، والتقيت بأهلي من آل غندورة في مكة المكرمة». وهو يقول إنه لقي مساعدة مشكورة في الوصول إلى عائلته من قبل أحد الدكاترة المصريين. ويضيف في حواره مع «الشرق الأوسط» أنه التقى عبد العزيز غندورة ومحمد غندورة، وكان الأول وزيرا والثاني ضابطا كبيرا في الحرس الوطني السعودي. وقد استقبلاه استقبالا رائعا ورحبا به أيما ترحيب، حسب وصفه. وعام 1980 ذهب محمد بن يوسف غندورة مجددا للحج مع والدته، وأقاما عند آل غندورة في المملكة العربية السعودية. وشهد ذلك العام بداية توثيق الصلات بين آل غندورة السعوديين وأبناء عمومتهم البلقانيين، الذين لا ينقصهم سوى استعادة جنسيتهم السعودية بعدما أذن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنح الجنسية السعودية لكل من يثبت بالوثائق انتماؤه التاريخي للمملكة العربية السعودية. ويشرح نرمين غندورة، ابن فاطمة أخت محمد بن يوسف غندورة، أن «كثيرين من آل غندورة ماتوا في حروب البلقان، ولهذا السبب يرغب من تبقى منهم العيش في السعودية». بجانب ما تقدم، يشعر آل غندورة في البلقان بالامتنان لحسن تعامل السفارات السعودية معهم في الخارج، فقد عمل نرمين لمدة 7 سنوات في السفارة السعودية بسراييفو، وترك العمل بمحض إرادته لدواعي الدراسة. كما أمضى سنة في مكة مع أمه عند أقاربه فيها، وتلقى العلاج على حساب الحكومة السعودية أثناء إصابته في الحرب. من ناحية أخرى، يذكر سكان حي «العربي» قرب جامع «العربي» في سراييفو مناقب الشيخ خالد، وسلوكه القويم كمثال راق للرجل الملتزم. وتقول فاطمة شاروفيتش (من مواليد 1924)، «لقد جئت إلى سراييفو مع زوجي عام 1947 وسكنا بجوار الشيخ الحاج خالد غندورة، فكان مثالا للرجل الصالح، الذي كان لا يخرج من البيت سوى للجامع ـ حيث كان إماما ـ ومن الجامع سوى للبيت، ولا يأتي إلى الناس وإنما يأتي الناس إليه». وتابعت «لم أر في حياتي أحدا مثله، وكان محبوبا من قبل كل من يعرفه ومن سمع به ولم يلتقه». وذكرت أن «الناس بكوا كثيرا عند وفاته (يوم 25 فبراير 1958) وظلوا يبكونه كلما ذكروه في جلساتهم، رحمه الله». والتقت «الشرق الأوسط» حسين بن خالد غندورة ـ كبير أبناء الشيخ ـ الذي لا يزال على قيد الحياة، فقال بلهجة «مكاوية» قحة، خاصة أنه عاش فترة في مكة، «أبويا من مكة، من حارة الباب، وقد كنت في مكة المكرمة قبل 12 سنة حيث التقيت العائلة في المملكة العربية السعودية». ثم صمت قليلا ليواصل «التقيت حسين غندورة وموسى غندورة.. حسين مات، وموسى مات..». وأضاف «موسى له بنتان تعيشان في مكة الآن». ولم يظل حسين غندورة البلقاني مجرد ضيف على أهله السعوديين، بل زوجوه أيضا. كذلك تغيرت أحوال حسين كثيرا، فالضابط في الاستخبارات العسكرية اليوغوسلافية «يودبا م 15» فقد رجله اليسرى بسبب مرض السكري قبل سنتين. وكان قبل ذلك فارسا لا يشق له غبار حتى بعد تقاعده. وهو اليوم يمضي يومه في الاستماع لراديو بير التابع للمشيخة الإسلامية ويتحسر على سيئاته ويمني النفس بالمغفرة والرحمة. وعندما كان في مكة زار الأردن والتقى أحد الطلبة الأردنيين الذين درسوا في سراييفو، وأقاموا عنده في بيته وهو الدكتور محمد الشوابكة، الذي كانت أمه من آل غندورة. مع هذا، لا يشعر حسين بالوحدة كثيرا، فثمة من يزوره ويحاول مساعدته من جيرانه، ولا سيما الدكتورة فضيلة والدكتور محمد، حيث يعملان في مستشفى سراييفو المركزي. وتساعدهما في ذلك ابنتهما الدكتورة إنيتا. لكن مشكلة حسين تتمثل في قلة المصروف بعد انقطاع راتب الأوقاف الذي كان يتلقاه من مكة المكرمة. وعندما هممنا بوداعه، قال الضابط المتقاعد «سلم عليهم كثيرا وقل لهم إنني أتمنى لهم الصحة والعافية، وأن يساعدهم الله في كل شيء.. مع أحر السلام». ورافقنا في طريق عودتنا محمد بن يوسف غندورة، إلى محطة الترام قبل أن يستقل سيارة تاكسي، ويتأهب للسفر إلى سويسرا.