المسبحة.. في الصالونات الدمشقية للزينة ورد عين الحسود

البعض يعتبرون اقتناءها هواية كجمع الطوابع

مسابح لها زبائنها في دمشق («الشرق الاوسط»)
TT

منذ عشرات السنين اعتاد الكثير من الدمشقيين على اقتناء «المِسبحة»، أو «السبحة» باللغة العربية الفصحى، وحملها معهم حيثما ذهبوا.

منهم من اعتبرها ضرورية في أثناء تأديته الفرائض الدينية إذ يحملها بين أصابعه ويسبّح بها، في حين أن البعض الآخر اعتبرها أداة للتسلية وتمضية الوقت، فهو «يسبّح» بها وينقلها بين أصابع اليدين وهو جالس في المنزل أو المقهى أو كان مع أصدقائه في أي مكان عام. وهكذا دخلت «المسبحة» الذاكرة الشعبية الدمشقية وأصبحت جزءا من التراث والتقاليد التي يحرص عليها الجيل الشاب. وبالتالي، كان ولا يزال لـ«المسبحة» مكانها في الأسواق الشعبية كسوق الحميدية والعصرونية، وبشكل خاص في سوق المهن اليدوية في التكيّة السليمانية حيث تباع في محلات متخصصة.

أما عن معاملها، فيعمل العديد من الشباب على تصنيع حباتها في ورش بدائية، ولا سيما تلك المصنَّعة بشكل بسيط من نوى حبات الزيتون أو التمر أو من البلاستيك الرخيص. غير أنه توجد بعض المصانع الصغيرة التي تخصصت في صنع «المسابح» الجيدة النوعية التي يرتفع ثمنها حسب جودة المادة المصنعة منها حبّاتها، بصورة مباشرة.

من ناحية ثانية، تنتشر أيضا المسابح الخشبية الكبيرة الحجم (بطول يصل إلى نصف المتر أو المتر أحيانا)، وهي مصنوعة من الخشب المخروط والمشغول في ورش دمشقية يدوية، ولهذه المسابح زبائنها الخاصّون، فبالتأكيد لا يمكن حملها باليد أو التسبيح بها بين الأصابع. وهي إنما يقتنيها الدمشقيون لعرضها في صالونات منازلهم ومكاتبهم ومحلاتهم كقطع زينة إلى جانب اللوحات الفنية والنحاسيات والزجاجيات والشرقيات. وهذا النوع من المسابح عادة ما يكون عدد حباته الخشبية أو البلاستيكية 33 حبة، كبيرة القطر، وهي تأخذ لون خشب الجوز أو خشب الزان، أو تكون مطلية بألوان أخرى حسب رغبة الزبون. أما الأجود في هذا النوع وقد انتشر حديثا بقصد الزينة والديكور هو المصنوع خشب الصندل المطبوخ في أثناء تحضير الحبات مع العطور بحيث يعطي روائح جميلة في الصالونات. كذلك تكون حبات هذا النوع من المسابح مزخرفة ومزينة بآيات قرآنية كريمة وتكون «الشرّابة» حيث يُربط خيطها من المعدن.

من هواة اقتناء المسابح وجمعها.. محمود كلاس، الذي التقيناه في سوق القباقبية الدمشقي القديم المتخصص في الشرقيات. يقول محمود الذي عرّفنا بنفسه بـ«أبو ساطع» لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أعشق حمل المسابح واقتناءها منذ 40 سنة، أي منذ أن كنت طالبا في المرحلة الثانوية، وكنت أقلد والدي في حمل المسبحة, ومن ثم أصبح لدي فضول لأعرف أنواع المسابح الموجودة في السوق، خصوصا وأنني كنت أسمع والدي وأصدقاءه في جلساتهم يتحدثون عن وجود أنواع فاخرة منها تصل أثمانها إلى آلاف الليرات السورية خصوصا تلك المصنعة من أحجار كريمة كالعقيق أو من الكهرمان الإيراني. وهكذا بدأت بهواية جمع المسابح التي أعتبرها هواية جميلة تشبه هواية جمع الطوابع مثلا أو جمع الأنتيكا». ويتابع: «وعلى مدى السنوات الماضية جمعت عشرات المسابح خصوصا النفيس منها، وأحتفظ بها في خزانة بمنزلي. وأصبح لديّ خبرة في تمييز النوع الثمين المصنع من أحجار كريمة عن الأنواع المقلدة الرخيصة الثمن». و«تتنوع أنواع المسابح» يضيف أبو ساطع «الموجودة في الأسواق إن كان من حيث الجودة والنوعية أو السعر أو عدد الحبات. فهناك مثلا مسبحة مصنعة من خشب الزان ومطعَّمة بالصَّدف، وهذه تُصنع بشكل يدوي وسعرها يفوق خمسة آلاف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي)، وهناك مسابح تُصنع أيضا بشكل يدوي في ورش دمشقية تكون مرتفعة الثمن، وفي المقابل يوجد ما هو مصنوع من بذور العجوة (البلح) التي تُطحن وتُعجن ويضاف إليها عرق نحاس، ومسابح أخرى تصنَّع بشكل آلي في معامل خاصة، وهي رخيصة الثمن لا يتجاوز سعر الواحدة منها دولارا واحدا». ويشرح أبو ساطع أن ثمة مسابح تُصنع من المعادن وبالأخص الفضة، الذي يدخل كثيرا في صنع «شرّابات» المسابح الثمينة. ثم يتطرق إلى عدد الحبات فيقول: «عادة يكون عدد حبّات المسابح قابلا للقسمة على ثلاثة، وبالذات 33 أو 66 أو 99 وعموما لكل عدد زبائنه. المتعارف عليه والشائع هو المسبحة ذات الـ33 حبة، وهي التي يقتنيها الرجال والشبان، وهناك المسبحة ذات الـ99 حبة وهذه عادة ما تقتنيها النساء ويحرصن على التسبيح بها في أثناء ممارسة الشعائر الدينية أو حتى عندما يجلسن معا في جلسات ودية». ومع انتشار محلات بيع المسابح في دمشق انتشر أيضا المتخصصون في صيانتها. فهي عادة ما تحتاج إلى تغيير الخيط الحامل الذي يكون عادة من النسيج الحريري الصناعي أو من البلاستيك أو غيرهما، بين الفترة والأخرى، حتى لا ينقطع الخيط. كذلك لا بد من صيانة «الشرّابة» وتنظيفها باستمرار إذا كانت من الفضة.

وفي سوق المهن اليدوية (مبنى التكية السليمانية) في دمشق يقول علاء الدين عامر تركماني، وهو صاحب محل لبيع المسابح كان ورثه عن والده، لـ«الشرق الأوسط»:« تتنوع المسابح بشكل كبير، ولديّ مسابح للزينة، وأكثر الألوان المطلوبة هو اللون الفيروزي لاعتقاد مقتنيها بأنها ترد العين الحاسدة فيضعونها في المنازل أو حتى في السيارات إذا كانت قصيرة. ومن زبائننا السياح الأجانب الذين يعتبرونها فلكلورا أو يشترونها للتسلية في أثناء جولاتهم السياحية في دمشق، كذلك كوني متخصصا في تصليح وصيانة المسابح»، يضيف علاء الدين: «فلدي (قطع غيار) للمسابح من خيطان وحبات بديلة و(المكلات) ـ أي (الشرّابات) ـ و(المادنة) و(الشواهد) بين الحبّات، وكلما ازداد الاهتمام بمكملات المسبحة ازداد الطلب عليها حيث تكون مثيرة لانتباه الزبون».