القاهرة بعدسات المصورين الأجانب في القرن الـ19

صور نادرة تشكل ذاكرة «عروس الشرق» الفوتوغرافية

كوبري قصر النيل.. أول كوبري أقيم على نيل القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

من مكتبة الملك فاروق الأول إلى مكتبة وزارة السياحة، طاف ألبوم ملكي يضم كنزا من الصور الشمسية النادرة للقاهرة التي تعود لعام 1849 التقطتها عدسات فنانين أجانب أقاموا في مصر ومنهم مكسيم دي كامب، وفرانسيس فريث، وبيشار، وليكيجيان، قبل أن يستقر في مكتبة الإسكندرية.

مجموعة الصور التي يضمها الألبوم توضح مظاهر الحياة الاجتماعية في مدينة القاهرة منذ عام 1849 حتى أوائل القرن العشرين، مما دفع مكتبة الإسكندرية إلى إعادة إحياء هذه الصور في كتالوغ «ذاكرة القاهرة الفوتوغرافية» يستدعي صورة القاهرة حتى عام 1952، ويعكس عبر 161 صفحة من القطع الكبير مقسمة إلى 11 قسما، تصورا للحياة في المدينة خلال ما يقارب مائة عام، تستعرض الأحياء والميادين والشوارع والقصور والنوادي الليلية والقناطر، بالإضافة إلى البرك والحدائق والفنادق والدور والمتاحف.

تطوف بنا هذه الصور الرائعة في بانوراما تخيلية للحياة في القاهرة حيث نشاهد ما كانت عليه أحياء المدينة من رقي وعمران خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، كحي الإسماعيلية المعروف الآن بميدان التحرير، والذي كان يعد من أزهى أحياء القاهرة التي خططت في عهد الخديوي إسماعيل، وحي شبرا الذي وصفه الأديب الرحالة البريطاني «دوغلاس سلادين» في القرن التاسع عشر بأنه «فردوس القاهرة»، مشيدا بالقصور المشيدة بها على الطراز الإيطالي، والمحاطة بأندر النباتات والزهور وأشجار النخيل، والبرتقال والموز والتين.

وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، إن هذه المجموعة تحوي صورا تاريخية قيمة ونادرة من محفوظات القصرين الملكيين «عابدين» و«القبة»، والتي تعود للملك فاروق، ما يزيد من قيمتها، وكذلك مجموعة الأمير محمد علي التي تنطق بعظمة مصر الأثرية والتاريخية والعمرانية، والتي توضح التحول التدريجي والتطور المنتظم الذي أحدثه الزمن بعروس الشرق.

ويضم الكتالوج كذلك صورا لحي روض الفرج الشعبي الذي كان يعد قديما مركزا للمسارح، وحي جاردن سيتي الذي وصف بأنه «سلة أزهار انبثقت منها القصور والدور البديعة»، وكذلك حي الزمالك الذي ظهر في القرن الخامس عشر، بالإضافة إلى أحياء أخرى كحي الأزبكية وحي الفجالة الذي سمي بهذا الاسم نسبة لزراعة الفجل بها. تقول شيماء السايح، التي ساهمت في إعداد الكتالوغ، إن الكتالوغ يضم أيضا صور كثير من السرايات والقصور التي اتخذتها أسرة محمد علي مقرا للحكم، كسراي عابدين وسراي القبة وقصر النيل، بالإضافة إلى صور أعرق الفنادق بالقاهرة كفندقي الكونتننتال وشبرد، وأقدم مساجد القاهرة، والقناطر، والبرك التي أقيمت وحفرت بالقاهرة آنذاك.

وتنقل الصور روعة ميادين القاهرة ومنها ميدان عابدين الذي كان في البداية مجرد منطقة متواضعة، عبارة عن مجموعة من البرك الراكدة والمستنقعات، ثم أعيد تخطيطه بفضل «علي باشا مبارك» لتصبح المنطقة من أجمل مناطق القاهرة الحديثة، كما يشمل الكتالوغ صورا لميدان محمد علي، وميدان الأوبرا الذي يعد أحد الميادين الرئيسية وسط القاهرة ومثالا بارزا للتنظيم والتنسيق الدقيق، وميادين باب الحديد «محطة القاهرة»، والملكة فريدة «العتبة الخضراء»، ومصطفى كامل، الذي يمتد منه اليوم شارع قصر النيل أحد شوارع القاهرة المميزة، وكذلك ميدان الخازندار وميدان باب الخرق «الخلق».

ويضم الكتالوغ صور كباري مثل كوبري الإنجليز الأول «كوبري الجلاء» الذي شيد ليربط منطقة الدقي وبولاق الدكرور بالزمالك، وكوبري قصر النيل الذي يعد أول كوبري شيد على نيل القاهرة، والذي لا يزال قائما حتى اليوم، وكوبري بولاق «أبو العلا» وكان معجزة هندسية يربط بين القاهرة وجزيرة الزمالك. أما بالنسبة لشوارع القاهرة، فنجد صورا فائقة الجمال لشارع عماد الدين، الذي تركزت به معظم المحال المهمة مثل المسارح ودور السينما والغناء، وشارع كلوت بك حيث يظهر به عدد من الفنادق والحانات والبارات، وشارع شبرا الذي توضح لنا الصور الفوتوغرافية أنه كان طريقا ممهدا، وكانت الأشجار تحف به، وشارع الهرم الذي لا يزال قبلة السائحين من كل حدب وصوب، وشارع بئر الوطاويط الذي لا يزال معروفا حتى اليوم بهذا الاسم، وموقعه بجوار جامع أحمد بن طولون بشارع الصليبة، هذا بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الصور لعدد هائل من الشوارع كشارع الموسكي، وشارع سليمان باشا، وشارع الملكة فريدة، وشارع نوبار باشا، وشارعي الصاغة وسوق السلاح، وغيرها من الشوارع التي تشير بحسن تنسيقها وروعة تخطيطها إلى أن القاهرة كانت حقا «عروس الشرق».