اللوفر الفرنسي يحط رحاله على مياه الخليج بنسخة ظبيانية

ساركوزي دشن أول فرع للمتحف الباريسي خارج بلاده

TT

إذا كنت تسمع عن متحف اللوفر العريق، وترغب في زيارته في قلب العاصمة الفرنسية باريس، فإن ذلك أصبح أكثر قربا من السفر إلى القارة العجوز، فقد اقترب متحف اللوفر أكثر من أي وقت مضى، ليصبح، في نسخته الظبيانية، على ضفاف الخليج العربي، وتحديدا في العاصمة الإماراتية أبوظبي، باعتباره أول متحف عالمي في الشرق الأوسط وأول فرع للمتحف الباريسي العريق، يفتح أبوابه خارج فرنسا خلال ثلاث سنوات تقريبا.

ويوم أمس أطلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، برفقة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أعمال بناء متحف اللوفر أبوظبي، كما افتتحا معرضا فنيا بعنوان «توكينغ آرت: لوفر أبوظبي» حيث يعرض، وعلى مدى ثمانية أيام، أعمالا استقدمت من متحف اللوفر في باريس أو من متاحف فرنسية أخرى، فضلا عن أعمال من المجموعة الخاصة للوفر أبوظبي.

ومقابل مدينة أبوظبي، وعلى بعد 500 متر فقط، تقع «جزيرة السعديات» الجزيرة الطبيعية، التي تضم هذا الصرح الثقافي العالمي الكبير، كما ستضم أيضا صروحا ثقافية، حيث تعول عليها حكومة أبوظبي لتكون منطقة ثقافية عالمية، ويتوقع اكتمال مرافق جزيرة السعديات بجميع مراحلها بحلول عام 2020، حيث سيستوعب نحو 160 ألف نسمة يسكنون في الجزيرة، وسيحتضن مجموعة واسعة من المرافق الأساسية ومنشآت خدمات الضيافة والسياحة والمراكز الثقافية والفنية والترفيهية.

وتعد المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات التابعة لإمارة أبوظبي أكبر تجمع من نوعه في العالم للمؤسسات الثقافية، بما في ذلك متحف زايد الوطني، ومتحف غوغنهايم أبوظبي، ومتحف اللوفر أبوظبي، والمتحف البحري، ودار المسارح والفنون. وتنفرد هذه المشاريع بتصاميمها المعمارية المميزة والتي وضعها مجموعة من أهم المعماريين على مستوى العالم.

وسيقدم متحف اللوفر أبوظبي مجموعة من الأعمال الفنية الكبرى، إلى جانب العمل في مجالات الآثار والفنون الجميلة وفنون الديكور من مختلف الحقب التاريخية. وستقام المعارض الفنية لأعمال تستقدم من «متحف اللوفر» وغيره من المتاحف الفرنسية، بما في ذلك «متحف دو كواي برانلي» و«مركز جورج بومبيدو» و«متحف دي أورساي» و«فرساي» و«غوميه» و«رودين» و«اتحاد المتاحف الوطنية» في فرنسا.

وسيوفر المتحف مساحة قدرها 6.000 متر مربع (65.000 قدم مربعة) مخصصة لقاعات العرض الرئيسية، وسيضم مجموعات دائمة وزائرة من الأعمال الفنية والآثار التاريخية من مختلف الأشكال والاتجاهات الفنية والحقب الزمنية، والتي سيتم تصميم طريقة عرضها حسب مفاهيم محددة لتصبح كل قاعة في المتحف تجربة فنية بحد ذاتها. وستساهم طريقة العرض في إطلاق حوار ثقافي بناء بين ثلاثة أقطاب رئيسية في الحضارة العالمية: أوروبا وآسيا والحضارة الإسلامية الشرق أوسطية. ويسلط برنامج «حوار الفنون: اللوفر أبوظبي»، الذي تنظمه شركة التطوير والاستثمار السياحي بالتعاون مع جمعية المتاحف الفرنسية، وافتتح أمس على هامش تدشين بناء متحف اللوفر أبوظبي، الضوء على نماذج من العلاقات المتبادلة بين الثقافات والحقب الفنية والتاريخية المختلفة، التي ستكون أحد المحاور الرئيسية لـ«متحف اللوفر أبوظبي». ويتم تسليط الضوء على الصورة المستقبلية للمجموعات الفنية التي سيضمها «متحف اللوفر أبوظبي». وخلال المعرض أزيح الستار عن أثرين يرجعان إلى العصر المملوكي، من مجموعة الفنون الإسلامية لمتحف اللوفر، القرآن الكريم ومصباح المسجد، حيث توجد شعلة في إناء كريستالي تشع كالنجم الساطع، كتعبير مجازي عن عظمة الخالق عز وجل ومستوحى من الآية الكريمة المأخوذة من سورة (النور) ‏« اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ» فبقدر ما يخرج الضوء ويشع من خلال الكريستال، بقدر ما يمنح إحساسا عاليا بالروحانية. وصمم متحف اللوفر أبوظبي، المصمم العالمي جان نوفيل، الذي صمم «معهد العالم العربي» في باريس، و«دار أوبرا ليون»، و«مؤسسة كارتييه» في باريس، و«غاليري لافاييت» في برلين، و«مركز الثقافة والمؤتمرات» في لوسيرن، و«مركز مؤتمرات تور»، وفندق لوسيرن، ومبنى أنديل في براغ، و«دار الموسيقى السيمفونية» في كوبنهاغن.

وتهدف رؤية جان نوفيل لتصميم المتحف، إلى تشييد مجمع من الأجنحة والساحات والممرات والقنوات، تتلاحم فيما بينها لترسم ملامح مدينة تطفو فوق سطح البحر. وسيعلو مبنى المتحف قبة كبيرة يبلغ قطرها نحو 180 مترا (590 قدما)، تتميز بخطوط وأشكال مستوحاة من الهندسة المعمارية العربية التقليدية وتسمح بمرور الضوء الطبيعي من خلالها.

ورحب الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ببدء تشييد «متحف اللوفر أبوظبي»، مشيرا إلى أن أبوظبي تسعى، من خلال إنشاء هذا المتحف و«المنطقة الثقافية» في جزيرة السعديات، إلى بناء جسور للصداقة والتواصل الثقافي والتقارب الحضاري بين شعوب المنطقة العربية والعالم. وأضاف «اليوم نخطو خطوة هامة في هذا الاتجاه، ونعرب عن عميق تقديرنا للحكومة والشعب الفرنسي على تعاونهم معنا في هذه الشراكة الثقافية التي ستقود إلى تطوير «متحف اللوفر أبوظبي» كصرح جديد للثقافة والفنون الإنسانية». ويقول الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» ورئيس مجلس إدارة «شركة التطوير والاستثمار السياحي»، إن حوار الفنون الذي تستضيفه أبوظبي يمثل «بوابة مثالية للتعرف عن قرب على الآفاق الثقافية والفنية الرحبة التي سيتيحها متحف «اللوفر أبوظبي» لزواره في المستقبل القريب».

أما هنري لويريت، مدير «متحف اللوفر» في باريس فيعتبر أن متحف «اللوفر أبوظبي» مشروعا فريدا، «وهو ليس محاولة لتشييد نسخة من «متحف اللوفر»، بل سيتمتع بخصوصية ثقافية وشخصية جديدة تماما، مستفيدا من المقومات الرئيسية لمؤسستنا العريقة، وفي مقدمتها المهارات والخبرات الفرنسية في قطاع المتاحف، وتكاملها مع روح الانفتاح الحضاري التي تتسم بها دولة الإمارات العربية المتحدة، ليضيف بذلك بعدا جديدا لهويته العالمية».

كما يستضيف «حوار الفنون: اللوفر أبوظبي» لوحتين للفنان إدوارد مانيه، «البوهيمي» و«طبيعة صامتة، السلة والثوم» (1861ـ62)، فصلهما مانيه نفسه من لوحة كبيرة، وظلتا منفصلتين لفترة طويلة حتى اجتمعتا مجددا في «اللوفر أبوظبي». وسيتم عرض اللوحتين مع اللوحة المطبوعة «الغجري» (1862) التي تظهر التكوين الفني الأصلي الذي رسمه مانيه. وسيتمكن زوار الحدث أيضا من مشاهدة اللوحة التجريدية «الصخور المجاورة للمغائر فوق القصر الأسود» للفنان الفرنسي «بول سيزان»، وهي إحدى روائع الفن العالمي، ومن آخر أعمال سيزان. وأحدثت هذه اللوحة تأثيرا كبيرا في حركة الفن التشكيلي مطلع القرن العشرين، حيث تتلاحم الأشكال والألوان في نسيجها البصري لتعكس جوهر الطبيعة. وقد كانت هذه اللوحة إحدى العناصر التي ألهمت بول موندريان خلال تطوير أسلوبه الفني التجريدي، والذي يبدو واضحا في لوحته «تكوين مع الأزرق، الأحمر، الأصفر، والأسود» (1922).

وتضم الأعمال المعروضة أيضا مقعدا خشبيا أنجزه بيار ليغرين، فنان الديكور المفضل لدى مصمم الأزياء الشهير وراعي الفن جاك دوكيه، بمناسبة إقامة معرض الفن الأفريقي الأول في فرنسا، والذي يعقد منذ نهاية العقد الأول من القرن الماضي حتى اليوم. ويستحضر هذا العمل اثنين من مقتنيات «متحف كواي برانلي»، أولهما مسند رأس أنيق مصنوع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وانضم إلى المجموعة الوطنية الفرنسية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، والثاني مقعد أبومي مصنوع أواخر القرن التاسع عشر من خشب الكابوك، ودخل المجموعات الوطنية الفرنسية عام 1931.